الكتب السينمائية بالمغرب تقفز على الأساسيات

العديد من المؤلفات تتجه نحو أمور ثانوية مثل نظريات الأفلام وجماليتها وتتجاهل تاريخ السينما كمقدمة تمهيدية لا غنى عنها.

الرباط - يمكن النظر إلى قضية تأليف الكتب السينمائية في المغرب من منظور أكاديمي أولا، للتحقق مما إذا كانت معتمدة لدى طلاب الجامعة من حيث المعايير العلمية التي تشمل المفاهيم والنظريات والرواد والمدارس والمصادر والمراجع، ثم في سياق التكوينات التي تقوم بها الأندية السينمائية، والتي تكون محدودة جدا معرفيا، لهذا نجد الموضوع يشغل حيزا كبيرا في نفسية الطالب السينمائي الباحث، نظرا لارتباطه بدراسة السينما المغربية، وليس تلقينه السينما الإيرانية أو الأميركية أو الأوروبية، فهذه متاحة للجميع عبر الأنترنيت، وخصوصا إذا ما استحضرنا قضية غياب وثائق في تاريخ السينما المغربية، وتاريخ الأندية السينمائية التي خلفت إشكالات معرفية عميقة، أبرزها فراغات مهولة في الهوية السينمائية المغربية، ثم كيف يتحدث الناقد ويفتي في السينما ونحن لا نملك ولو كتابا أكاديميا واحدا معتمدا في تاريخنا السينمائي؟ حيث تبدأ المعرفة عادة بالمقدمات، فكيف ينطلق نقادنا مباشرة من الجماليات؟

وفي محاولة للإجابة على الإشكالات السابقة، يتبين لنا أن فكرة تأليف الكتب السينمائية في المغرب تثير تساؤلات حول ما إذا كانت فعلا كتبا مغربية مبنية على دراسات وقراءات في أفلام تركز على الهوية الثقافية والفنية والاقتصادية والسياسية والرياضية والاجتماعية المغربية بشكل كامل، أم هي مجرد كتب مستنسخة من أفكار غربية تم تعديلها لتناسب السياق المغربي، وهو ما يظهر بوضوح من خلال العناوين التي يعتمدها بعض الكتاب.

نجد، على سبيل المثال كتاب "ما هي السينما" للمخرج المغربي شريف طريق، والذي يحمل نفس عنوان كتاب "ما هي السينما" للناقد والمفكر الفرنسي أندريه بازان، وللأمانة تطرق هذا الأخير إلى تطور مفهوم السينما عبر العصور من خلال دراسة مبنية على الأفلام الأولى والثانية التي أسماها الموجة الجديدة، لكن هذا الناقد لم يكن مستعدا لتعريف السينما بأنها فن، ورغم أنه دارس حقيقي في هذا المجال، إلا أنه ترك سؤال ماهية السينما مفتوحا أمام العالم، ثم قام بمقارنة بين السينما الحديثة والسينما الكلاسيكية، ومن هنا نبع المفهوم، أي من خلال دراسة الأفلام، والأمر نفسه متعلق بكل النظريات السينمائية التي تحدث عنها المفكر الأميركي جيمس ديدلي أندرو في كتابه "نظريات الفيلم الكبرى" والذي يعتبره النقاد المغاربة مرجعا، وهذه الأخيرة صراحة خرافة معرفية محظة، لماذا؟ لأن هذه النظريات بنيت وتأسست من خلال الواقع الأوروبي والغربي للسوق السينمائية آنذاك، وليس للسينما المغربية، فعندما تنظر بنظرية الشكليين والواقعيين، فلن تجد لهم مكانا في الساحة السينمائية المغربية، لأنها ببساطة سينما تجريبية، فيها مزيج من ثقافات متعددة، من بينها حوارات نصفها فرنسي ونصفها إنكليزي والباقي بالدارجة المغربية المنقحة وليست الشعبية العامة.

والسؤال هنا، حتى لو كان هناك تناص في عنوان كتاب شريف طريبق صدفة مع كتاب المنظر الفرنسي أندريه بازان، كيف يكون محتوى الكتابين؟ لأن هناك كتابا آخر لنفس المؤلف تحت عنوان "لغة السينما"، وهذا الكتاب في الحقيقة ألفه المنظر السينمائي الفرنسي مارسيل مارتن، والذي يعتبر من أهم الكتاب الذين يؤلفون في أدبيات السينما؛ لأنه دارس للفلسفة أولا، ثم فنون السينما ثانيا، فإذا اجتمع هذان التخصصان في كاتب، فاقرأ له.

يفصل مارسيل مارتن في كتاب "اللغة السينمائية" أربعة فصول مهمة، أحدها في الخصائص العامة للصورة المتحركة، ثم ينتقل إلى عناصر اللغة السينمائية من خلال الدور الخلاق لآلة التصوير والانتقالات والإضاءة والديكور والملابس والمكياج، ثم المونتاج والزمان والمكان وعمق الميدان والحوار والصوت، كما يتطرق إلى سيميولوجية السينما التي تبنى على الدراسات وليس النسخ واللصق، كما تحدث عن السرد الفيلمي وفروعه، وهذا الرجل في الحقيقة ما ترك شيء له علاقة باللغة السينمائية أو بدراسة الأفلام، إلا وتطرق إليه.

فإذا كان الأصل موجودا، فماذا سيضيفه كتاب بنفس العنوان وغير قائم على أي دراسة ميدانية مثلا؟

إن توظيف بعض كتب السينما المغربية لأفكار منسوخة أو مسقطة أو حتى لعناوين طبق الأصل، أو فقرات تتم إعادة صياغتها وإدراجها ضمن المؤلفات السينمائية المغربية، يعتبر محض هراء معرفي وثقافي وعلمي، في رأي الطالب الباحث، فغالبا ما يكشف الباحث عن ألاعيب مؤلفات الكتب التي تبنى أسماءها على أكتاف العمالقة.
ومن أجل إقناع القارئ بموقف الطالب الباحث هذا، يمكن النظر إلى ما تم تأليفه مؤخرا في مجال السينما المغربية، كتاب بعنوان "فن فهم السينما"، والذي يحمل نفس عنوان كتاب "فهم السينما" للمنظر السينمائي لوي دي جانيني، وهذا الأخير موسوعة شاملة تتضمن كل ما يتعلق بصناعة الأفلام وتذوقها، بداية من التصوير والحركات والمونتاج إلى الفرق بين الفيلم التسجيلي والروائي والدرامي ونظرية السينما، إذ يجدر بنا التأكيد على أن فن فهم السينما يكون دائما مبنيا على ما ذكره لوي دي جانيني في كتابه "فهم السينما"، والذي لم يترك فراغا في هذا المجال.

يمنح موضوع تأليف الكتب السينمائية بعيدا عن هوية السينما المغربية طابعا سطحيا وعشوائيا في تلقي المعرفة، حيث يتم برمجة السنفيليين من خلال ما ألفه الغرب في مجال السينما على مر السنين من خلال نظرياتها وجماليتها وفلسفتها أو علاقتها بالشعر والأدب وعلم النفس، وغيرها من المواضيع التي يتم مناقشتها في كتبهم الأصلية، ونحن فقط نستهلك أفكار الأخرين دون أن ننتج أفكارا خاصة بنا.

فلماذا نقرأ النسخ المقتبسة أو المعاد صياغتها إذا كان بإمكاننا الوصول إلى المصادر الأصلية مباشرة؟

إن هناك أزمة معرفية أكبر بكثير مما تم ذكره، فتخيل نفسك كمثقف سينمائي معترف به كناقد ومنظر سينمائي معروف، لكن لا يوجد في مكتبتك كتابا أكاديميا واحدا حول تاريخ السينما المغربية، باستثناء كتاب ألفه الدكتور والباحث بوشتى المشروح، الذي أصدره قبل فترة قصيرة، تحت عنوان "تاريخ السينما في المغرب منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى عام 1912"، إذ قدم المؤلف جهدا جبارا يكشف عن كوارث وروايات ملفقة في تاريخ السينما المغربية، وهذا الكتاب أحرج النقاد الذين عملوا في هذا المجال لسنوات، إذ لم يتمكنوا من تأليف كتابا واحدا يوثق تاريخ السينما في المغرب أو تاريخ الأندية السينمائية، فما الذي فعلته جميعة النقاد والكتاب منذ التسعينيات حتى اليوم؟ هذا سؤال يثير الاستغراب، فغياب الكتب التاريخية السينمائية المغربية المرجعية يعكس نقصا واضحا في المجال الأكاديمي ويكشف عن قفزات النقد السينمائي في بلادنا.

يمكن القول أن موضوع تأليف الكتب السينمائية المغربية الذي نناقشه هو مشكلة تتعلق بالمصداقية والجودة، وهو أكثر تعقيدا مما نتخيل، وهذا ما يفرض ضرورة تحضير جيل من الطلاب الذين يبحثون في هذا الميدان باستخدام تكنولوجياتهم الجديدة وأساليبهم العلمية الحديثة، بعيدا عن الأيديولوجيات التي عفا عن أصحابها الزمن، وعرقلت قيمة البحث والتطوير في هذا المجال، ومن بين هذه الأيديولوجيات، نجد فيها من يشجع على السينما الإيرانية، ومن يعطي أهمية كبيرة لجوائز الأوسكار، ومن يركز على المهرجانات الكبرى مثل كان وبرلين، ومن ينجذب إلى نظريات السينما ويعتبرها مرجعا للسينما المغربية التجريبية، وننسى الأساسيات التي تبدأ بالتاريخ أولا، والتي تشكل قاعدة مهمة لفهم تطور السينما المغربية.

لا يمكن لأحد أن يتجاهل الواقع الصعب الذي يعيشه قطاع السينما المغربية، فهو يعاني من أزمة في غياب شركات الإنتاج الخاصة ويعجز عن الخروج من جلباب دعم الدولة الذي يتوسطه المركز السينمائي المغربي، ويشهد أزمة في الكتابة السيناريستية التي تفتقر إلى الأصالة التي تنبع من ثقافتنا وتراثنا، وتكون مستنسخة من الثقافات الأجنبية، سواء التركية أو الغربية أو الأوروبية، ويعاني القطاع أيضا من وفرة المهرجانات السينمائية، إذ يتجاوز عددها 84 مهرجانا، وهي متشابهة من حيث التنظيم والثقافة ونفس الوجوه، وتعاني أيضا من أزمة في منح الجوائز والتكريمات التي تمنح بناء على المحاباة وليس بناء على الكفاءة، بالإضافة إلى احتكار شركات الإنتاج وسيطرتها على القنوات الوطنية وكذلك السوق السينمائي المغربي.