ستار جبار علاي يستكشف خبابا الخيارات العربية في الطاقة النووية

الباحث العراقي يطالب في كتابه باستراتيجية عربية موحدة تنتظم سبل التعاون المشترك في المجال النووي.

شكلت الأسلحة النووية علامة فارقة للنصف الثاني من القرن العشرين، وأطلق عليه تعبير العصر النووي على المرحلة التي تلت ظهورها، وصولًا إلى عام 1990 على الأقل، وذلك بفعل المخاطر الرهيبة التي ارتبطت بسيناريوهات الحرب النووية. ولعبت الآثار التدميرية التي مثلتها الأسلحة النووية، أكثر من احتمالات استخدامها، دورًا مهمًا في اهتمام الدول المختلفة بها، ولاسيما مع تضخم حجم الترسانات النووية إلى درجة وصل معها عدد الرؤوس الحربية النووية في نهاية الحرب الباردة عام 1991 إلى حوالي 50 ألف رأس نووي موزعة حول العالم، في اراضي الدول النووية، وبعض الدول الحليفة غير المالكة لتلك الاسلحة، وكذلك في أعالي البحار.

ويعد هذا الكتاب "العرب والطاقة النووية" للباحث العراقي د.ستار جبار علاي أستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد، والصادر أخيرا عن دار العربي محاولة للإلمام بالأهداف من وراء البرامج النووية رغم أنها محاولة صعبة نوعًا ما، لأن الدول غالبًا لا تكشف عن أهدافها وطموحاتها بسهولة وخصوصًا إذا كانت تواجه تحديات وتهديدات من مختلف الأطراف التي تتخوف من هذه الطموحات والبرامج. إلا أن الكتاب حاول بشكل كبير الإحاطة ببعض الأهداف المعلنة عن البرامج النووية دون إغفال ما يمكن أن تنطوي عليه الطموحات إذا كانت بنوايا غير معلنة من مخاطر وتحديات آنية ومستقبلية.

يتناول علاي بالسرد وبالتحليل الواقع العالمي اليوم على إثر الترابط الشرطي بين امتلاك السلاح النووي ومكانة الدول كقوى عظمى بالعالم، وموقع الدول العربية والإسلامية في سباق التسلح الذي تحاول دول العالم خوضه والحصول على مكانة به. ليتوقف إمكانيات الخيار النووي العربي ومع البرامج النووية في كل من مصر وسوريا والعراق والامارات والسعودية وليبيا وإيران وتركيا وباكستان.. إلخ.

ويشير الى ان هناك ﺳﺖ دول في منطقة الشرق الاوسط لديها برامج طاقة نووية عاملة او مخطﻂ لها حاليا.. ولكن حجم ونضج البرامج النووية المطروحة في المنطقة بالاضافة الى دوافعها وتحدياتها ﺗختلف من دولة الى اخرى، فمن ناحية احتياجات وقود اليورانيوم منخفض التخصيب، فان القدرة المتوقع انتاجها من الطاقة النووية في منطقة الشرق اﻷوﺳﻂ بأﻛملها حتى عام 2040 تتراوح ما بين 11 - 42 غيغا واط، وتبدو المنطقة بحاجة الى مصادر اﺳاﺳية لوقود اليورانيوم وللتخصيب. وحتى لو تم الاستناد الى التقدير المنخفض، فان المنطقة ستحتاج الى حوالي 242 طن من اليورانيوم منخفض التخصيب كل عام، وبالتالي الى قدرات كبيرة لتخصيب اليورانيوم ايضًا، اما من ناحية مزودي الطاقة النووية، فان روسيا تقود السباق بمفاعلاتها التي تعتمد تكنولوجيا الماء الخفيف من خلال ترحيبها بالمساعدة في تمويل برامج الطاقة النووية في المنطقة، ومن المنظور الاقتصادي فان استخدام الطاقة النووية في المنطقة سيصبح خيارًا غير مجد اذا بقيت تكاليف الطاقة الشمسية في انخفاض مستمر خلال العقود القادمة.

ويرى علاي أن قضية الخيار النووي العربي تثير مسألة القدرة على استحضار أغلب عناصر ومكونات الوضع العربي الراهن، ولا مفر من الاعتراف بأن هذا الموضوع صار متخمًا بقدر مدهش من الالتباسات والخلط العشوائي أو المقصود بين الحقائق وأوهام المحبطين، وبين الأحلام والامكانات الحقيقية لتحقيقها. ويتصل بذلك أن هذا الموضوع، على خطورته وجديته، لم يكن بمنأى طوال الوقت عن الخفة التي تلامس كثيرًا حدود الاسفاف خصوصًا حينما تتخذه بعض النظم العربية موضوعًا للمزايدة والدعاية الفجة ما صنع حول الموضوع وعيًا زائفًا ومشوشًا ترك ليستشري، ويسكن عقول الملايين من البسطاء بل وقطاع واسع من النخب السياسية.

ويلفت علاي إلى أن بعض الدول العربية بدأت بتبني استراتيجية معينة لبناء قدراتها النووية الخاصة. وتبنت هذه الأنظمة استراتيجيات عسكرية سخرت لها كل ما تمتلك من امكانيات لبناء قوة نووية، وامتلاك القدرة على المواجهة اعتمادًا على أسلحة نوعية بما يجعلها قادرة على تعطيل محاولات زعزعة توازن القوى في العالم. وكان الدافع وراء ذلك محاولة الحفاظ على موازين القوى بشكل متساو في المنطقة، ومواجهة التحديات المحيطة بهم سواء كانت تلك التحديات بسبب القوة النووية الاسرائيلية أو بسبب تنامي القوى الاقليمية المحيطة الاخرى.

ويتابع "أسفر انقسام العالم إلى قوى نووية واخرى غير نووية إلى تحرك الدول النامية في اتجاهين اولهما السعي إلى الحصول على ضمانات أمنية اقليمية عبر إقامة مناطق خالية من الاسلحة النووية، بعد فشل الاتفاقيات الدولية في تحقيق متطلبات الامن للدول غير النووية، ويبرز الخطر بوجود 150 ألف رأس نووي موزعة حول العالم مما يشعر الدول النامية بالقلق على امنها، وقرارها السيادي ووقوعها عرضة للابتزاز واستغلال القوى النووية. وثانيهما محاولة الحصول على التكنولوجيا النووية للطاقة السلمية، فقد طالبت دول عدم الانحياز في عام 1994 في مؤتمر القاهرة بالحصول على تكنولوجيا الاستخدام السلمي للطاقة الذرية، ورفض تمديد معاهدة منع الانتشار في مؤتمر منع الانتشار النووي عام 1995، لكن الدول النووية تجاهلت ذلك ومددت المعاهدة، فالمواقف العربية تنبع من الرغبة في معالجة الاختلالات القائمة في هيكلية المعاهدة، ومعالجة عدم التوازن القائم في منطقة الشرق الاوسط بصفة خاصة، والحيلولة دون حدوث المزيد من الانتشار الرأسي والافقي للأسلحة النووية في العالم وتقنين عمليات الاستخدام السلمي للطاقة الذرية في اطار نظام الضمانات والتفتيش المطبق لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فالشعور بالقلق من العلاقة العدائية التي تربط الدول المتجاورة ضمن المنطقة الاقليمية الواحدة، والرغبة في تعزيز القدرة الوطنية ومكانة البلد على المستوى الاقليمي والدولي، والفكرة الاساسية التي تقف وراء السعي لبناء برنامج نووي مرتبطة بالإمكانيات الهائلة للطاقة الذرية، وخاصة استخدامها لأهداف صناعية وتقنية.

ويؤكد علاي أن جميع محاولات الدول العربية في المجال النووي كانت محاولات متواضعة جوبهت سياسيًا من قبل الولايات المتحدة كما في حالة مصر وليبيا، أو بالتدخل العسكري الخارجي سواء من قبل اسرائيل، ومن ثم الولايات المتحدة الاميركية والتحالف الدولي في حالة العراق، ولم تتطرق، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى أسلحة الدمار الشامل الاسرائيلية، وذلك جزء من استراتيجية تكريس الخلل في التوازن الاستراتيجي في الشرق الاوسط لصالح اسرائيل، فالإرهاصات العربية في المجال النووي على رغم ضعفها وعدم جديتها، إلا أنها لم تتوافق على المستويين الجماعي والفردي. ولذلك لا تمتلك آيا من الدول العربية أي مستوى من نظم التسلح النووية، على الرغم من كل ما تمتلكه من قدرة بشرية، والقدرة التكنولوجية على تصنيعها، وتباينت جهود البلدان العربية في هذا الاتجاه ما بين السعي للحصول على السلاح النووي، أو الحصول على مفاعلات نووية ذات قدرات متباينة، وكميات من اليورانيوم الطبيعي أو النشط، واجراء تعاون مع دول نووية مختلفة، وقد وصل البعض منها إلى مراحل متقدمة في نشاطه النووي العسكري مثل العراق، ويبرز وضع المنطقة الحاجة إلى دراسة موقف القدرات العربية والاسلامية الرئيسة في هذا المجال، وذلك بغية التقييم الدقيق للتوازنات ومن ثم التحديات والتهديدات المستقبلية للبلدان العربية من المنظور النووي.

وينبه علاي لأهمية وجود استراتيجية عربية موحدة تنتظم من خلالها سبل التعاون العربي المشترك في المجال النووي. وإيجاد مؤسسات عربية جديدة تهتم بتنظيم وتطوير القدرات النووية العربية وتبادل الخبرات بين الباحثين العرب. وتعزيز الاتحادات والمنظمات العربية ومراكز الابحاث التي تهتم بقضايا الذرة والتسلح النووي، فضلا عن تفعيل دور الجامعات وإقامة قاعدة معلومات تختص بالتكنولوجيا النووية، وتكثيف الاتصالات مع مراكز الدراسات الاجنبية للاستفادة منها في هذا المجال، ومع العلماء الاجانب وتبادل الزيارات معهم، والاستثمار في الابحاث والطاقة النووية، خاصة وأنها تمتلك من الامكانيات المادية ما يؤهلها لذلك. فليس هناك من خيار امام العرب الا ان يعيدوا من جديد بناء استراتيجيتهم على اساس امتلاك التكنولوجيا النووية. الا ان ما يؤسف له أن القرارات بقيت حبرا على ورق ومن تحرك من الدول العربية في المجال النووي كان يتحرك بدوافع فردية ارتبطت في الكثير من الاحيان بدوافع آنية دون ان تكون هناك خطط علمية مدروسة لأهمية هذا المجال المهم وبرزت دول عربية عدة لكنها واجهت تحديات وعقبات عديدة اجبرتها طوعا او بالقوة على التخلي عن جهودها النووية، وتبقى الامنيات العربية كبيرة في هذا المجال ولكن ما كل ما يتمناه المرء يدركه!.

يؤكد أن التعاون العربي في المجال النووي لم يكن متميزًا عن باقي مجالات التعاون بين الدول العربية، بل انه شكّل نموذجا لكل اوجه القصور التي تميز بها الواقع العربي عموما والواقع الداخلي خصوصًا، فحالة التفكك العربي العام والتركيز على الانكفاء على الداخل بشكل عام كانت واضحة، وغياب التعاون ادى إلى ضعف البنية النووية في معظم الدول العربية. وتبرز التجربة العربية دور بعض القوى الكبرى التي لا ترحب او تدعم المشاريع العربية المشتركة في المجال النووي، ومبرراتها في ذلك عديدة سواء اقتصادية بعدم قدرة اقتصادات بعض الدول العربية على تحمل تكاليف برنامج نووي، أو تقديم اعتبارات التنمية، وتنتهي باستخدام المؤسسات الدولية المختلفة من اجل محاصرة هذا التعاون النووي، سواء من الامم المتحدة أو مؤسسات التمويل الدولي.

ويوضح علاي أن بعض الدول العربية قامت بمحاولات فردية لدخول المجال النووي، وكانت أبرز تجربتين في هذا المجال هما المصرية والعراقية، وكادت إحداها تنجح في ذلك وهي العراق، إذ امتلك ثلاث مفاعلات نووية للأبحاث المكثفة، لكن قيام اسرائيل بضرب مركز تموز النووي العراقي وتحطيم المفاعل الرئيس في المركز وتعطيل تشغيل المفاعل الآخر، كما ان الولايات المتحدة وقفت للطموح العراقي بالمرصاد. فقد قامت بعض الدول العربية بمحاولات فردية لدخول المجال النووي، وشكل العرب مثالًا على كبح وقمع الامكانيات الذاتية الكامنة المتطلعة لامتلاك القوة. فإذا كانت مكانة المنطقة العربية قد ازدادت اهميتها خلال مرحلة الحرب الباردة بتأثير عدة عوامل منها المرتبطة بأولويات القوى العظمى، وقدمت لهم ولنظامهم امكانية تفادي المواقف التي توقعهم كضحية لمصالح أي دولة من الدول المتصارعة على الساحة الدولية، إلا ان تحول المنطقة إلى حلبة للصراع الاستراتيجي المحتدم بين الدول المتنافسة، جراء محاولة ربط المنظومة العربية بالوضع الدولي، وقيدت امكانية المبادرة لديهم، واصاب الشلل الكيان العربي في العديد من عناصره الفعالة، وغابت الصورة العامة لمفهوم الامن، وتحركت كل دولة على حدة بتبني استراتيجية عسكرية وتسليحية معينة لإعداد نفسها لتكون جاهزة للتصدي للقوى الدولية. وفي الوقت نفسه، كانت اسرائيل تبني تطور قدراتها النووية، وهو ما شكل تهديدًا ليس عسكريا فقط بل حتى تهديدًا موجها لمنظومة الامن العربي ككل.

ويرى علاي أن التجربة النووية المصرية تكشف عن المنهجية التي يتعامل بها المجتمع الدولي مع الطموحات النووية السلمية، وغابت الاهتمام عن طبيعة البرنامج النووي المصري الذي لم ينتج عنه سوى خبرات علمية واستخدامات محدودة في مجالات علمية كالطب واجراء بعض البحوث، مما يؤكد حقيقة أن البرنامج لأغراض بحثية وطبية بحتة، فضلا عن الضغوط الدولية للتخلي عن البرنامج أو إبقائه عند حده الادنى على الأقل، وليس هناك من سبيل سوى أن تسعى مصر منفردة، أو من خلال عمل عربي مشترك، بخطوات ثابتة ووفق تخطيط دقيق لتطوير قدراتها النووية بما يسمح لها بامتلاك قدرات نووية عسكرية في مواجهة التهديد النووي الاسرائيلي، وعلى الرغم الضغوط والمحاذير والأزمة الاقتصادية في مصر، فإن ثبات موقف اسرائيل واستمرارها في تطوير قدراتها من السلاح النووي وباقي أسلحة التدمير الشامل الأخرى، تؤكد أن حماية الامن القومي العربي والمصري يستلزم السعي إلى امتلاك السلاح النووي.