العنف يتشكل من الخطر والخوف والوحدة

 تكفير وتخوين من يعارض أفكارها
تكفير وتخوين من يعارض أفكارها

تختلف فكرة العنف من مفكر ومن فليسوف لآخر، فهو متعدد المفاهيم ومختلف الأشكال، إذ أنه يظهر في أكثر من تصرف أو سلوك.

ويرى بعض الفلاسفة مثل لاكان ان العنف يرجع للفرد، في حين اعتبر البعض الآخر مثل فوكو وسعيد أنه ينتج عن ممارسة السلطة والقوة.

ويختلف العنف من شكل لآخر، فهناك عنف شكلي ولاشكلي، وعنف فردي وجماعي (سلطوي)، ويتنوع العنف بحد ذاته في ظل تعدد أسبابه وأنواعه ونتائجه، وسأقوم في هذا المقال بدراسة الأسباب الكامنة وراء العنف وأنواعه، والتأثيرات المختلفة للظواهر البشرية على العنف وعلاقته بها، اضافة الى توضيح مفهوم العنف خصوصاً في النصوص التي تتناوله، وما يترتب عليها من نقد وتحليل.

أسباب العنف وأنواعه

والعنف ظاهرة طبيعية تظهر في السلوك البشري، وتوجد في كل الكائنات لا سيما عند البشر، ولكن له أسباب تؤدي إليه كغيره من الظواهر الطبيعية التي تتجلى في السلوك البشري.

ومن أسباب ظهور العنف الشعور بالخطر والخوف، والاحساس بالوحدة، وسأطلق عليها العُقد الثلاثية ان جاز لي التعبير، وهي عُقد أو مشاكل تنتج عن أسباب سيكولوجية مختلفة، وتؤدي إلى نتائج متباينة ومتعددة..

فالعنف والتطرف ينتجان عن شعور الفرد بالخطر والخوف والوحدة، مما يؤدي به الى مستنقع التطرف والإرهاب.

كما انه عندما يشعر الفرد بالخوف على مستقبله نتيجة عوامل داخلية او خارجية تتمثل في غلاء المعيشة والقمع السياسي للآراء وانخفاض الخدمات الإجتماعية المقدمة، يلجأ إلى حماية نفسه باللجوء إلى الأفكار الراديكالية والجماعات المتطرفة التي تَعِد الفرد بمستقبل آمن.

فالإغواء عن طريق الأفكار الأيديولوجية المختلفة، تجعل الفرد يتودد لهذه الجماعات، وهذا ما ينطبق على الفلاحين الروس الذين اقتنعوا بالشيوعية واعتنقوا افكارها بعد الثورة الروسية الأولى عام 1905نتيجة وعود الشيوعين لهم بحياة مزدهرة خالية من الضرائب والغلاء الاقتصادي وتدني المعيشة.

وينقسم العنف أو الإرهاب إلى نوعين برأيي، النوع الأول هو العنف والإرهاب الشكلي، وهو العنف القائم على القتل وما وافقه من ممارسات مثل التهجير والإبادة، وهو شكلي لأنه يتخذ شكلاً ونمطاً معيناً ظاهراً للعيان، أما النوع الآخر، فهو العنف والإرهاب اللاشكلي، وهو العنف القائم على العنصرية والتمييز الفكري وما نتج عنها من ممارسات مثل سلب الحقوق السياسية والاجتماعية للأقليات.

وهو عنف لا-شكلي لأنه لا يظهر للعيان أي أنه يستتر في أيديولوجيات معينة وفي ممارسات بعيدة كل البعد عن العنف المباشر.

فالعنف أو الإرهاب اللا-شكلي لا يؤثر على الشخص مباشرة، ويحتاج لبرهة من الوقت الى حين ظهور آثاره على أشخاص أو جماعات معينين، فالبطش الشيوعي في عهد ستالين لجماعات المناشفة لم يأتِ صدفة أومباشرة، وإنما احتاج لوقت ولعدة عوامل ليظهر أثره على الأقليات السياسية في روسيا.

ومن عوامل ظهوره إزاحة مؤيدي تروتسكي والمناشفة عن الحكم، وهو ما فعله ستالين عندما نفي تروتسكي ومن معه لسيبريا لكي يتسنى له معاقبة وإقصاء المناشفة والتروتسكين بطرق كثيرة بداية بالإعدامات والاغتيالات وانتهاءً بالتهميش والإقصاء الفكري والسياسي.

فالعنف اللا-شكلي الذي قاده البلاشفة على المناشفة والتروتسكين بقيادة ستالين احتاج لوقت ولعوامل للظهور، كما كان أساسه بالأصل خلاف سياسي فكري أيديولوجي، وهو نفسه العنف المسلط على الناس الان من قبل الجماعات الإرهابية أياً كانت .

فالإرهاب البلشفي وجد قبل مجيء ستالين كإرهاب لا-شكلي أي كفكر وأيديولوجية، ومع اعتلاء ستالين سدة الحكم، أصبح إرهابا شكلياً أي إرهابا يتخذ شكلاً واضحاً للعيان ويقوم على الممارسات الإرهابية المباشرة من قتل وتهجير وتعذيب.

والإرهاب اللا-شكلي يتحول إلى شكلي في حال تم تطبيقه، حيث يتنقل من كونه مجرد فكرة إلى فعل وتطبيق، أي من كونه في حالة الحيز الذهني (الفكرة/ المفهوم) إلى حالة الحيز الفعلي فمثلاً، يوجد الإرهاب الديني كفكرة عنصرية في عقول الكثير من الأشخاص عند عدم تقبلهم الآخر، الا أن هذه الفكرة تحتاج لبضعة عوامل تحفزه ليوجد فعلياً، منها أدلجة عقول الأشخاص عبر قنوات دينية متطرفة تروج الى الطرف الاخر وكأنه شخص لا ينتمي للاسلام ويجب محاربته وتطهير العالم منه.

وبنظري أن العنف والارهاب يقومان على أساس فكري واحد، وهو التمييز الفكري والعنصرية الأيديولوجية بمختلف أشكالها، وينتج العنف اللا-شكلي والشكلي عن الشعور بالخطر من الأفكار الأخرى. أي انه ينتج عن عقدة من أحدى العُقد الثلاثية، فتلجأ الجماعات للعنف والإرهاب عندما تشعر بأن الأفكار والجماعات الأخرى تشكل خطراً فكرياً عليها لا يمكن إيقافه.

العنف: الرفض السلمي واللا-سلمي

لكن باعتقادي، وجب التفريق بين من يحاول أن يرفض قوانين المؤسسات المجتمعية بعضها أو كلها بحجة ما، وبين من يحاول التعدي عيلها.

ففي الحالة الأولى، يكون الرفض رفضاً سلميّاً لا يوقع الضرر بأحد، ككتابة مقال يتم فيه انتقاد الأوضاع التعليمية للبلاد، أو الخروج بمظاهرة سلمية.

أما في الحالة الثانية، فهي حالة رفض لا-سلمي تضر بالغير وتهدد امنه وسلامته وحياته، كالاعتداء عليه أو انتهاك القوانين أو التعدي على فكر أو جماعة معينة والاساءة اليها.

وفي حالة الرفض السلمي، يواجه الفرد درجات خفيفة من الرفض المجتمعي كمنع نشر مقالاته أو حذفها من المواقع المنشورة فيها.

وأما في حالة الرفض اللا-سلمي، فيواجه الفرد الرفض المجتمعي بكافة أنواعه ودرجاته، ويمكن ان يعاني من مشاعر الاحتقار والاهانة الى نفور المجتمع منه، وصولا الى تجريمه ومحاكمته وإعدامه.

وبالطبع فإن هذا الأمر لا ينطبق على الأنظمة الدكتاتورية القمعية كأنظمة الحزب الواحد، فسواء أكانت حالة الرفض سلمية أو لاسلمية، فإن الدول الدكتاتورية تواجه هاتين الحالتين بالإعدامات والتعذيب.

وباعتقادي، يصبح رفض القوانين والمؤسسات المجتمعية تعدياً عندما يتم المساس بشكل مضر بمصالح أفراد المجتمع، ففي هذه الحالة يصبح الرفض السلمي حالة رفض لاسلمي.

كما أنني اعتبر أن حالة الرفض اللا-سلمي تعد إرهاباً لا شكلياً قائما على العنصرية والتمييز الأيديولوجي والإقصاء الفكري للآخر.

وفي نهاية المطاف فإن هذه الأنظمة تمارس مختلف أشكال العنف بسبب خوفها من انتشار الفوضى وانهيار حكمها، فسواء أكانت هذه الأنظمة مؤسسات سياسية أو اجتماعية أو دينية، فإنها دائماً تشعر بالخطر من الأشخاص الذين يعارضون أسس نظامها، أو يعارضون أسلوبها، وبالتالي فان الشعور بالخطر والخوف يؤدي الى اعتناق فكرة الخوف اوممارسته.

والشعور بالخوف لديه ما يبرره برأيي، ذلك أن هذه المؤسسات المختلفة (المجتمعية/ السياسية/ الدينية) لديها أنظمة، وهذه الأنظمة متاكملة مع بعضها البعض، وهي تنظم علاقات المجتمع وتحكمه، فإن انهار نظام لمؤسسة ما تبعه انهيار أنظمة المؤسسات الأخرى وبالتالي انهيار للمجتمع، ولأن هذه الأنظمة المؤسساتية المختلفة تنعكس على المجتمع وأفكاره وعقليته وعاداته وتقاليده، فمن الواجب استخدام العنف والإقصاء أحياناً خاصة اذا كانت الحالة التي تستدعي استعمال العنف حالة رفض لاسلمية قائمة على أساس إيدلوجي تمييزي تمارس التخريب والفوضى كالإيديولوجيات السلفية الإرهابية.

فوجب في هذه الحالة استعمال العنف بشتى أنواعه في مجابهة ومحاربة الأفكار اللا-سلمية والإرهابية لأنها تهدد أمن المجتمع وهويته. ولكن لا مبرر لاستخدام العنف في مجابهة الأفكار السلمية التي تقوم على الحجة والنقد وإصلاح المجتمع وبنائه.

وفي هذا السياق، يمكنني تعريف الجماعات الإسلامية الإرهابية بأنها تنظيمات تحتكر مفهوم الخلافة الإسلامية، أي تطرح مفهومها للخلافة والدولة الإسلامية وتقوم باحتكار واختزال هذا المفهوم لها.

ومن لا يوافقها في رؤيتها حول مفهوم الخلافة والدولة الإسلامية تقوم بتكفيره وتخوينه، مثل جماعات بوكو حرام أو طالبان باكستان وما شابههما من تنظيمات في الفكر والأيديولوجية والأفعال.