المسرح العربي لا يزال مقصرا و'صولو' شهادة تؤكد أن قمع المرأة مستمر

محمد الحمامصي
لازلنا في العالم العربي نهتم بالتراث المسرحي الكلاسيكي

شهدت أولى جلسات ملتقى الشارقة الفكري الذي يقام ضمن فعاليات الدورة الـ 28 لأيام الشارقة المسرحية نقاشات واسعة حول محور "النقد المسرحي العربي: الترجمة والتثاقف" حيث توالت الالتهامات بالتقصير وعدم الدقة في الترجمة مع قلتها وضعف تأثيرها على حركة النقد المسرحي العربي التطبيقي، وغلب على أوراق المتحدثين الإطار التنظيري الأمر الذي دعا المشتغلين بالمسرح من الفنانين والمخرجين والممثلين إلى توجيه سهام النقد والمطالبة بحضور النقاد إلى قاعات العرض ومتابعة ما يقدم من أعمال والمساهمة في نقدها تطبيقيا والابتعاد عن قاعات الدرس الاكاديمي، كما طرحت قضية المصطلحات وما يسببه اختلافها من توتر ينعكس سلبا على تطور النقد، وطالب البعض بوجود مختبر خاص بترجمة المصطلحات أو العمل على توحيد مفاهيمها.

جاء المحور على جلستين بمشاركة نخبة من المتخصصين الأكاديميين والنقاد المسرحيين، حيث انطلق الباحث والناقد السوري أنور محمد في حديثه مشيرا إلى أن المشكلة في علاقتنا بالمسرح كأمة، وهي علاقة مضطربة، أنه ظهر هكذا فجأة وكأنه هبط علينا من الفضاء، فخاف البعض منه في حين أنه مشروع نهضوي/ تنويري، وهو لا يسعى إلى البطولة وإن سعى فبرجاله. هكذا هو في أوروبا شكل نواة إشعاع ولعب دورا تاريخيا فاعلا في الحياة العقلية.

وقال إنه عربيا لم نكن مهيئين للتعامل مع المسرح ولا مع النقد المسرحي أولا لأن هذا الفن وبعبارة فجة "استوردناه" وليس هناك من أسواق له أو مستهلكين من حملة الفكر والعلم، من أصحاب النفوذ الاجتماعي والثقافي ليقفوا في وجه سدنة الدين والسياسة الذين أحرقوا مسرح أبي خليل القباني كمثال.

ثانيا: لأن فعل الترجمة في المسرح وعلومه لم يكن قائما، بسبب أن واقعنا المنهجي من التاريخية واللغوية والسيكولوجية والاجتماعية والعقائدية لم يكن مستعدا للإصغاء لصوت الآخر، صوت عقله وروحه الإنسانية في ثماره التي وضعها في بطون الكتب، وأن الآخر هذا وحتى تاريخه "كافر" مع أن الدول العربية دول مدنية كما تدعي.

وقسم الناقد والأكاديمي المغربي د. حسن بحراوي مداخلته إلى أربع لحظات قدم خلالها استعراضا زمنيا للترجمة:

الأولى: لحظة سلبية اقترنت بإحجام المترجمين والنقلة العرب في بيت الحكمة عن ترجمة التراجيديا الرومانية وترجمتهم للعلوم النفعية خاصة من البلاد المجاورة فارس واليونان، وذلك لأسباب غير معروفة، وقيل في ذلك الكثيرة منه السبب الديني حيث تم الاعتراض على الصنمية والوثنية والكفر، والسبب الذي مرده للبيئة العربية، وأيضا عدم انسجام هذا اللون الفني مع العقلية العربية، وكل ذلك غير مقنع لعدم ملامسته التعبير الدرامي القادم بعد ذلك.

وثانيا: اللحظة الإيجابية لأنها تتصل بانخراط العرب المباشر وانشاء علاقة بالمسرح اعتبارا من ترجمة مارون النقاش في القرن التاسع عشر لمسرحية البخيل لموليير، وهي لم تكن ترجمة بل اقتباسا وقدمها مسرحا في منزله.

اللحظة الثالثة: عندما بدأ أمير الشعراء أحمد شوقي في كتابة مسرحياته الشعرية "مجنون ليلى"، و"كيلوبترا" و"قمبيز" و"عنترة".

رابعا: اللحظة الإشكالية التي تقدم جهد المسرح العربي في أمر المثاقفة.

وتوقف بحراوي عند مسرح العبث واللامعقول والإسهام العربي الذي اشتبك معه وإن رأى أن التجارب العربية في هذا النوع من المسرح ظل معلقا من باب التجربة حيث خرجت التجربة الأم من معطف الحرب العالمية الثانية ومنها العمل الرائد لتوفيق الحكيم "يا طالع الشجرة" وتجربة يوسف إدريس "الفرافير" وتجربة محمد الماغوط "العصفور الأخضر".

ولفت بحراوي إلى إسهام الترجمة في تشكيل حركة نقدية مسرحية عربية ذات طابع منهجي قادر على مقاربة المنجز المسرحي في كليته وأنه لا شك لعبت دورا مركزيا في تطوير المنهجية النقدية وتجويد المتن الدرامي العربي. وهناك ثلاثة مصادر غربية كان لها تأثيرها الأبرز تنظيرا وتطبيقا على الأقل في دول المغرب العربي، وهي كتابة "قراءة المسرح" لآن ابيل فيل" وكتاب جان دوفينيو، وكتاب باتريس بافيس الذي استعرض المكونات النصية للبناء المسرحي.

وأكد د. سعيد يقطين أن إعادة صياغة العلاقة مع الغرب يمكن أن يكون مدخلا لتجاوز الحالة الفوضوية التي نعيشها الآن في كل المجالات من السياسة إلى المسرح، لا أريد أن أكون تشاؤميا، ولكني أقول إن علاقتنا مع الغرب تحقق منها أشياء إيجابية على المستوى المسرحي والكتابة السردية والنقد، وقد صار لدينا تراكم مهم جدا وللأسف لم نقرأه أو ننقده أو ننظر له من مختلف جوانب النقص التي تحول دون رؤيتنا لتطوير الأشكال والممارسات، هناك عوائق كثيرة جدا فكرية وبستمولوجية تحول دون رؤيتنا لذاتنا وهي تتطور.

وقدم يقطين مجموعة من الثنائيات التي تشتغل منذ عصر النهضة إلى الآن وأعتقد أن بعضها عائقا وبعضها الآخر حافزا، العوائق هي ما نشتغل بها متخيلا ووعيا وممارسة، أولا ثنائيات العوائق: ثنائية المسرح/ الأدب، ثنائية العرض/ النص، ثنائية التأصيل / التجريب، الأصالة/ المعاصرة، ثنائية الاحتراف/ الهواية، ثنائية الاقتباس/ التأليف، هذه الثنائيات هي ما يشتغل بها متخيلنا الثقافي وهو يفكر بالمسرح.

ثنائيات الحوافز وهي مهمة لكننا لا نفكر فيها بما يلزم من العناية لتطوير رؤيتنا وممارستنا للمسرح، هذه الثنائيات تتصل بخصوصية المسرح وتكمن فيما أسميه الجنس والنوع، لا نزال لا نميز بين الأجناس والأنواع، لا نميز بين السرد والحرف. ثانيا ثنائية الاختصاص فلا نميز بين العلم المسرحي والنقد المسرحي. كان لا بد أن نعني هذه الثنائيات الاهتمام لتجاوز ثنائيات العوائق التي ننشغل بها انشغالا كبيرا. المسرح فن وصنعة وتكنولوجيا كل هذه المقومات إذا لم نأخذها بعين الاعتبار سوف يكون لذلك أثره على مستوى الإنتاج والممارسة.

وأسف يقطين إلى أننا لازلنا في العالم العربي نهتم بالتراث المسرحي الكلاسيكي مؤكدا غياب مواكبة النصوص المسرحية والدراسات النقدية التي تكتب حاليا وهي متطورة ومنفتحة على رؤى مختلفة، مطالبا باستراتيجية عربية واضحة لترجمة ما يجد من النصوص المسرحية، ورأى أن الكثير ممن يترجمون الآن لا علاقة لها بالترجمة معرفيا وثقافيا، مؤكدا أن الترجمة في عالمنا العربي أصبحت "تجارة".

وطرحت الممثلة والأكاديمية التونسية خليدة الشيباني قضية المصطلحات ومفاهيمها التي تختلف ترجمتها بين المغرب العربي والمشرق العربي، وطالبت بتوحيدها من خلال لجان موثوق بها وقالت إن ثمة ضبابية وخلطا وسطحية في مشهد النقد المسرحي انعكس حتى على حوار النقاد مع بعضهم البعض.

ورأى أستاذ الأدب المسرحي الجزائري د. إسماعيل بن اصفيه أن النقد المسرحي العربي منذ بدايات تشكله كان خارج الاختصاص بمعنى أن الذين كانوا في تلك المرحلة يمارسون النقد لم يكونوا من خريجي معاهد الفنون الدرامية ولا دارسي المسرح وجاء الكثيرون منهم من حقول من خارج حقل المسرح، بمعنى أن الذين مارسوا النقد هم أساتذة قسم اللغة العربية، ومارسوه أدبيا، ففي القاهرة كان محمد مندور وعلى الراعي ورشاد رشدي وغيرهم.

نحن لدينا إشكالية وهي المطالبة أن يكون الناقد المسرحي خريج معاهد الفنون الدرامية، أعتقد أن هذا صعب جدا، وهنا الهوة بين النقد الأكاديمي والمسرحي، المسرحيون يتهمون الأكاديميين بأنهم يعيشون في بروج عاجية ويتحدثون عن نظريات وأفكار، والأكاديميون يتهمون الذين يمارسون النقد المسرحي بأنهم ليس لديهم ثقافة مسرحية، فهل نملك نقادا لهم زاد في تقويم النص، فعندما نتحدث عن الناقد الأكاديمي فهو يملك مرجعية فكرية وثقافية أكاديمية لكن أين هو الناقد الذي يملك ثقافة المسرحية ويتابع العروض المسرحية وتقويم النص إخراجيا وإضاءة وديكورا وموسيقيا؟

وأعتقد من الصعب أن نجد ناقدا بهذه المواصفات التي نحلم أن تتحقق. إننا ندرس في الجامعة النصوص المسرحية لا العروض المسرحية، حيث ينظر إليها نفس النظرة التي ينظر بها إلى الشعر والرواية، فالمسرح لا يشكل جزءا أساسيا في ثقافتنا المسرحية حيث يظل في المراتب الأخيرة في اهتماماتنا، حيث لا نتحدث عنه إلا في المناسبات من مهرجانات وغيرها، حتى في إعلامنا لا يقدم وقياسا إلى الغناء والكرة والسينما والدراما فهو لا وجود له على قنواتنا.

• صولو وقهر المرأة

وبعيدا عن النقاد والأكاديميين جاء العرض المسرحي "صولو" في لوحة تشكلية باهرة، امتزج فيها القهر الاجتماعي والإنساني والديني للمرأة مع تقلبات الإضاءة والموسيقى وأصوات الممثلين التي كانت أشبه بإيقاع راقص، لكن رقص المذبوحة "زهرة" التي انتهك عرضها، لتفلت من أسر الأسرة أما وأبا وأخوة وقيودها، وتلقي بالماضي المشئوم خلف ظهرها، وتعانق حرية مع أعمى، ولكن كيف للجسد الانعتاق في مجتمع يحوم حوله شهوة ولذة ولا يحتمل له حرية، تفقد "زهرة اليد" التي أضاءت جسدها وضعته على طريق الحرية، فتقتل ويزج بها إلى السجن خمسة عشر عاما.

"صولو" رسالة ألمت بشهادات حيوات تحت القمع الفكري والثقافي والعنف الاجتماعي، أسرة زهرة، زهرة، الأعمى وشقيقته، لكنها عزفت على إيقاع صوفي لعبت فيه أحاسيس الممثلين دورا مهما، حيث يمكن أن نستشعر مشاعر البكاء والشهوة والنشوة والسخرية والاستهزاء والألم والقمع والعشق في تجليات أصوات الممثلين الشباب آمال بن جدو وسعيد الهراسي وجميلة الهوني وهدى زبيد ومحمد ابا صالح ومحمد عسيلة وصلاح مقرة، كانوا ناضجين للحد الذي بلغ فيه الصدق مبلغا كأنه حقيقة وليس تمثيلا.

"صولو" طرح دراماتورجي مقتبس من الرواية الشهيرة للكاتب المغربي الطاهر بن جلون "ليلة القدر" التي ترجمها محمد الشركي، وقد عمل المخرج المغربي الشاب محمد الحر من خلال فرقة "أكون" على أن يقدم مضمون الرواية من خلال توظيف مؤثرات جمالية واختيارات حوارية تدفع بالمسار الدرامي وتصاعد به للذروة دون افتعال.