مخرجون وكتاب مسرحيون: آن الآوان لتطوير الجوائز المسرحية العربية

محمد الحمامصي
الجوائز حدث يدفع المبدعين إلى التفكير بأدواتهم ومحاولة تطويرها

تساؤلات وهموم عديدة طرحها نقاد ومشتغلون بالعمل المسرحي إخراجا وتمثيلا وكتابا في ندوة "الجوائز المسرحية العربية بين النمطية والتحديث" التي أقيمت ضمن فعاليات الدورة الـ 28 لأيام الشارقة المسرحية، تطرقت إلى تأثير ودور هذه الجوائز في تشجيع ودعم المسرحيين العرب وتطوير وتجديد أفكار ورؤى وآليات المسرح العربي، لتتعرض إلى انتقادات ومطالبات بتحديثها ووضع معايير جديدة لاختيارات لجان تحكيمها، واستحداث أخرى تتوجه إلى الفرق والمؤسسات والمبادرات الداعمة والناشرة والمروجة للمسرح.

بداية تساءل المخرج المسرحي المغربي أمين ناسور: هل الجوائز التي تمنح في مهرجاناتنا لها قيمة اعتبارية ومادية حقيقية تنعكس إيجابا على العروض المتوجة؟ وقال إن أثر التتويج بالنسبة للعروض على المسرح والمسرحيين زائل مثل أثر العروض في عالمنا العربي الذي لا يتعدى أياما وفي أحسن الأحوال شهور قليلة. مثلا جائزة الشيخ د. سلطان القاسمي التي تنظمها الهيئة العربية للمسرح كونها أكبر جائزة عربية من حيث قيمتها الاعتبارية والمادية، من منا لا يزال يتذكر العروض المتوجة في الدورات الأولى للجائزة من مصر وتونس؟! وكم من الكتابات النقدية التي تناولت هاته العروض نشرت؟ كم من الجولات المسرحية التي قامت بها العروض في أوطانها أو خارج أوطانها؟!

إنها شرفت بلادها بهذا التتويج لكن للأسف الشديد لم تجد النزر القليل من هذا الأمر أو ذاك. وهذا الغياب وراءه عدم اهتمام حقيقي من طرف حكومات بعض بلداننا العربية وعدم إيمانها بأن الابداع والمبدعين رافعة أساسية للتنمية ونشر الوعي في مجتمعاتنا، وبمقارنة بسيطة بين التتويج المسرحي والتتويج الكروي في بلادنا سنكتشف البون الشاسع بين الاهتمام المادي والاعتباري بين المجالين.

ورأى ناسور أن لجان التحكيم قضية تستحق المناقشة والجرأة في الطرح، إذ لا يمكن لمسرحي لا يزال يشتغل في المجال وهو مجال التنافسية مع تجارب أخرى وله اختياراته الفنية والجمالية وأختاره عضوا، مع غياب لفئة النقاد الممارسين. إن نقدنا المسرحي لا يشكل سلطة حقيقية في رفع قيمة تجارب وعروض أو تقزيمها دون معايير حقيقية.

وتساءل هل مازلنا بحاجة ملحة لتجديد وتطوير أساليب التتويج في مهرجاناتنا العربية منها والمحلية حتى لا تكون نسخا متشابهة شكلا ومضمونا؟ وقال "على المستوى العربي يجب خلق إطار لتشبيك وجمع آلياتها وخلق تنظيم دقيق وواضح يكون في مقدمته وجود آلية للترويج للعروض المتوجة والانعقاد على صيغ جديدة لكل مهرجان على حدة وأن تعي أن الجوائز تتويج لمسارات عروض ومبدعين طيلة موسم مسرحي وما حققه من نجاح.

ورأت الكاتبة المسرحية الكويتية تغريد الداوود أن قيمة الجائزة المادية والمعنوية بالنسبة للفنان قيمة كبيرة جدا، وبالأخص الفنان المسرحي، لأن معظم من يعمل في المسرح، ومن أجل المسرح لا يمكنه الاعتماد بشكل كلي على ما يناله من أجر جراء عمله في المسرح كمصدر ثابت للرزق، ربما لأن النظرة السائدة في مجتمعاتنا عن الفن بشكل عام والمسرح بشكل خاص لا تزال تصنفه في قائمة الكماليات، نشاط يتم ممارسته أو متابعته في أوقات الفراغ، في حين تؤمن الدول المتقدمة فكريا وحضاريا بالفن كأحد أهم الوسائل لفهم الحياة وأحد أجمل الوسائل للتعبير عن الرأي وأحد أرقى الوسائل للخلاف الفكري. لذلك كان الاهتمام بإقامة المسابقات ورصد جوائز قيمة للمسرحيين كي لا يتسرب إبداعهم لمجالات أخرى قد تستهلك كل ما لديهم من قدرات وطاقات إبداعية في مكانها غير المناسب.

وأوضحت أنه في المسرح الكلمة هي الركيزة الأساسية، هي المكملة للفعل والمحرض له وليست الساردة له أو الواصفة له. ومع محاولة أنصار دور المؤلف لصالح عنصر الإخراج بسبب ابتعاد بعض المخرجين عن النصوص المكتوبة واللجوء لإعدادهم الخاص، أو بسبب التركيز على الشكل في الفضاء المسرحي، الأمر الذي تطورت به عناصر السينوغرافيا من خلال تطور التقنيات التكنولوجية الحديثة ومدى توظيفها في العرض المسرحي، أو بسبب التركيز على لغة الجسد والتعبير الحركي الذي جاء في كثير من العروض المسرحية مع الأسف على حساب الكلمة والمضمون.

ومن هنا جاءت أهمية وجود جوائز للتأليف المسرحي تعيد إحياء الكلمة وتنهض بالنص المسرحي من حيث اللغة والبناء الدرامي بغية الوصول إلى صيغة معاصرة تثري العرض المسرحي وترتقي بمضمونه دون أن تثقل عليه.

وأشار المخرج والكاتب المسرحي الأردني خليل نصيرات إلى أنه على الرغم من الصدى الإعلامي والثقافي للجوائز المسرحية التي تحقق لحائزيها شهرة ودعما ماديا ومعنويا، وتفتح لهم كل أبواب الحضور والانتشار وتخدم أيضا الجمهور بتبيهه لأعمال مميزة، إلا أنها أحيانا تضع الأعمال المقبلة للفائز داخل وصفات الجوائز وتصبح بمعنى آخر نوعا من التسليع أو الانتاج لحساب الجائزة فقط كمضمون وتقنية على حساب الإبداع.

وأكد نصيرات أن الجوائز عملية استهلاكية بالأساس والامتحان يأتي لاحقا ما بعد الجائزة كيف تصمد النجومية وكيف تتطور وكيف تروج للتميز والاستثناء؟

وقال "الجائزة بما تملكه من دوافع التشجيع والتحفيز تسهم في توفير بيئة ملائمة للإبداع الفني بغض النظر عن الكلام الكثير عن معيارية التحكيم ولهاث المبدعين وراء الجوائز. أنا أرى أنها حدث يدفع المبدعين إلى التفكير بأدواتهم ومحاولة تطويرها لإضافة رصيد من الحضور والتميز، فبمجرد المحاولة للارتقاء فيما بعد يحسب للجائزة مهما كانت النتيجة.

وما بعد الجائزة في تقييمي لا يجب أن يظل حدثا احتفائيا وإخباريا، وهذا ما نراه غالبا حيث يبقى فوز مسرحية ما مثلا خبرا ثقافيا ليس بعده شيء، فلا يساهم أو يكلف الإعلام الفني نفسه بتوسيع الاهتمام بالعمل أو المبدع الفائز، ويظل الاحتفاء مجرد متابعات صحفية بمواضعات الإعلام اليومي أو الأسبوعي لا يفتح نقاشات أو نقدا حقيقا حول الأعمال المقدرة كما يحدث في الغرب مثلا.

وأكد المسرحي التونسي يوسف البحري أن الجوائز المسرحية في حد ذاتها ليست تحديثية وليست نمطية، وقال "نحن من يجعلها كذلك بخطط التنفيذ وبتنفيذ تلك الخطط. هذا موضوع تعيشه الأوساط ذات الصلة بالمسرح العربي. لكن طرحه في التأصيل النظري يكاد ينعدم ما عدا مجرد سعادة بنتائج المسابقات أو مجرد احتجاج عرضي عليها. تخلو الجامعات من الاهتمام بهذا الموضوع وكذا الأمر في الكتب والمقالات ما عدا استطرادات سريعة.

وأوضح أن هناك صنفين أساسيين من الجوائز المسرحية، جوائز ذات صلة بالمسرحيات أو بإسهام فردي فيها فنيا أو تقنيا، وجوائز ذات صلة بمسيرة فنان برمتها. وطابع المنافسة أقوى وأوضح في الصنف الأول. ويوجد صنف ثالث قريب من جوائز المسيرة المسرحية هو التكريم وبعد جائزة لكن تعطيها جهات التنظيم وليس لجان التحكيم. والنمطية أخطر بكثير من حجب المصداقية عن الجوائز لأنها تتصل بالآثار العميقة التي تتركها في الواقع المسرحي من إعلاء لشأن التقليد والخمول الابداعي وكسر شوكة الابتكار والخلق الفني.

ورأى البحري أن الجوائز المسرحية العربية تشمل المسرحيات وصناعها، وآن الأوان للانتقال إلى جيل جديد من الجوائز تشمل البرامج والخطط والاستراتيجيات والسياسات والمؤسسات والشخصيات الاعتبارية. أي "الحاضنة" التي تنشأ الأعمال المسرحية من إرادتها. آن الآوان للانتقال من جوائز المنتوج والمخرجات إلى جوائز القيمة المسرحية، مع بقاء الصنفين معا. جوائز تعطى لقيم منها قيمة نشر المسرح في المجتمع وفئاته وفي المؤسسات مثل المدرسة والجامعة وسواها، وفي الأقاليم مثل المدن والقرى والصحارى وسواها. وقيمة تثبيث المسرح بعد نشره، وقيمة ضمان المسرح للأجيال القادمة، وقيمة إسهام المسرح في مجالات الحياة باعتباره بمثابة ضمير الإنسانية وقيمة تطوير منتجات المسرح، مثل إنشاء مهرجانات ومناسبات تنتمي إلى الجيل الجديد من الاحتفالات والتظاهرات وسواها.

آن الآوان لتظهر جوائز تليق بالمسرح من حيث جهود صانعي الأطر وليس فقط صانعي العروض. إن المسرح أكبر بكثير من المسرحية بل المسرح أوسع بكثير من المسرح ولا يمكن الاستسلام للرؤية المهنية الضيقة للفنون المسرحية.

ونبه إلى أن المسرح جزء من الحياة وصورة الحياة وامتداد الحياة وبديل الحياه وفاعل في الحياة، يلعب صانعو الأطر الدور التحديثي الأخطر لأنهم يوسعون من دائرة ممارسي المسرح، ضمن نشر القيم المدنية وتربية ملكة التذوق المسرحي. صانعو الأطر أفقهم أوسع من الاقتصار على مجتمع المسرحيين ويحمون المسرح من أن يكون معزولا عن مجموعة قد تنعزل بدورها عن المجتمع. إنها جوائز تصلح شخصيا إلى أنها تنقلنا من تثبيت النخبوية في المسرح إلى تثمين جهود نشره وتوسعة أدواره وتجديد آفاقه.

يذكر أن الندوة أدارها المخرج والكاتب المسرحي العماني عماد الشنفري، الحاصل على جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والأداب ووسام الاستحقاق من السلطان قابوس، والذي كشف عن جوانب مهمة في تجربته المسرحية والدور الذي لعبته أعماله في تناول قضايا محورية في الهم العربي العام.