من عام إلى عام.. تزداد العتمة في تركيا

إخوان تركيا الطغيان عبر الديمقراطية

كان 2017 عاما مروعا آخر لمن يعيشون في تركيا وراودتهم أحلام التغيير إلى بلد فيه حرية وعدالة يُحكم بسيادة القانون ويسوده احترام متبادل لمختلف الهويات والآراء.

هؤلاء عاشوا فيه 365 يوما من البث المباشر لعرض مرعب من المشاهد الوقحة والفجة التي دفعت البعض نحو الخنوع والاستسلام وآخرين باتجاه الغضب وملأت آخرين بالخوف.

خلال ذلك العام كنا شهودا على اجتماع القوى غير الديمقراطية مرة أخرى وكلها غطرسة وعدوان وعداء لكل ما هو منطقي. في هذه الأجواء اختارت قطاعات كبيرة من المجتمع، من يمينه ويساره، الاختباء كاستراتيجية للنجاة. فهل كانت 2017 سنة أخرى خسرت فيها تركيا طريقها للديمقراطية وأي سبيل للعودة إليها؟

وفي ظل حالة الارتباك والتشتت وغياب أي استراتيجية لدى الأحزاب المعارضة، من السهل الإجابة على هذا السؤال بكل تأكيد. من يرون تركيا بلدا يعاني فقدانا جماعيا للإدراك يعتقدون أن الأيام تثبت صحة رؤيتهم واحدا تلو الآخر.

إن كل من ينظر إلى تركيا سواء من الداخل أو الخارج يتفق على أن رفض المجتمع التركي الندم والتعلم من أخطائه السابقة هو أحد الأسباب الجوهرية لتدمير الديمقراطية وهو سبب لا يقل أهمية عن الافتقار للقيادة. كما أن كل فصيل من المجتمع التركي يتحمل جزئيا مسؤولية عن الموقف الذي نجد فيه أنفسنا. هذا مؤكد.

كان فشل المعارضة في فهم وتفسير عملية "الانقلاب المدني البطئ" الذي أعقب احتجاجات ميدان غيزي عام 2013 قد أعجز قادتها عن تقديم تشخيص سليم لكل تطور سياسي حدث بعد ذلك.

حتى النخبة احتاجت لأشهر للوقوف على أسباب "نظام الأوامر التنفيذية" الذي فرض على المواطنين الأتراك بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في الخامس عشر من يوليو 2016 أو تقدير حجمه وأهدافه.

ولعل قصر النظر هذا يشير إلى خطأ في النسب التاريخية. لكن المؤكد أننا سنقرأ عن حجم هذه الخطوات الخاطئة وعمقها في كتب التاريخ والأوراق البحثية في المستقبل.

لو أن فرص التغيير خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية ضاعت جميعها تقريبا بسبب طموح الإدارة وقصر نظر المعارضة، فإن الفساد الأخلاقي والدمار القانوني الذي نجد فيه أنفسنا اليوم يعود في الأغلب للعاملين التاليين:

- فشل كل من الأطياف الاجتماعية الممثلة للهويات المختلفة في هذا البلد في فهم استحالة القضاء على المجموعة أو المجموعات الأخرى. لم يحدث من قبل أن تم القضاء بالكامل على فرقة اجتماعية في هذا البلد. هذا ببساطة مستحيل.

- السياسيون والطبقة البيروقراطية والممثلون للفئات الاجتماعية والأقليات العرقية وكثير من أطياف المجتمع المدني والمنظمات المحترفة لا تعمل من أجل إقامة "ديمقراطية" عادلة وليبرالية للجميع لكنهم بدلا من ذلك حاولوا تغيير من يمسكون بالسلطة. ينظرون للسياسات كسباق بدائي من أجل السُلطات.

من منظور صحفي، يبدو وكأن تركيا ستجد نفسها في 2018 في أزمة بأبعاد أخلاقية وسياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية أعمق. ويمكن القول: إن البعض في المؤسسات البيروقراطية والأحزاب السياسية وعالم الأعمال والمجال الأكاديمي والقضاء والإعلام قد قبلوا بمفهوم حتمية "توحيد السلطات" بدلا من مبدأ "فصل السلطات"؛ ويمكن الرد بأن أغلبية الشعب التركي قد وافقت على الوضع الراهن.

من الغريب أن البدائل المطروحة على الناس هي الاستبداد بنغمة مختلفة و/أو وعد محسوب بنقل إنكار المشاكل البلاد إلى الأجيال التالية. وفي هذه المرحلة من الزمان فإن الجزم بالحقائق يتطلب صحافة جيدة وأمينة وتعليقات وتحليلات موضوعية. فالواقعية ليست نقيض التفاؤل.

تقع مسؤولية أي مناقشة صريحة وحرة للتحديات التي تواجه عملية إعادة تركيا لمسار الديمقراطية على كاهل مجموعة من المفكرين الأتراك الشجعان.

في المستقبل القريب هناك مخاطرة تتمثل في احتمال أن نجد أنفسنا في كابوس لا نهاية له. فمن يزعمون بأن كل شيء سيصبح على ما يرام يتجاهلون حكمة أجيال من الناس حوكموا خلال القرن الماضي، في إسبانيا على سبيل المثال، وفي البرتغال والاتحاد السوفيتي وفي إيران منذ 1979. إن جوهر السياسة هو رسم صورة خادعة وكتابة خطابات رنانة وبيع كل هذا للناس.

أما الصحافة فهي على الجانب الآخر تقوم على كشف الواقع مهما كانت حقيقته مؤلمة أو قبيحة.

وسيظل موقع "أحوال تركية" على التزامه بهذا المبدأ، سنبقى منفتحين على الأفكار الديمقراطية كافة دون تمييز لأي أيدولوجية وسنواصل رواية الحقيقة.

ودون النظر لهوياتهم العرقية سنستمر في العمل كمنصة عامة حرة للنقاش لكل من يعتبر الشجاعة الأخلاقية واجبا ولكل من يجرؤ على التعبير عما في ذهنه.

لقد تعرض قطار التقدم في تركيا لعقبات وعثرات الآن. وما بدأ كمشروع ديمقراطية تحول إلى اغتصاب للسلطة ومسرح لخطاب الكراهية حيث بات الاضطهاد والقمع من الأمور العادية. نحن حتى لسنا على يقين من إجراء انتخابات على أسس سليمة فهذا شيء ربما لا يحدث. لكن المؤكد هو أن الأزمة التي تعاني منها تركيا ستزداد عمقا في 2018. المؤكد أيضا أن المهمة المتواضعة هنا ستصبح تلاوة هذه القصة وتحليلها. ورغم كل شيء ندعو بأن يحمل 2018 لقرائنا جميعا عاما مليئا بالسعادة والصحة والسلام. عام سيعيد تأسيس الثقة المتبادلة بداخل كل منا وينادي بمستقبل أفضل.

ياوز بيدر

عن أحوال تركية