أعداء الإعمار بيدهم السلطة في العراق

ما فعله نوري المالكي أثناء فترة حكمه التي امتدت لثمان سنوات من هدر للمال العام لا يفعله إلا شخص أُختير بدقة وتصميم مسبق من أجل تدمير العراق حاضرا ومستقبلا.

ما من شيء فعله زعيم حزب الدعوة الإسلامي إلا وكان حجر عثرة في طريق أية محاولة محتملة للبناء والتفكير في استعادة الحياة السوية وانصاف العراقيين الذين اساءت الحروب لشعورهم بإنسانيتهم وبانتمائهم إلى الحياة المعاصرة.

خبرة الاجرام التي يتمتع بها ذلك الرجل تستحق أن تُدرس من قبل دوائر أبحاث متخصصة في الجريمة.

لذلك أولته الإدارة الأميركية اهتمامها ودعمته بالرغم من علمها بأنه رجل إيران الأول في العراق. لا ينافسه في ذلك عمار الحكيم الذي هو إيراني الجنسية بسبب ولادته هناك. الحكيم هو بمثابة تلميذ صغير في ولائه لإيران مقارنة بالمالكي.

لقد ترك الرجل الذي تروى حكايات عن ما امتهنه من اعمال في دمشق وقد كانت مقر اقامته يوم كان معارضا دولة لن تستطيع التخلص من إرث فساده عبر عشرات السنين. ذلك لأنه اهتدى بطريقة شيطانية إلى سبل تجعل من الفساد قانون حياة لشريحة من المجتمع العراقي لن تتخلى عنه.

"مختار العصر" وهو لقبه الذي ينضح طائفية استطاع في فترة وجيزة من حكمه أن يسلب الحق من صاحبه ليهبه لمَن لا يستحقه.

مثال ذلك أنه قطع رواتب الشهداء العراقيين عن عوائلهم ومنح في المقابل رواتب تقاعدية لمئات الالاف من العراقيين المقيمين خارج العراق منذ أكثر من ربع تحت شعار "الخدمة الجهادية".

وإذا ما كان ذلك الشعار مضللا فإن الأكثر تضليلا منه هو شعار "السجين السياسي". في ظل ذلك الشعار مُنحت للصوص امتيازات مالية خيالية.

في الحالين فإن استنزاف ثروات العراق كان هو الهدف.

كل ذلك كان يصب في خدمة المذهب الذي حل حزب الدعوة محله.

غير أن مصيبة الرواتب التي خص بها أصحاب المناصب السياسية هي واحدة من خرافات عصرنا. ففي بلد مثل العراق كثرت فيه المناصب السياسية، لا يمكن لأية ميزانية أن تغطي الرواتب العالية التي تقدمها الدولة لموظفيها إلا بعجز. وهذا ما انتهت إليه الميزانية العراقية.

على سبيل المثال. بدلا من المحافظ صار هناك مجلس للمحافظة، كل أعضائه يتمتعون بامتيازات خرافية. ثم يأتي المحافظ الذي يقبض راتبا قد يعادل راتب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

لقد أسس المالكي دولة لأباطرة جدد لن يستطيع مَن يخلفه في المنصب أن يفعل شيئا من أجل التخلص من لصوصية المنتفعين منها.

من حيث المبدأ لا يمكن اعتبار فشل حيدر العبادي في معالجة الفساد إلا جزءا من خطة المالكي الذي وضع تلميذه على الخط ذاته. وهو خط الحزب.

لذلك فإن الآمال في إمكانية البدء في إعمار العراق تبدو مخيبة.

فالدولة العراقية في حقيقتها هي في حاجة إلى الأموال لكي تدفع ما يترتب عليها من مستحقات خيالية لا حق لأصحابها بها.

لم يكن المالكي مختار عصره بل كان كارثة عصره.

دولة اللصوص التي أسسها لن يستطيع شيعي مهما اتسعت قاعدته الشعبية من الانقضاض عليها من أجل أن ينقذ العراق.

صنع الرجل طبقة من المنتفعين صاروا واجهة للطائفة التي يئن الملايين من أفرادها من الفقر. غير أنه يعرف جيدا أن كل ما يمكن أن يصدر من تلك الملايين من احتجاجات يمكن امتصاصه من خلال المرجعية الدينية، الحريصة هي الأخرى على المذهب كما هو حرص المالكي نفسه.

لعبة جهنمية لا يمكن أن يؤديها سوى رجل على قدر عظيم من الدهاء.

لقد انتجت مرحلة المالكي طبقة من السياسيين المعاديين للإعمار هم مَن يحكم العراق اليوم وسيحكمونه غدا.

لا يمكن أن يكون المرء مصلحا ولصا في الوقت نفسه.