ماذا يريد الصدر بحقّ السماء!

الإسلاميّون وهم يكرّسون حكمهم الديني الذي دمّر البلاد والعباد، يعتبرون السياسة عبارة عن أسئلة وأجوبة من قبل مقلّد لمرجع ديني حول حكم معيّن. وعندما نتناول مبدأ التقليد، أرى لزاما علينا أن نكون واضحين ودقيقين في تسمية هذه الجهة الإسلامية كونها جهة شيعية وليس غيرها كون التقليد عند الشيعة الإمامية تعني السلطة حتى من الناحية الفقهية بإعتبارها إمتدادا لسلطة الأئمة "المعصومين". ومنذ احتلال العراق وإلى اليوم يخرج علينا العديد من رجال الدين بين الحين والآخر عبر مكاتبهم بسؤال لأحد مريديهم وجواب منهم يحددون من خلاله وجهة نظرهم بشأن سياسي معيّن. وهذا ما نلاحظه من خلال أخبار تتناقلها الصحف لرجال الدين هؤلاء والذين غالبا ما يكونون مراجع دينية شيعية، ورجل الدين الوحيد والذي لا يمتلك حق الفتوى كونه ليس بمرجع من الذين تتناقل وسائل الاعلام أخبار الأسئلة الموجّهة إليه وأجوبته عليها، هو مقتدى الصدر.

إنّ مقتدى الصدر هو رجل سياسة أكثر ممّا هو رجل دين، وفي الحقيقة فأنّ الكثير من معممّي العراق عليهم خلع عمائمهم طالما شغلوا أنفسهم بالسياسة. فمهام رجل الدين في إستنباطه للتفسيرات الفقهية المختلفة لأبناء طائفته هي غير مهام رجل السياسة وهمومه التي تشمل جميع مواطني البلد بغضّ النظر عن إنتمائهم الديني والطائفي والإثني. لذا نرى مقتدى الصدر قد ركب ومريديه مركب محاربة الفساد مع قوى علمانية وليبرالية ومدنية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي من خلال قائمة "سائرون" الإنتخابية، والتي هدفها الأوّل من بين أهداف عدّة هو محاربة الفاسدين والفساد كمنظومة وليس أحدهما فقط. وللآن يعتبر الأمر من الناحية السياسيّة وعلى الرغم من الإختلاف الآيديولوجي بين ركاب هذا المركب مقبولاً بل وضرورياً من الناحية الوطنية والنيّة ببناء عراق جديد. الّا أنّ هذا البناء لا يتم كما ذكرنا قبل قليل الّا بمحاربة الفساد "شلع قلع" وهي تسمية أطلقها الصدر نفسه وليس غيره، كشعار مركزي لمحاربة الفساد، إذن فـ "الشلع والقلع" لا تعني محاربة الفساد عن طريق النفس الطويل ببناء دولة مؤسسات تمأسس لهيئات رقابية قادرة بقوّة القانون من إعادة الهيبة لمؤسسات الدولة والحد من إفلاسها وضياع ثروات البلد فقط، بل وتعني تشخيص الفاسدين ومن يساندهم ومن يدافع عنهم بغضّ النظر عن مراكزهم بالدولة. كما وأنّ "الشلع والقلع" لا تعني إنتظارا سياسيا لكي يفي بوعد فشل في تحقيقه شخصيا لأربع سنوات وحزبيا لأكثر من إثني عشر عاما!

إنّ محاربة الفساد ليست بالأمر الهيّن والسهل، كما ولا توجد عصا سحريّة للقضاء عليه. الّا إننا بحاجة الى مراكز قوّة في السلطة التنفيذية بالدرجة الأولى والتشريعية والقضائية بعدها، للبدء بشكل سلس للضرب بيد من حديد على مراكز ورؤوس الفساد والتي باتت معروفة حتى للمواطن البسيط وبالأسماء، ومن هذه المراكز مركز رئاسة الوزراء. الا أننا نرى الصدر اليوم ومن خلال ردّه على سؤال لأحد مريده عن موقفه من ولاية ثانية للعبادي يقول: "سنعلمكم ذلك لاحقاً فإن المرجعية والشعب ونحن وإياكم بانتظار أن يفي بوعده بمحاربة الفساد"!

ماذا تقول بحق السماء يا رجل!؟

هل العبادي الذي فشل بمحاربة الفساد لثلاثة أعوام وتسعة أشهر على الرغم من وعوده المتتالية، سيكون قادرا على الإيفاء بوعوده بالقضاء عليه خلال الثلاثة أشهر المتبقية من حكمه؟ وإن كنت تريد منحه فرصة ولاية ثانية دون حصول تغيير جذري في اللوحة السياسة للبرلمان القادم، فكيف ستتم محاربة الفساد بنظرك؟ وإن كنت تريد منح حزب الدعوة الحاكم والذي فشل خلال ثلاث دورات إنتخابية بالكمال والتمام في محاربة الفساد، وضياع ثروات بلدنا وترسيخ الفقر كحالة مستديمة، وصاحب الكثير من السياسات التي تصل الى مصاف الجريمة بل والخيانة العظمى بحق بلدنا وشعبنا، فلمَ دخلت الإنتخابات أصلا؟

لتحارب الفساد عليك أن تحدد موقفك بشكل واضح وصريح من رؤوس الفساد ورجالاته، ولا أظنّ من أنّ العبادي وحزبه والمجاهدين الذي معهم هم فوق الشبهات، بل هم فاسدون حد النخاع. محاربة الفساد أيها السيد الصدر لن تتم الا في ظل حكومة جديدة لا مجال للفاسدين المخضرمين فيها، لا أن تقول لي من أنكم بإنتظار أن يفي العبادي بوعوده. لقد خرجنا من حالة الفطام الى الحبو ونحن في طريقنا للمشي، فأحترموا عقولنا كي نحترم مواقفكم.