في الطرف الآخر من العالم

بدلا من أن تحيينا كما تدعي دفنتنا الحركات والتيارات والتنظيمات الدينية أحياءً. لم تكتف بذلك بل صارت تنبش قبورنا بحثا عن لحظة أمل لتطمرها وهي سعيدة أن ترانا عراة من غير تاريخ يُشعرنا بأننا كنا يوما جزءا من المحاولة البشرية لبناء الحياة.

ما الذي يريده دعاة هذا الإسلام الذي لم نتعرف عليه من قبل وظهروا فجأة من خلال جيوش مغول جرارة تتبعها أموال ما حظي بها شعب لتنفقها على مشاريع الهدم والتدمير والتجهيل والإفساد والانتقام والكراهية؟

يوم كانت هناك دول كان الليل يُضاء بالمصابيح أما حين آلت الأمور إلى هذه الوحوش الكاسرة فقد سُحبت عتمة الليل لتغطي شمس النهار. فصار نهار الشعوب ليلا.

"نور على نور" آية من القرآن الكريم استبدلها همجيو القرن الواحد والعشرين عمليا بـ"ظلمة على ظلمة".

إنهم يتحدثون عن الصحوة الإسلامية. ليتنا بقينا نياما ولم نصح ليبق الإسلام طاهرا ونظيفا نستظل بصلاته وزكاته وصومه وحجه وشهادة المؤمنين به.

كانت حياتنا في ظل الأنظمة القاسية نزهة مريحة مقارنة بما انتهت إليه بعد أن صحت العقارب وانطلقت من جحورها لتبث سمومها في كل الاتجاهات. ما قرب منها وما بعد.

الحرب التي تشنها تلك التنظيمات على المجتمع لا تهدف إلى هداية الضالين من أبناء ذلك المجتمع كما يرد في أدبياتها بل إلى قلع المجتمع من جذوره وازاحته من مكانه ورميه خارج التاريخ. هذا هو المعنى الحقيقي للهداية مثلما صار الظلام هو المعنى الحقيقي للصحوة.

وما تكاثر عدد تلك التنظيمات إلا دليل على أن المجتمع صار عاجزا بشكل كلي لا عن وقاية نفسه حسب بل وأيضا عن حمايتها. لقد انتهت مرحلة الوقاية بفشل مدو كما أن مرحلة الحماية في طريقها إلى الانقضاء.

لقد جُنت تلك التنظيمات ومن يقف وراءها حين ضُربت جماعة الاخوان المسلمين في مصر.

وإذا ما كان جنون تركيا اردوغان حدثا متوقعا بسبب اخوانية الرئيس التركي وحزبه فإن جنون إيران خامنئي يكشف عن ترابط المسارات التي اختطتها الجماعات الإرهابية وتشابك مصالحها بالرغم مما تظهره من خلافات عقائدية تبدو كما لو أنها من غير معنى مقارنة بالهدف المشترك.

فحين تُسلم المحافظات العراقية التي كانت في قبضة التنظيم الإرهابي "داعش" إلى ميليشيات الحشد الشعبي فإن ذلك يعني أن قوى الظلام هي التي أشرفت على كل شيء ولم تكن الحرب على الإرهاب إلا واجهة لعملية إعادة تنظيم لوحدات الإرهاب المقاتلة ليس إلا.

سُحب داعش ليحل محله الحشد. ما الفرق؟ ميليشيا تحل محل أخرى ويظل الشعب تحت المطرقة نفسها.

هذا ما يقع في سوريا كل لحظة.

تُطرد جبهة النصرة من مناطق عديدة في سوريا ليحل محلها حزب الله وتستمر المأساة الإنسانية فيمت يكون الانتصار على الإرهاب هو العنوان. ما هي المسافة الفكرية والسلوكية التي تفصل موضوعيا بين جبهة النصرة وحزب الله؟

من السخف مناقشة مسألة حالة الانحطاط الفكري التي تمثلها ظاهرة حزب الله. يكفي أن ذلك الحزب دمر حياة الالاف من الأطفال والشباب اللبنانيين ممن قُدر لهم الانتساب إلى عوائل شيعية من خلال غسل عقولهم ومن ثم استعمالهم حطبا في الحرب السورية التي يعرف الداني والقاصي أنها صارت مزادا عالميا.

على الخط نفسه يستخف رئيس الوزراء العرقي حيدر العبادي بعقول العراقيين حين يقدم الحشد الشعبي كونه القوة المدافعة عن سيادة الدولة العراقية وسلام الشعب الذي تدير شؤونه وهو يعرف جيدا أن تلك الميليشيا تُقاد من قبل مجموعة من القتلة المجرمين المطلوبين للعدالة الدولية والذين يدينون بالولاء المطلق كما هو حال نصرالله زعيم حزب لله اللبناني للولي الفقيه.

كذبة الحرب على الإرهاب يسرت كما يبدو لإيران هيمنتها على المنطقة. فهل إيران من وجهة نظر المتحمسين لتلك الحرب دولة منزهة من مسألة تمويل الإرهاب؟

إيران تقوم بدورها المرسوم لها من أجل تدمير حياتنا في ظل رضا غربي، بالرغم من أن علاقة الغرب ليست حسنة. في المقابل فإن هناك شعورا عميقا بالأسى لدة بعض الأوساط الغربية بسبب المصير الذي انتهت إليه جماعة الاخوان في مصر بالرغم من أن علاقة الغرب بمصر ليست سيئة.

ما معنى ذلك؟

المعنى الوحيد لذلك يكمن في أن قوى الظلام التي دمرت باسم الإسلام حياتنا إن لم تلق الدعم فإنها تحظى بالرعاية من قبل أطراف عديدة في العالم.

لذلك فإن كل ما يُقال عن عداء إيراني لإسرائيل وكل مزايدات اردوغان الفلسطينية وكل حروب حزب الله وحماس وكل ما يقوله الاسلامويون عن الدولة العبرية هو كذب وخداع وضحك على العقول.

الحقيقة تقول أن ما من أحد خدم إسرائيل مثلما خدمتها جماعات وأحزاب الإسلام السياسي حين دمرت حياتنا وسلمتها للظلام.

لقد ألقت بنا تلك الجماعات والأحزاب في الطرف الآخر من العالم وأسدلت الستار علينا.