العرب وأميركا وعراق أهون الشرين

مقدما ينبغي الاعتراف بأن محاولة دول الخليج العربية، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، العودة الناعمة إلى العراق، رغم أنها جاءت متأخرة خمس عشرة سنة، خطوةٌ هامة ونافعة لا تخدم أمنها الوطني، فقط، بل هي خدمة مهمة تقدم للشعب العراقي قد تعينه في صراعه من أجل حريته وكرامته وأمنه، وتعزز صموده في مقاومة الاحتلال والفساد والعزلة.

والذي لا يحتاج لبيان هو أن الصراع الخفي والمعلن في العراق اليوم جارٍ بين معسكرين، معسكر المحتل الإيراني ووكلائه العراقيين الطائفيين الأكثر فارسية من الفرس أنفسهم، ومعسكر العراقيين الوطنيين الذين لا يملكون لمقاومة هذا الكابوس سوى التظاهرات السلمية الغاضبة والاعتصامات في بغداد وأغلب محافظات الوسط والجنوب، وحملات المثقفين العراقيين التنويرية الهادفة لتثوير جماهير المقترعين، وحثها على معاقبة مرشحي إيران، وعدم تمكينهم من الهيمنة على البرلمان القادم، أو على الأقل إضعاف هيمنتهم عليه، ومنع الملطَّخة أيديهم بدماء العراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين والبحارنة من اغتصاب رئاسة الوزراء أربع سنوات أخرى قادمة.

وأغلب الظن أن أميركا ودول الخليج العربية ودولا أوروبية أخرى حين تبذل قصارى جهودها لضمان فوز حيدر العبادي وتمكينه من البقاء في منصبه دورة ثانية ليس لأنها تؤمن بأنه الأصلح، والأكثر وطنية وعروبة ونزاهة، ولكنها لا تملك غيره لسد الطريق على من يجاهرون بطائفيتهم، ويفاخرون بعمالتهم، ويزايدون حتى على قادة النظام الإيراني في العمل على إبقاء العراق معزولا عن أمته وعن محيطه، بأي ثمن.

بعبارة أخرى أكثر وضوحا. إن الدول العربية وأميركا وأوروبا ترى أن عراق اليوم هو عراقُ نمو الغضب الشعبي الوطني في ظل حكومة حيدر العبادي التأجيلية الترقيعية التخديرية، وأن بقاء الحال على حاله أربع سنوات أخرى قادمة لا بد أن يمنح الشعب العراقي وقتا كافيا لبناء جبهته الوطنية القوية الموحدة العابرة للطوائف والقوميات والأديان من أجل خوض معركة الأخيرة للتحرر من الاحتلال الإيراني وعودة أمنه ووحدته واستقراره ورخائه من جديد.

فمما لا شك فيه أن وجود العبادي في القيادة رغم انتهازيته السياسية ومحاولته احتضان الصيف والشتاء معا، يعني حرمان السياسيين الأكثر منه طائفية وعدوانية، كنوري المالكي وهادي العامري وأبي مهدي المهندس، من تسلم القيادة، وإطباق اليد الإيرانية على قواه العسكرية والجغرافية والمالية، فتصبح أكثر قدرة على تصدير إرهابها منه إلى دول الجوار، وهو ما يعني زعزعة أمن دول الإقليم واستقرارها، وفي مقدمتها دول الخليج العربية، وهو ما لا تريده أميركا وأوروبا الحريصة على مصالحها الحيوية في المنطقة.

والأمر الذي لا يحتاج لشرح أن حيدر العبادي ليس الحاكم الديمقراطي الوطني العراقي القادر على الإفلات من القبضة الإيرانية الحاكمة الحقيقية في العراق، والاستدارة نحو دول الخليج العربية وأميركا، دون رضا القيادة الإيرانية وتوجيهاتها. وقد أعلن أكثر من مرة أنه لن يتخلى عن حزبه. ولا يجهل أحدٌ أن "حزبه" كان وما يزال الأكثر إيمانا بولاية الفقيه، والمدلل الحائز على رضا النظام الإيراني الذي سلطه على جميع أحزاب البيت الشيعي الأخرى وائتمنه على خدمة مخططاته وأهدافه التوسعية في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين، من العام 2003 وإلى اليوم.

ولكن لا بد هنا من الاعتراف بأن العبادي أقل دموية وطائفية ورجعية وانتهازية وعدوانية من نوري المالكي وهادي العامري وأغلب قادة حزب الدعوة وأحزاب التحالف الشيعي الآخرين. ولكنه في الوقت نفسه ليس خاليا، تماما، من الطائفية والرجعية والانتهازية ما دام متمسكا بقوة وإصرار بموقعه القيادي في حزبه، ومهادنا للفاسدين من رفاقه في الحزب وفي الأحزاب والمليشيات الأخرى، وما دام غير راغب ولا قادر على التمرد على سطوة قاسم سليماني، وما دام مواليا وراضيا بوصاية الحشد الشعبي عليه وعلى حكومته، وساكتا عن تصريحات كثيرين من قادة النظام الإيراني التي يباهون بها بأن الحشد هو الحرس الثوري الإيراني الثاني الذي سيدافع عن الامبراطورية الإيرانية بدماء شبابه وبأموال العراقيين.

والخلاصة التي ينبغي أن نختم بها هذا المقال هي أن حيدر العبادي أهون الشريرين الكثيرين الآخرين. وهذا هو المطلوب، على الأقل في المدى المنظور.