نساء تونس يعتزمن قطع طريق الحكم المحلي أمام النهضة

إصرار على الحفاظ على المكتسبات

تجاهر شاذلية المصمودي صاحبة مقهى فاخر بمنطقة البحيرة الراقية الواقعة في الضاحية الشمالية تونس العاصمة بأن الانتخابات البلدية القادمة تعد فرصة تاريخية لنساء تونس كي يقطعن طريق الحكم المحلي أمام حركة النهضة من خلال التصويت لقائمات حزب نداء تونس وقائمات الأحزاب الأخرى.

وتقول المرأة وهي تنفث دخان سيجارتها إن \"تونس لا تحتمل مشروعين متناقضين أحدهما يمثل تواصلا مع المشروع الوطني الحداثي الذي حرر المرأة ومشروع الإسلاميين الذي يهدد الحريات وفي مقدمتها حرية المرأة\".

وتمثل المصمودي عينة لجزء هام من التونسيات اللواتي يراهن على الانتخابات البلدية لحسم نتائجها لصالح قائمات نداء تونس اقتناعا بأنه يبقى في نهاية الأمر الحزب العلماني الذي ينتصر لمدنية الدولة ونمط المجتمع المنفتح والحريات الفردية والعامة.

وعلى الرغم من \"الخطاب اللبرالي\" الذي تحاول النهضة الترويج إليه، ورغم التنازلات المرة وفي مقدمتها الفصل بين العمل الدعوي والنشاط السياسي فقد فشلت الحركة في استقطاب \"مجتمع نسوي\" يتوجس من حقيقة خطابها ونشاطها.

وتبدو المصمودي واثقة من قدرة الناخبات التونسيات على \"إعادة رسم خارطة سياسية جديدة للبلاد تستأثر فيها القوى اللبرالية والعلمانية بمواقع القرار السياسي والإداري\".

وهي ترى أن \"التونسيات يمثلن قوة انتخابية قادرة على تغيير الأوزان الانتخابية التي كثيرا ما رددت النهضة بأنها مصدر شرعيتها سواء في الشأن العام أو في الحكم\".

ووفق الهيئة العليا المستقلة تمثل المرأة نحو 48 بالمئة من الجسم الانتخابي وهو ما يعادل نحو 1 مليون و300 ألف ناخبة ما يعني ضمنيا أن التصويت النسوي خلال الانتخابات بإمكانه أن يرجح كفة نتائج صناديق الاقتراع.

وكانت نساء تونس حسمت في الانتخابات الرئاسية العام 2014 النتائج لفائدة قائد السبسي الذي قدم مشروعه آنذاك على أنه مناهض للإسلاميين على حساب منصف المرزوقي مرشح الإسلاميين من خلال حصوله على أكثر من مليون صوت نسائي.

وترى منيرة فتح الله أستاذة الحضارة أن \"المجتمع التونسي لا ينسى أن النهضة استباحت البلاد والدولة خلال فترة حكمها وفسحت المجال أمام الجمعات السلفية المتشددة التي استقطبت الآلاف من الشباب وجندتهم ثم سفرتهم إلى بؤر التوتر في سوريا والعراق\".

ولا تتردد فتح الله في القول إنه \"في حال فوز النهضة في الانتخابات البلدية فإن الكارثة ستحل بتونس دولة وشعبا وقد ينفض التونسيون أياديهم من مكاسبهم ومنجزاتهم\".

وخلال هذه الفترة رفعت الجمعيات النسوية الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة من نسق تحركاتها لتقود جهودا باتجاه توعية النساء بخطورة مشروع الإسلاميين مركزة بالخصوص على أنه مشروع يستهدف حرية المرأة ومكانتها في المجتمع.

ورغم اختلاف الجمعيات، وغالبيتها يسارية، فإنها ترى أن الرهان الوحيد لمواجهة الإسلاميين خلال الاستحقاقات القادمة هو الانتصار للمشروع الوطني الحداثي ممثلا في نداء تونس باعتباره المنافس الوحيد لحركة النهضة.

وتقول وحيدة عاشور الناشطة في جمعية النساء الديمقراطيات إن \"المرأة التونسية التي انتزعت على مدى سنين طوال حريتها ليست مستعدة اليوم للتفريط فيها لذلك فهي عازمة على حسم مستقبلها ومستقبل البلاد لفائدة التحديث الاجتماعي والسياسي\".

وتضيف عاشور لميدل ايست اونلاين تقول \"هناك حالة من الاستخفاف بمشروع النهضة لدى بعض السياسيين والحال أنه يستهدف في العمق مدنية الدولة ونمط المجتمع والحق في الحرية بل الحق في حرية الضمير وفق نص الدستور\".

وفي تونس ينظر للمرأة على أنها عنوان المشروع الوطني الحداثي الذي قاده الزعيم الحبيب بورقيبة خلال فترة الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضية.

وخلال الفترة الماضية طالبت الجمعيات النسوية بتحقيق المساواة الكاملة مع الرجل بما في ذلك المساواة في الإرث والحق بالزواج بغير المسلم ما أثار جدلا كبيرا.

ونجحت المرأة التونسية في اكتساح مواقع قرار كانت حكرا على الرجال مثل القضاء بنسبة 37 بالمئة والكوادر العليا للإدارة بنسبة 30 بالمئة إضافة إلى المحاماة بنسبة 35 بالمئة والتعليم بنسبة 51 بالمئة وهي تمثل نحو 30 بالمئة من القوى النشيطة.

ويرى منجي سعدون الأخصائي في علم الاجتماع \"أن عزم التونسيات على قطع طريق الحكم المحلي أمام النهضة يستبطن وعيا أعمق وأبعد يهدف إلى قطع طريق الحكم أمام الحركة خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة.

ويضيف سعدون لميدل ايست اونلاين \"لقد نشأت خلال الأربعين سنة الأخيرة ما يمكن أن نسميها طبقة سياسية نسائية مثقفة ثقافة عصرية تؤمن بحقها في الاستمتاع بحريتها وبالحياة وهي طبقة علمانية شديدة العداء للإسلاميين\".