ضواحي المدن منطلق هجمات الدولة الإسلامية الجديدة بالعراق

المهمة لم تنتهي بعد

بغداد - انتهى شهر العسل الذي قضاه العراقيون احتفالا بالانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية وعادت أفواج الجيش مجددا إلى ميدان المعارك بعدما التقط المتطرفون أنفاسهم عمليات عسكرية صعبة في ديالى والانبار وكركوك بحثا عن أشباح التنظيم.

للمرة الأولى منذ ثلاثة أشهر عادت الأحداث الأمنية لتغطي نشرات الأخبار عبر هجمات مسلحة يشنها المتطرفون على المدن المحررة ضمن تكتيكات جديدة، وعمليات عسكرية معاكسة لقوات الأمن العراقية في معظم البلدات التي كان يحتلها تنظيم الدولة الإسلامية بينما تؤكد تصريحات رئيس الوزراء حيدر العبادي، وشخصيات بارزة مثل رجل الدين علي السيستاني أن المهمة طويلة ولم تنجز بعد.

في ثلاثين يوما مضت سجل مركز حركات وزارة الدفاع العراقية تصاعدا ملحوظا في نشاط الإرهابيين هو الأعلى منذ انتهاء إعلان الحكومة الانتصار على التنظيم في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، هجمات مباغتة ضد دوريات الجيش وكمائن على الطرق السريعة الرابطة بين المدن، وعمليات انتحارية وصلت إلى ضواحي العاصمة بغداد، وفقا لضابط كبير في وزارة الدفاع.

يقول الضابط الذي طلب عدم الإشارة إلى اسمه \"على مدى الشهر الماضي سجلنا عشرات النشاطات الإرهابية في مناطق متفرقة من البلاد، وتحديدا عند ضواحي المدن المحررة، شرق ديالى وجنوب كركوك وصحراء الأنبار وشمال صلاح الدين وهو مؤشر إلى وجود خطة لتنظيم داعش في إثارة القلق في هذه المدن\".

ويضيف الضابط \"كنا نتوقع عودة داعش قريبا ولكنه اليوم اضعف بكثير ولا يستطيع شن عمليات كبيرة كما كان يحصل في السابق، وبدأ الجيش في عمليات مطاردة واسعة للمتطرفين لمنعهم من تنظيم صفوفهم، هناك المئات من مقاتلي داعش مازالوا طلقاء ويسعون إلى إعادة العنف من جديد\".

في الأسبوع الماضي قتل ضباط وجنود في كمين نصبه إرهابيون على الطريق العام بين بلدتي بلدروز ومندلي في ديالى، وفي الأسبوع نفسه قتلت عائلة كاملة على الطريق العام بين بغداد وكركوك، كلا الحادثتين تمت عبر نقاط تفتيش وهمية، إذ كان الإرهابيون يرتدون الزي العسكري لقوات الأمن العراقية لاصطياد ضحاياهم.

هذه الحوادث تؤشر نقاطا عدة، أولها إن قوات الأمن العراقية وضعت ثقلها في حماية مراكز المدن ولكنها أهملت وضع خطط لتأمين ضواحيها، وثانيا إن المتطرفين ما زالوا يمتلكون قدرة على شن هجمات رغم الهزيمة الساحقة التي تعرضوا لها العام الماضي، وهم يمتلكون القدرة على التأقلم مع أوضاعهم الجديدة.

ولكن تأمين ضواحي المدن التي هي في الغالب مناطق زراعية أو صحراوية واسعة هي في الحقيقة مشكلة مستمرة لقوات الأمن العراقية على مدى العقد الماضي، إذ أن قوات الجيش ليست مؤهلة لتأمين هذه المناطق لصعوبة توفير قوات أمنية برية كافية، وغياب العامل الاستخباراتي والوسائل المتطورة في مراقبة هذه المناطق.

الأحد الماضي كان من المفترض أن يعقد مجلس محافظة ديالى جلسة خاصة مع قادة الجيش والشرطة لمناقشة تدهور الأوضاع الأمنية عند الضواحي، ولكن الجلسة تأجلت بسبب انشغال القوات الأمنية هناك في عملية عسكرية لملاحقة المتطرفين.

مزهر العزاوي قائد الجيش في ديالى يقول إن \"داعش يسعى لتنظيم صفوفه في مناطق شرق وشمال المدينة، ولكن قوات أمنية مشتركة من الجيش والشرطة والحشد الشعبي بدأت بتنفيذ عمليات عسكرية لملاحقتهم\".

ويضيف العزاوي أن \"العمليات متواصلة في مناطق الندا ووادي الثلاب وقزلاقز والقرى القريبة من طريق بلدروز – مندلي الذي شهد تسجيل بعض النشاطات الإرهابية، ولكن الأمور تحت السيطرة وما يقوم به المتطرفون مجرد محاولات يائسة للعودة\".

ولا يختلف الأمر كثيرا في الأنبار، إذ تنشغل أفواج الجيش وقوات مكافحة الإرهاب في عمليات عسكرية منذ أيام في صحراء المحافظة الشاسعة، فيما يحاول مقاتلو الدولة الإسلامية التسلل عبر الحدود السورية إلى العراق، كما عاد \"التحالف الدولي\" لينشر إحصاءات عن غارات جوية جديدة تستهدف معاقل المتطرفين بعدما توقفت لبعض الوقت خلال الأشهر الثلاثة الماضية.

وتكمن قوة التنظيم الجديدة عند الضواحي وفي المناطق الصحراوية، وفقا للعقيد مازن المحلاوي في الفرقة الثامنة في الجيش العراقي الذي يقول إن \"الإرهابيين استعدوا جيدا لمرحلة هزيمتهم، ودفنوا ترسانة كبيرة من الأسلحة في الصحراء والوديان، الأسبوع الماضي عثرنا على مستودعات كبيرة من الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، واكتشفنا أنفاق حفرها داعش قرب البلدات المحررة في الرطبة وهيت\".

ويضيف المحلاوي أيضا \"خلال الشهر الماضي سجلنا نحو عشر محاولات نفذها مقاتلو داعش للتسلل إلى العراق قادمين من سوريا، وهذا يعني أنهم يمتلكون مقرات خاصة بهم في الأنبار، وما يقوم به الجيش حاليا هو الكشف عن المقرات وتدميرها، الاثنين الماضي نفذنا عملية إنزال جوي مهمة في عمق الصحراء وتمكنا من اعتقال قادة في داعش\".

في كركوك المدينة المتنازع عليها بين الكرد والعرب والتركمان يعيش سكانها في خوف وقلق منذ دخول قوات الجيش الاتحادي إلى المدينة وانسحاب قوات البيشمركة في تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي بسبب خلافات الأحزاب هناك، ولكن الخطر الجديد يكمن في عودة الإرهابيين إلى الضواحي الجنوبية في بلدة الحويجة.

وفي 18 شباط (فبراير) الماضي تعرضت قوة من \"الحشد الشعبي\" إلى كمين للإرهابيين عند بلدة السعدونية جنوب كركوك أسفر عن مقتل (27) عنصرا في قوات \"الحشد الشعبي\" واختفاء آخرين في حادثة أثارت غضب العراقيين خلال تشييع القتلى، وبسببها انطلقت عمليات عسكرية منذ ذلك الحين بحثا عن إرهابيين.

قائد الشرطة الاتحادية الفريق رائد شاكر جودت أعلن الاثنين الماضي البدء في عملية عسكرية جديدة تستهدف (14) قرية في بلدة الحويجة بحثا عن إرهابيين متخفين هناك، وبعد ساعات على العملية تم العثور على ثلاثة أنفاق ومعمل لتصنيع العبوات الناسفة وقاعدة لإطلاق الصواريخ، وفقا للقائد.

السؤال المهم هل تمتلك الحكومة العراقية خطة محكمة للقضاء على \"داعش\" بعد تحرير المدن التي احتلها، وأين اختفى آلاف الإرهابيين منذ انتهاء المعارك نهاية العام الماضي؟

وكانت معركة الموصل أطول وأقسى المعارك التي خاضتها قوات الأمن العراقية ضد الدولة الإسلامية وانتهت بطرد الإرهابيين من المدينة بعد تسعة أشهر من القتال العنيف، ولكن المفاجأة أن الجيش العراقي عندما توجه إلى مدن تلعفر والحويجة والقائم وعانة وراوه لم يواجه مقاومة عنيفة وحررها بسهولة خلال أيام قليلة بينما اختفى آلاف الإرهابيين الذين كانوا داخل هذه المدن.

الشيء المؤكد أن تنظيما كبيرا مثل الدولة الإسلامية كان من ضمن حساباته الاستمرار في القتال والاستعداد لسيناريو طرده من المدن الحضرية التي سيطر عليها، وهو الآن يعيد تنظيم صفوفه ومواصلة القتال ولكن عبر تكتيكات جديدة في الاغتيالات واستهداف الجنود عند ضواحي المدن حيث تعتبر نقطة ضعف قوات الأمن العراقية.(نقاش)