اذهلني مشهد رجال الشرطة البريطانية

البارحة رجعت من سفرة سريعة إلى لندن لم تتعد أيامها اصابع اليد الواحدة. توقفت ليلا في اليوم الأخير في محطة فكتوريا لأتناول شيئا من الطعام. اثار انتباهي مشهد جعلني اقف متسمرا لم ابارح مكاني.

ثلاثة رجال شرطة تتوسطهم امرأة شرطية يقفون في صف واحد وامامهم يقف شاب في مقتبل العمر لا يتجاوز عمره العشرين ربيعا – يمسك به شابا آخر بنفس العمر، محاولا ان يبعده عن رجال الشرطة لكن من دون جدوى، فالشاب يبدو عليه التهور والاندفاع وترتسم على ملامح وجهه علامات السكر والخدر ويتملكه نوع من التحدي.

ما اثار انتباهي وشدني هو ان الشاب المتهور، ماسكاً بيده جهاز موبايل ويلتقط صور فيديوية لرجال الشرطة ويتحدث عبر سناب شات بكل ثقة واعتداد بالنفس وكأنه يمزح مع اصدقاء حانة، ويصرخ بوجه الشرطة ويعربد ويقوم بأفعال هستيرية ولكنهم (اي رجال الشرطة) لم يهتزوا او ينفعلوا او يخرجوا من نطاق دائرة العقل والمهنية ليدخلوا دائرة الإنفعال والتهور والعدوانية.

وقفت اتأمل المشهد الدراماتيكي المثير.

الشاب يحاول بكل ما اؤتي من قوة ان يتجاوز على رجال الشرطة ويستفزهم ولكنهم لم يهتزوا او يتجاوزوا عليه بكلمة او يحاولوا ان يدفعوه او يخيفوه بل كانوا يتحلون برباطة الجأش ويظهرون للشاب كل الاحترام.

* * *

استمر المشهد لأكثر من نصف ساعة وانا واقف متسمرا في مكاني اشاهد واتابع الحدث بعيون مفتوحة.

لم يكتفِ الشاب بالصراخ بوجه الشرطة بل راح يخرج من جيبه قطع حلوى وعلكة ويدفعها بفم احد رجال الشرطة بطريقة إستفزازية محاولا جرهم الى حالة الإنفعال ولكنهم ما زالوا يتعاملون معه برباطة جأش وبمهنية واحترام – لم ينفعلوا، لم يعتدوا، لم يتجاوزوا عليه.

انسحب الشاب قليلا وذهب ليتحدث مع امرأة جالسة في رصيف الشارع ثم عاود ادراج محاولاته الإستفزازية من جديد ليقتحم هذه المرة الحاجز الذي صنعه رجال الشرطة امام مدخل محطة فيكتوريا، لكنه لم يستطع اقتحام المدخل لأنهم منعوه بطريقة هادئة جدا دون التجاوز او الاعتداء عليه.

* * *

الحقيقة المشهد اثار في داخلي الكثير من علامات التعجب والاستفهام.

ماذا لو كان هذا الشاب الطائش المتهور في احدى بلداننا العربية؟ هل سيتعامل معه رجال الشرطة والأمن بهذه الطريقة الإنسانية المهنية المهذبة التي تعامل بها رجال الشرطة البريطانية أم أنهم سيمسحون به الأرض؟

بلا شك سيجعلون العصي ورؤوس بنادق الكلاشنكوف تلعب على رأسه وتنهش جسده لتتركه هائما لا يعرف ليله من نهاره، وربما يجرونه من ثيابه بعد الضرب والأهانة الى السجون الرمادية الشكل – عفوا يستقبلونه في ارقى الفنادق ذات الخمس نجوم معززاً مكرما لفترة لا تقل عن شهر او شهرين.

هكذا يكون الإنسان في بلاد الدستور والقانون وهكذا تكون رجال الأمن والشرطة في اشد حالات التحلي بالأخلاق المهنية والإلتزام بقواعد القانون والدستور واحترام ابناء المجتمع ولا يأخذها في مهنيتها واحترامها للإنسان لومة لائم.