انتظروا المجزرة في إدلب

منذ أن أعلنت الولايات المتحدة أنها ستبدأ حربها ضد العراق ليلة 15 كانون الثاني/يناير عام 1991 وهو ما فعلته حقا في منتصف الليل حسب توقيت نيويورك شهد العالم تحولا ملحوظا في قوانين الحرب.

فما جرى يومها يعد سابقة من نوعه ذلك لأن الحروب عادة تقع فجأة من غير إعلان عن ساعة الصفر التي تبقى سرية حفاظا على مبدأ المباغتة التي كان الخبراء العسكريون يعتبرونها خطوة مهمة في كسب الحرب.

في الحالة العراقية لم يكن مفاجئا أن تقوم الحرب غير أن الإعلان الأميركي عن الساعة التي ستقوم فيها تلك الحرب هو الذي كان مفاجئا من جهة ما انطوى عليه من مؤشر لدخول العالم في منطقة، تكون فيها الحرب سلوكا مدروسا مقولبا بطريقة عقلانية لا يمت إلى الانفعال والجنون بصلة.

اليوم تهجر وتجلي روسيا سكان غوطة دمشق إلى إدلب التي سبق لها أن استقبلت الالاف من المهجرين من مدن سورية أخرى في عمليات مماثلة. ترى ما الذي ينتظر أولئك المهجرين هناك؟

لن يكون هناك شيء خارج السيطرة.

إدلب هي محافظة سورية. فهل يُعقل أن روسيا قررت أن تسلمها لمعارضي النظام المسلحين القادمين من مختلف المدن السورية التي تم اجلاؤهم عنها لتكون مكافأة للمهزومين؟

السؤال يتعلق بالصفة التي سيدير المعارضون شؤون تلك المحافظة بموجبها بالرغم من أنه حدث طبيعي أن يقيم المواطن السوري في أي مكان من بلاده، ولكن الإقامة في ادلب لا علاقة لها بذلك الحق.

الذين اختاروا الذهاب الى إدلب بعد أن قاتلوا القوات الحكومية سبع سنوات لا بد أن يكونوا قد خططوا استئناف القتال من هناك. اما المدنيون المنفيون الذين التحقوا بالمسلحين فإنهم ثمرة تلك السنوات السبع العبثية.

بالنسبة لهم صار العالم موزعا بين نظام ومعارضة. ومن البديهي في حالة شد واستقطاب من ذلك النوع أن تضيع الحقيقة.

سبع سنوات من العنف اليومي كانت كافية لغسل الأدمغة. لا أحد كما أظن يمكن أن يلوم أحدا من سكان الغوطة على اختياره البقاء أو المغادرة. فالأمر لا يتعلق بخيار فردي حر بقدر ما يعبر عن حالة جنون وذعر جماعيين.

قد يكون مصير المسلحين معروفا قياسا لمجرى الأحداث.

هناك مجزرة معدة سلفا وهو ما يذكر بالمجزرة التي أعدتها الولايات المتحدة للجيش العراقي. ما يُقلق فعلا هو مصير المدنيين، وهم ضحايا في كل الأحوال. إن كانوا قد قرروا الهرب من مدنهم خوفا من الانتقام وإن كانوا متمسكين بخيار الاستمرار في رفض لاعتراف بشرعية النظام فالأمر سواء.

إنهم ذاهبون إلى المصيدة التي ستقفل عليها أبوابها.

التهجير عملية لا إنسانية وتتعارض مع القوانين الدولية. هذا صحيح ولكن في الحالة السورية لو توقف الأمر عند حدود التهجير لهان ذلك الأمر المأساوي. ما لا يُخفي على أحد أن الذاهبين إلى إدلب انما يذهبون إلى منطقة الموت المؤكد الذي قد لا يقبل التأجيل كثيرا.

فالحل في سوريا سيكون سياسيا، لكن بعد أن تُصفى مسألة حملة السلاح المناهض للوجود الروسي. ذلك الشرط صار مقبولا أميركيا.

كما أن الرهان على المجتمع الدولي والرأي العام العالمي صار بمثابة تصرف ساذج يعبر عن سوء فهم لما شهده العالم من متغيرات منذ أن تم احتلال العراق من غير أن ينطوي الغزو الأميركي على أي مسوغ قانوني.

ما سيحدث في إدلب ليضع نهاية للحرب في سوريا لا يحتاج التكهن به إلى شيء غير عادي من المعرفة بأحوال السياسة.

ذلك لأن قرار القتل جاهز. وهو ما يعرفه الخارجون من الغوطة جيدا. غير أنهم يمنون النفس في كسب شيء من الوقت الضائع ليس إلا.