محمد حسن عبدالحافظ: الروح الصوفية تتجاوز إطار العبادات والقواعد التشريعية

محمد الحمامصي
معظم الصوفيين حرفيين معروفين بسمو الذوق، ونضارة الخيال، ومهارة اليد

رأى د. محمد حسن عبدالحافظ المدير الأكاديمي بمعهد الشارقة للتراث أنه ليس بالوسع فهم الفنون في العالم الإسلامي من موسيقى وإنشاد وخط ورسم ورقش ومنمنمات ونحت وعمارة ونجارة وتشكيل.. إلخ، دون التعمق في فهم الروح الجمالية للشخصية الصوفية، حيث يمثل تجسيد هذه الروح، في مجمل الأجناس الفنية والأدبية، موضوعًا تُعْوِزُه أعمالٌ استقصائية وتأويلية.

ويجاوز المقصود بالروح الصوفية التي اكتست بها الرؤية الجمالية للفنون في العالم الإسلامي والعربي إطارَ العبادات، والتمسك بالقواعد التشريعية المنغلقة، ليسمو إلى آفاق روحية أرحب تجعل منه موقفًا ماورائيًّا من الوجود والكون. فلا يعود الجمال مجرد لذة عابرة تتأتى من المشاهدة أو السماع، وتزول بزوال موضوعها؛ بل يصبح الجمال صفة ثابتة للطبيعة برمتها والوجود بأسره.

وفي هذه النظرة تسامحٌ وتَفَتُّح يعكسان روحًا من الصفاء والرضا، هذه الروح التي طالما حمت الاجتماع الأهلي، في مصر وغيرها، من الوقوع في شرك التطرف، وما ينجم عنه من إرهاب وإرعاب وتهديد.

وسعى في دراسته "الرؤية الصوفية لجماليات الفنون الإسلامية" التي ناقش جانب منها في مؤتمر "الفن الإسلامي في مواجهة التطرف" الذي أقيم أخيرا بمكتبة الإسكندرية إلى صوغ خطة لمقاربة الرؤية الصوفية في جماليات الفنون في العالم الإسلامي. وهي في مسعاها هذا ترصد المفاهيم وتلتقط الظواهر الأساسية المتصلة بالموضوع، ابتداءً من مفاهيم جماليات الفنون والتصوف، وانتهاءً بمظاهر الإبداع الجمالي التي اختص بها الخطاب الصوفي وممارساته عمومًا، من خلال مجموعة من التجليات التي تتنوع ما بين مكون اللغة في الخطاب الصوفي الذي يجعل الخطاب متعاليا عن أنماط الاستعمال اللغوي ذي النسق العقلي المجرد، كلغة إبداع عرفاني تزايل أنماط الإبداع برمتها، وكذلك من خلال مكون الطرب والسماع في هذا الخطاب بصفته ممارسة روحية فنية جمالية ترتبط بخصوصية النسق الصوفي سلوكًا وتسليكًا.

وقال إن الفن يعكس "مادته" عكسًا "خاصًا" يجعل للظاهرة الفنية نوعيتها المتميزة وقانون تطور خاص، ويجعل تطور هذه الظاهرة ليس "تقدمًا" مطردًا كبعض صور البناء الثقافي الأخرى وظواهره، ولا تتناقض هذه الخصوصية للظاهرة الفنية مع خضوعها لما تخضع له صور الوعي الاجتماعي، أي في خضوعها للقوانين العامة التي تحكم علاقة الوعي الاجتماعي بالوجود الاجتماعي.

الفن عمل "خاص"، وينتج الفنان آثاره في ظل ظروف محددة من تطور العمل الاجتماعي، من حيث أدواته وخاماته وعاداته وعلاقاته ومن حيث "تقسيمه" والتخصص فيه، ولذلك فإن الفن يتبع في تطوره الحقائق الأساسية لتطور الوجود الاجتماعي في مجتمعه. غير أن المنتجين كافة يعانون "ظاهرة العلاقة" القائمة وحدَّة التقسيم والتخصص، بينما يكشف الفنان عن "باطن العلاقة" ومغزاها، إن "المباشرة" تجعل الفنان مرتبطًا بذلك الباطن وامتداده في الماضي وحركته إلى المستقبل، وليس معنى هذا الارتباط مفارقة "الواقع"، بل معناه عكس باطن متحرك لا عكس ظاهر واقف.

وأكد عبدالحافظ أن الواقع حركة متطورة مواراة بالصاعد والمتواري. والفن عمل "خاص" لا يخضع لظاهرة هذه الحركة، بل إنه ليلمح جامعًا بين عناصرها الباطنية ويكشف عن مغزى هذا الجامع وجوهره، والفنان منتج "متخصص"، لكنه لا يخضع كغيره من المنتجين خضوعًا كاملًا لشروط تقسيم العمل والتخصص فيه، هو "موهوب" في هذا الجانب من النشاط الاجتماعي، و"خصوصية" عمله تجعله "يتميز" عن غيره من المنتجين، لكنه لا "يمتاز" عليهم. والفن ـ لأنه عمل متحرر من الظاهر والمرئي ومن الجزئي والحرفي ـ يشد من اللحظة ما ترهص به من مستقبل فينبئ ويتنبأ، وعناصر الأصالة والذاتية والغنائية شروط لازمة في كل عمل فني؛ لأن هذا العمل – الخاص – نتاج إنسان له أشواقه ورؤاه ومواقفه وأحلامه، كل هذا يساعد في بيان "خصوصية" للفن بين الظواهر الثقافية والنشاطات الإنسانية، وهذه الخصوصية هي التي تجعل للفن مسارًا وقانون تطور متميزين، ولكن هذا القانون المتميز يعمل وفق قوانين عامة هي قوانين تطور الوجود الاجتماعي.

ولفت إلى أن مفهوم الجمال الإسلامي يعتريه موقفان يجب التمييز بينهما: أولهما الموقف الذي يتطلبه الشرع، ويصدر عن أصول الدين. وثانيهما الموقف الذي يتعلق بأساليب الحياة الاجتماعية والثقافية التي كان المسلمون يمارسونها بالفعل في واقعهم التاريخي، سواء كانوا ملتزمين فيها بقواعد الشرع أم مبتعدين عنها.

ولا شك أنّ المسلمين، خصوصًا في عصور الازدهار الحضاري، قد أقبلوا على الفنون وشغفوا بها، وقدَّروا الأعمال الفنية من غناء ورقص وشعر.. إلخ، وكان النظر إلى هذه الفنون من جهة استثارتها للحواس فحسب، فكان للفن الشعري المقام الأول عند المسلمين، وكما كان المتذوقون يهتمون بالأوزان المعروفة للشعر يهتمون بدرجة أكبر بمضمونه، فلم تكن نظرة المسلمين إلى تذوق الجمال تستند إلى الإدراك الحسي فحسب؛ بل كانت تربط اللذة بما هو جميل بإدراك ذهني كاشف عن جمال المضمون.

ومع هذا، كان لآراء الفقهاء بالمنع والتحريم أثرًا واضحًا في تعطيل توجيه الإحساس بالجمال عند المسلمين تجاه هذه الفنون، وتعطيل إنتاجها في بعض البلاد الإسلامية في المشرق، كالنحت والتصوير. بينما لم يمنع هذا التحريم نفسه المسلمين في الأندلس من أن يبرعوا في هذه الفنون، فكان موقفهم واضحًا من الاهتمام بالفنون الجميلة وتقديرهم للجمال في مختلف صوره، وتعلقهم بالمظاهر الحسية للجمال، سواء عن طريق البصر أو السمع.

وأضاف عبدالحافظ أن التصوف معرفة حسية بالله، أو بالحقيقة الجوهرية، ناتجة عن تجربة ذات شقين؛ هما: المثول والسمو. فالمثول يقوم على تأمل الذات أو ما يسمى بالفلسفة الحضورية للوصول إلى انسجام مع الأشياء وامتلاك قلب يعكس نظام العالم. أما السمو، فيقوم على الوجد المتوجه نحو المطلق، عن طريق الذوق، لا عن طريق اللغة والفكر، حيث تكون الإشارة برزخ الرؤيا الذي تشتغل فيه سيمياء العواطف. وسيمياء العواطف موضوع يدعو إلى النظر من جديد في الأساس الحسي للوجود، وإلى إعادة تركيب مساراته وفق الرؤية التي يطرحها التصوف.

وأشار إلى أن الصوفي يبدو في عمق هذه التوترات كأنه قلب يعكس نظام العالم، وينبض بنبضه، ويئول توتراته الداخلية والخارجية لتنسجم سيمياؤه مع سيمياء الجمال الكلي في إطار روحي تحكمه نداءات التوحد بالأسمى. والراصد لامتزاجات الإنسان بالجمال، عبر تجسداته في الطبيعة والفن، يجد أن تاريخ الجمال، في صلته بحياة الناس، هو تاريخ بعد روحي بامتياز، لا تاريخ تحولات الذائقة وتعرجاته. فالزاوية الروحية هي الأكثر أهمية والأكثر نبلاً في حياة البشرية، وذلك لتجذر نداءات التوحد بالأسمى في عمق عمقهم منذ الأزل.

ومن ثم، كان تقدير أهمية الحاجة الجمالية في المجال الروحي عند جميع الأمم، منذ نشأتها ووجودها إلى اليوم، هو الذي يفسر لنا سر الواقع وراء ظهور جميع الفنون من موسيقى، ورقص، ونسج، ونحت، وعمارة، وتشكيل، فكل هذا الإبداع الفائق كان - ولا يزال - يمثل الجواب الأبدي الخالد الذي تبدعه العبقرية الروحية للإنسان ردًّا واستجابة لنداء عظيم؛ هو نداء الجمال المطلق؛ نداء التوحيد بالأسمى والأكمل.

وقال عبدالحافظ إن الصوفي يلجأ إلى الفنون تارة لإرواء عطشه الجمالي، ولكن الفنون وحدها ليست هي ما يشبع الحاجات الجمالية له. ومن ثم، يتجه تارة أخرى إلى معالم الطبيعة؛ التي تنحدر وإياه من أصل جمالي واحد، باحثًا عن مشهٍد لشروق الشمس أو غروبها في أمكنة أخرى غير الأبنية ذات الطبقات الشاهقة، فضلًا عن فراره بعيدًا عن التلوث والضجيج وجؤار العربات والآلات. وغالبًا ما يراوده؛ وبشكل عاطفي؛ الشعور بضرورة العيش في جٍو آخر ملوٍن بألوان الحفلات والمعارض والمكتبات والندوات والرحلات وغيرها. وهذا يعني أن حاجته الجمالية خاضعة إلى إيقاعات نفسية وزمنية وتطورية، ومشروطة بها.

وحول الإسهمات الإبداعية للصوفيين قال "الفنون لمسات من لمسات الإبداع الجمالي، تعبر عن أحاسيس المبدع وخلجاته التقديرية والعرفانية نحو عظمة الكون الذي يعيش فيه، وقد بلغت هذه الأحاسيس والانفعالات أوجها وقمتها في الزخارف الهندسية، وفي العناصر النباتية، وفي نماذج الكتابة والخطوط العربية، وفي العناصر النباتية، وفي مختلف الحرف اليدوية، حيث أصبحت معينًا لا ينضب للجمال، يوظفه الفنان بمهارة فائقة في التعبير عن إحساسه بالجمال في تجميل المساجد والقصور، وفي إخراج قطع فنية من الأثاث والسجاد والنسيج والخزف، وفي التألق في كتابة المصاحف والكتب وتجليدها وتذهيبها، وفي إبداع الثريات والمشاكي والشمعدانات والقناديل، وفي إنتاج التحف المعدنية والمصنوعات الزجاجية والبلورية، وفي المشغولات الفضية والصناعية الخشبية والجصية متمثلة في الخرط والحشو والتطعيم والتكيف والتعشيق وغيرها.

وأوضح عبدالحافظ أن معظم الصوفيين، مذ عُرِفَ التصوف، حرفيين معروفين بسمو الذوق، ونضارة الخيال، ومهارة اليد، وأناقة المسعى، ديدنهم في ذلك ديدن الأنبياء الذين كانوا يمارسون حرفًا يدوية شتى، ويصبون فيها من الجمال أرواحهم وعقولهم ما يجعلها منهجًا في الحياة محببًا ومتبعًا.

ويذكر تاريخ الصوفية أسماء دالة في هذا السياق كالنساج والعطار، والجصاص والزجاج والحرّار، والدباغ، والحلاج، وما إلى ذلك من أسماء الحرف التي اشتغل بها الصوفية فأثروا الحياة، وعلموا الناس كيف يكون العيش بكرامة. وصارت هذه الحرف في ذروة قدسية، ونظر الناس إلى أصحابها نظرة إجلال وتكريم، ومازلنا نتذكر ذلك الاحترام الذي كان يكنه عامة الناس للخطاط الذي يكتب لهم بماء الذهب وبألوان مختلفة كتاب "دلائل الخيرات"، أو للسفّار الذي يسفر الجلد، أو للصانع الذي يصنع له حقيبة زاهية صغيرة من الجلد ذات حمالة، فيتقلدونه بفرح وازدهار وكأنه يحملون أبهج مباهج الحياة وأسناها وأقدسها، هكذا كان الناس إلى عهد قريب ينظرون إلى هذه الحرف في بعدها الصوفي والجمالي، لا يشذ كبيرهم عن صغرهم.

وعدد عبدالحافظ أشهر هذه الحرف المجسدة للجمال الصوفي في تسمياتها، وللروعة في إنتاجها الحرف التالية: البسط: وتقسم إلى: 1ـ البُسط: وتنقسم إلى: أ‌ـ بسط ملونة ذات أشكال هندسية. ب‌ـ بسط ملونة مزدانة بالكتابة. فالأولى تمتاز بموضوعاتها الزخرفية والألوان والصبغات، والأشكال الهندسية المتشابكة والزخارف النباتية، والفروع والبراعم المزهرة، والطيور والحيوانات المتحورة، والثانية تمتاز بالكتابات الكوفية التي تنسق بطريقة زخرفية على هيئة أشرطة.

2ـ التحف المعدنية: وهى مصنوعة من المعدن كالأباريق ذات المقابض الطويلة المصنوعة من البرونز والمُكَفَّتَة بالذهب والفضة، والشمعدانات، والكراسي، وصناعة المصاحف، والمحابر، والأبواب، والحُلي كالعقود والخواتم والأقراط، والأطباق، والأمشاط، والأقفال، والمفاتيح، والمصابيح، والأوسمة، وصنابير المياه، والخناجر، والسيوف، والقدور، والخوذات. وكل هذه التحف كانت تزخرف بالذهب والفضة ونباتات وحيوانات، وترصع بالأحجار الكريمة وبالمينا، والتكفيت، والتعشيق، والترصيع.

3ـ التذهيب: ويقصد به زخرفة المخطوطات باستخدام المداد الذهبي منفردًا أو مع غيره من الألوان، وهو مرتبط بالخط وتطور أساليبه تطورًا يهدف إلى تجميله، ولم يقتصر التذهيب على الكتب فحسب؛ وإنما استخدم في المصورة منها كالشاهنامه ومقامات الحريري وكتب الطب التشريحي والتاريخ الطبيعي من حيواني ونباتي. وتستعمل في التذهيب التشكيلات الهندسية أو التكوينات الزخرفية والتفريغات الورقية والزهرية والمراوح النخلية، حيث تمتد الزخارف فتشمل الصفحة كلها.

4ـ التزجيج: وأصله اللغوي التدقيق والتطويل، ويقصد به الاشتغال على الزجاج والبلور، خاصة تلك التي عالجت الزجاج ذا البريق المعدني، والزجاج الملون من طبقتين. فقد كان الصناع يشكلون الأواني الزجاجية بنفخ الزجاج المصور في قالبيه الواحد بعد الآخر، ويطعمونها بالمينا الجميلة.

5ـ التطعيم: والمقصود به التقوية والتحسين والتركيب للزخرفية والزينة، ويتمثل في تطعيم الخشب بالعاج أو الكراسي أو الدواليب أو إطارات الصور والمرائي كالبرونز والنحاس والفضة لإنتاج الصحون والأطباق والثريات والأباريق والمباخر.

6ـ التكسية: وهي استخدام لوحات القيشاني لكسوة الجدران، أو تغطيتها بالرخام المزجج أو الأبيض، وتطلق كذلك على تكسية المحاريب في المساجد بالرخام المحلي بالنقوش الذهبية، وقد تستعمل الأحجار الملونة من الداخل أو الخارج في تكسية أسطح القباب والمآذن، وكذلك الحفر والنحت والتكسية بالبلاط الخزفي الملون، وأحيانًا الطوب غير المطلي في تقسيمات هندسية رائعة.

7ـ التكفيت: وهو الجمع والضم والتقليب والتعليق ظهرا لبطن وبطنًا لظهر، ويكون بالحفر في المعادن ثم ملء الفراغ في بالذهب والفضة. وقد استخدم في تزيين الصواني المعدنية والأباريق والشمعدانات والصناديق والمحابر بالأشرطة الذهبية والفضية وبالزخارف والكتابات.

8ـ النحفرة: وهو عملية متداخلة تجمع بين الحفر والنحت، يعتمد فيها الصانع الفنان على أدوات خاصة، فإذا كان همه إزالة أكبر قدٍر من الأرضية حول الشكل سمى النحت نحتًا بارزًا، لأنه يبرز الصورة أو الشكل الأرضية ليعالجه بالتهذيب أو التلوين، وإذا كان همه أن يحفر الشكل على الأرضية الملساء من خشب أو صخر أو معدن أو رخام سمى النحت غائرًا لأنه يبرز الشكل محفورًا غائرًا على الأرضية. وقد تكون الأشكال المنحفرة حشوات للأبواب والشبابيك والمنابر والمحارب والصناديق والعقود والمقرنصات، تأتي في وحدات هندسية نجمية الشكل أو سداسيته أو مضلعته، أو تأتي على شكل زخارف نباتية أو حيوانية محورة تحويرًا هندسيًا، وغالبًا ما تكون الحشوات مطعمة بالعاج أو الفضة أو الذهب أو الصدف. ويتجلى هذا في الأبواب والنوافذ والكراسي والصناديق والمقاعد والفتحات الجصية ذات التخاريم المطعمة بالزجاج الملون.

9ـ الخراط: وهو تدوير الخشب ليأخذ أشكالًا صغيرة أو متوسطة، تركب على بعضها البعض لتدخل في تطعيم المشربيات والكراسي والنوافذ والمنابر بطريقة التعشيق.

10ـ الخزف: ويطلق على ما يصنع من الأواني وغيرها من الطين، ثم يشوى في النار فيصير خزفًا، وهو نوعان: الخزف ذو الزخارف المحفورة البارزة، والخزف ذو البريق المعدني الذي يتميز بصناعته وطلائه وزخرفته. والنوعان معًا يتميزان بالرسوم والزخارف ذات الدقة والمهارة الفائقة الدالة على التجريد والتبسيط والانفتاح على اللانهائي. كما يشملان كل أنواع الأواني من فناجين وأقداح وأباريق وصحون وكؤوس وقوارير وقدور ومسارج (مصابيح) وأحباب (أزيار) وشمعدانات ومزهريات.

11ـ الزخرفة: وهي تطريز الأشياء وتطعيمها وتحسينها وتوشيتها، وقد انصبت في أول الأمر على المصحف فزخرفت غلافه، ثم تطورت بعد ذلك أساليبها فصارت تشمل الترصيع والتذهيب والتلوين والتخريم في أغلفة الكتب وفي السجاد، وفي أبواب المساجد والمباني المصنوعة من الخشب المصفح بالنحاس.

12ـ التوريق: وهو المشهور بالأرابيسك، ويعني استخدام الأوراق النباتية في زخرفة أعمال النحت على الرخام والمرمر والحجر والخشب، أو في الرسوم الحائطية، أو في تذهيب الكتب وجلودها، أو في الرسوم على الورق، أو في الحشوات الجصية.

وأكثر أوراق النباتات استخدامًا في أعمال التوريق هي المراوح النخيلية وأوراق نباتات العنب، تتكون الوحدة الزخرفية من تفريغات نباتية تنبثق منها أشكال المراوح والنخيل أو أنصافها متجمعة أو متداخلة، وتستعمل هذه الزخارف المكونة من فروع نباتية وجذوع مثبتة ومتشابكه ومتتابعة، وتبدو بسبب شدة بعدها عن الطبيعة كأنها رسوم زخرفية.