إصلاحي يقلد إصلاحيا على طريق الفساد

الرئيس الإيراني حسن روحاني ينتمي إلى فصيلة الإصلاحيين. يقلده في ذلك رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي.

بالنسبة للعبادي وهو عضو معتق في حزب الدعوة الموالي لإيران فإن التقليد ضروري لكي يؤكد المرء شيعيته.

أما بالنسبة لروحاني فإن الولاء للولي الفقيه هو مصدر سلطته وليس الشعب. وهو ما لا يشكل عقدة بالنسبة للعبادي.

فلا تناقض بين أن يكون الحاكم اصلاحيا وتابعا لسلطة تلهمه "الحق" بصيغته الدينية. ذلك الحق هو من وجهة نظر الحاكم بأمر الولي الفقيه أهم من مصالح الشعب والدولة التي يقودها والقيم الأخلاقية التي يجب أن يحافظ عليها والقوانين التي تنظم علاقة الحاكم بالمحكوم بما لا يفارق روح العدالة.

الرئيسان الاصلاحيان الوحيدان في منطقة الشرق الأوسط لهما مرجعية واحدة. وهي مرجعية تقع خارج القانون لأن القوانين لا تنص عليها وخارج الشرعية لأن الشعبين في إيران والعراق لم ينتخبا الولي الفقيه.

وهو ما يعني أننا نقف إزاء حالة شاذة.

من الممكن فهم ظاهرة روحاني في سياق الوضع (الثوري!) في إيران باعتبار أن الدولة هناك تستند إلى قوانين الجمهورية الإسلامية التي أنشأها الخميني عام 1979. وإذا ما كان روحاني إصلاحيا أو محافظا فهو في النهاية رجل دين إيراني معمم يؤمن بـ"خط الإمام".

روحاني قياسا بالحالة الإيرانية لم يكن ظاهرة ملفقة. إنه جزء من النظام الذي أنشأه الخميني وهو حريص في إصلاحه على أن يكون وفيا للإمام.

أما العبادي فإن ظاهرته تنطوي على الكثير من الكذب والنفاق والدجل.

فإذا كان الرجل الذي لم يعلن صراحة ولاءه للولي الفقيه جادا في مشروعه الإصلاحي فلمَ لم يجتث قواعد الفساد التي يعرف جيدا أن مصدر قوتها الوحيد هو ولاؤها لإيران وللولي الفقيه؟

مشكلة حيدر العبادي تكمن في عجزه عن التحرر من تبعيته الحزبية للولي الفقيه. وهي ليست تبعية عقائدية كما يتوهم الكثيرون.

حزب الدعوة الحاكم في العراق ومعه جميع الأحزاب الإسلامية، شيعية كانت أم سنية هي في حقيقتها أدوات حرب إيرانية. وهو ما صار العراقيون على يقين منه، بعد أن خذلهم النواب في ثلاث دورات انتخابية.

الرئيس الإصلاحي العبادي لم يغرد خارج السرب إلا بما لا يؤثر على استمرار آلية الفساد. فهو يعرف أنه يقود دولة فاسدة. بل أنه يعرف أن مكتبه يرعى معظم عمليات الفساد التي تدمر حياة العراقيين. ناهيك عن أن تاريخه الوظيفي لا يشير إلى مستوى من النزاهة من شأنه أن يضع بينه وبين الفاسدين مسافة يمكن النظر إليها بشيء من التقدير.

وكما يبدو فإن الرجل الذي طرح مسألة الإصلاح في بدايات حكمه نهجا كان يقصد شيئا فيما فهم الآخرون "المتفائلون" من كلامه شيئا آخر. لقد حُمل كلام الرجل معان لم يقصدها أصلا. فما هو إلا أداة لتنفيذ ما يُملى عليه من قبل الولي الفقيه الذي لا يجد في نهب ثروة العراق فسادا.

هذه هي حقيقة العبادي. كان بديلا ناعما لسلفه المالكي الذي أعتبر خشنا. في حين يكمن سبب أبعاد الثاني عن السلطة المباشرة في الهزيمة التي مني بها الجيش العراقي حين سلم الموصل لداعش من غير قتال.

لقد أهدر العراقيون سنوات أربع أخرى من عمرهم في انتظار إصلاحات العبادي. بعدها تأكدوا من أنهم كانوا بلهاء حين صدقوا وعود رجل كان روحاني هو رمزه في الحكم.

ليس العبادي سوى واجهة مزوقة يختبئ وراءها نظام هو أكثر الأنظمة الحزبية فسادا في التاريخ. وليست الإصلاحات التي نادى بها إلا تهويمات فضائية، يُراد منها امتصاص النقمة الشعبية بسبب تردي الخدمات وتفشي البطالة واتساع دائرة الفقر وانتشار الفساد في كل مفاصل الدولة.

لقد وجدت لأحزاب الضالعة في الفساد في شخصية العبادي ضالتها في الخداع والتمويه. ولقد أجاد الرجل أداء الدور المطلوب منه، من غير أن يقدم دليلا واحدا على نزاهة، هو في غنى عنها ما دام زعيمه الحزبي هو سيد الفاسدين.