شروط لدولة علوية عاصمتها دمشق

ما بعد السقوط غير الكامل للغوطة الشرقية في يد النظام السوري، بدعم روسي واضح واسناد ميليشيوي إيراني، ليس كما قبل هذا السقوط. ماذا سيفعل النظام بانتصاره على اهل الغوطة وتهجير قسم منهم من ارضهم وفي ذهنه إقامة دولة علوية عاصمتها دمشق تمتدّ الى الساحل السوري؟

سيكون مسموحا للنظام بإقامة هذه الدولة في حال التزامه شروطا معيّنة. تبدو روسيا الطرف الوحيد القادر على اجبار النظام وايران، التي تقف خلفه، على التزام مثل هذه الشروط، التي تعني اوّل ما تعني، توفير ضمانات لإسرائيل من جهة والحدّ من عملية التهجير لأهل السنّة من جهة اخرى.

في غياب ذلك، من الواضح ان النظام تمكن بفضل الدعم الذي توفّر له من تحقيق بعض أهدافه في الغوطة الشرقية من دون ان يعني ذلك وجود توافق تام بينه وبين الجانب الروسي.

جاء الآن وقت اظهار النظام لقدرته على تنفيذ المطلوب منه إسرائيليا، أي تفتيت سوريا وتأكيد انّه لن تقوم لها قيامة في يوم من الايّام. ما هو واضح اكثر انّ الميليشيات التابعة للنظام ما كانت لتتمكن من تحقيق انتصار على اهل الغوطة من دون تفاهم على اعلى المستويات شمل من دون ادنى شك الولايات المتحدة التي تغاضت عن قصف سلاح الجو الروسي للمدنيين وعن البراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية التي لجأ اليها في حربه المستمرّة على السوريين.

لو لم تكن الإدارة الاميركية متواطئة مع متابعة الحملة العسكرية على الغوطة، لكانت أرسلت بضعة صواريخ مضادة للطائرات كي يفكر الروسي مرتين قبل ان يرسل طائراته لملاحقة أطفال الغوطة ونسائها. لو كانت الادارة الاميركية غير راضية عن استخدام السلاح الكيميائي في الغوطة، لكانت أقدمت على عمل ما يفهم منه النظام ان التهديدات التي تصدر بين الحين والآخر عن واشنطن جدّية وليست للاستهلاك الداخلي الاميركي.

بعد شبه الانتصار على الغوطة، حلّ أوان طرح الأسئلة الحقيقية. من بين هذه الأسئلة الى ايّ مدى سيكون هناك تهجير للسكان في ظلّ خلاف بين روسيا وكلّ من النظام وايران في شأن هذا الموضوع؟ لا تريد روسيا تهجير كلّ سنّي من الغوطة بمقدار ما انّها تريد تدجين المنطقة وأهلها. في المقابل، هناك رغبة لدى النظام وايران في ابعاد اكبر عدد من السنّة بشكل نهائي من أراضي الدولة العلوية التي عاصمتها دمشق.

هناك سؤال آخر يطرح نفسه. ماذا بعد الغوطة الشرقية؟ هل صحيح ان التركيز سيكون على درعا؟ في حال حصل ذلك، سيواجه الأردن تحديات من نوع جديد. تتمثّل هذه التحديات في وجود إيراني على حدوده واحتمال تدفّق مزيد من النازحين السوريين في اتجاه أراضيه. يحصل ذلك في وقت لعبت المملكة الهاشمية دورا كبيرا في الوصول الى خفض للتوتر في كلّ منطقة الجنوب السوري وذلك بالتفاهم مع اميركا وروسيا.

في وقت يواجه الأردن ازمة اقتصادية عميقة، في ظلّ معطيات إقليمية غير موآتية، لن يتردّد الملك عبدالله الثاني في اتخاذ كلّ ما يستطيع من إجراءات لتفادي تغيير للوضع على الحدود الدولية لبلده مع سوريا من جهة ومنع ايران من التمدد في اتجاه هذه الحدود من جهة اخرى. حلمت ايران دائما في ان تكون في الداخل الأردني، اما مباشرة او عبر ميليشياتها التي تسرح وتمرح في المنطقة والتي استعان بها بشّار الاسد لمنع تحرير دمشق والمناطق المحيطة بها.

ليس الأردن الهدف الوحيد لإيران. هناك لبنان أيضا الذي تحرص ايران على ان تكون سوريا رأس جسر اليه. بالنسبة الى ايران، يظلّ وجود "حزب الله" في لبنان ورأس الجسور السوري اليه مصلحة حيوية. فإيران تعتبر وجود "حزب الله" في لبنان، أي وجود لواء لـ"الحرس الثوري" فيه عناصره لبنانية، عاملا حاسما في تمكينها من ان تكون دولة متوسطية. لذلك، لا يقلّ الوجود الايراني في لبنان اهمّية عن الوجود في سوريا، مع فارق انّ الوجود في لبنان يعتمد بشكل كبير على الوجود في سوريا وعلى بقاء بشّار الأسد في دمشق.

يبقى الاهمّ من ذلك كلّه، هل يستطيع الجانب الروسي إدارة كلّ هذه التعقيدات الناجمة عن مرحلة ما بعد سقوط الغوطة الشرقية؟ الكثير سيعتمد على اقتناع إسرائيل بانّ صواريخ ايران لن تبقى موجّهة اليها، لا من سوريا ولا من لبنان. ستزداد الرغبة الإسرائيلية في إيجاد منطقة عازلة في سوريا، قد تشمل دمشق، في ظلّ إدارة أميركية لم تترد في اتخاذ قرار بنقل سفارتها الى القدس. اكثر من ذلك، تهيئ إدارة دونالد ترامب نفسها للذهاب بعيدا في المواجهة مع ايران بدليل حلول مايك بومبيو في وزارة الخارجية مكان ركس تيلرسون وجون بولتون في موقع مستشار الامن القومي بدل هربرت مكماستر.

ليس سرّا مدى العداء الذي يكنّه بومبيو وبولتون لإيران. سيلعب الاثنان وهما مؤيدان لخروج الولايات المتحدة من الاتفاق في شأن الملفّ النووي الايراني، دورا في وضع شروط تعجيزية، من وجهة نظر طهران، من اجل استمرار قبول الإدارة بالاتفاق بعد الثاني عشر من ايّار – مايو المقبل. من بين الشروط المتوقّع ان تضعها الإدارة الاميركية وقف ايران تطويرها للصواريخ الباليستية بدعم كوري شمالي واضح. لم تكن المشكلة مع ايران يوما في ملفّها النووي. كانت المشكلة الكبرى في مشروعها التوسّعي فضلا عن تطوير صواريخ تستخدم في خدمة هذا المشروع الذي يستهدف كلّ ما هو عربي في المنطقة. لو لم يكن الامر كذلك، لماذا كلّ تلك الصواريخ الايرانية التي اطلقت أخيرا من الأراضي اليمنية في اتجاه المملكة العربية السعودية؟

دخلت الازمة السورية، بعد مرور سبع سنوات على اندلاع الثورة الشعبية، مرحلة اكثر تعقيدا. اذا كان العلويون، أي جماعة النظام، يسيطرون على دمشق، فان هذه السيطرة لن تستمرّ من دون قبولهم شروطا معيّنة تراعي المعطيات الإقليمية والدولية في الوقت ذاته. هل يستطيع اللاعب الروسي الذي لم يعد قادرا على الانسحاب من سوريا التوفيق بين ما تفرضه كلّ هذه المعطيات التي تشمل أيضا التطلعات التركية الى السيطرة على جزء من الشمال السوري لاسباب مرتبطة بالطموحات الكردية قبل ايّ شيء آخر؟

تبدو المنطقة مقبلة، انطلاقا من سوريا، على ربيع وصيف ساخنين. سيكون شهر ايّار – مايو المقبل شهرا محوريا. من يتمعّن في ما يدور على الأرض، يتأكّد من انّ حدود الدولة العلوية التي عاصمتها دمشق بدأت ترتسم. كذلك ترتسم حدود الوجود الاميركي في شمال شرق سوريا وحدود الوجود التركي في حلب ومحيطها. من سيرسم حدود الوجود الايراني في الجنوب السوري؟ لا احد يستطيع ذلك غير الجانب الروسي الذي قد يجد امامه مهمّة مستحيلة في ظل الشروط والشروط المضادة التي يفرضها هذا الوجود في ظلّ إدارة أميركية لا تفرّق بين مصالحها ومصالح اسرائيل.