فئة ميسورة تقطع طريق الأموال إلى خزينة تونس

الميسورون الجدد يقضمون نصف الاقتصاد

أفرزت ظاهرة تهريب السلع في تونس من قبل شبكات تنشط على الحدود الجنوبية الشرقية مع ليبيا والحدود الغربية مع الجزائر، فئة من الميسورين الجدد غالبيتهم من الشباب الذي استفاد من حالة الانفلات الأمني خلال السنوات الأخيرة.

وينحدر الميسورون الجدد أصلا من أوساط اجتماعية فقيرة تقطن خاصة في محافظتي تطاوين ومدنين الواقعتين جنوب البلاد ومحافظتي قفصة والقصرين الواقعتين وسط غرب البلاد.

وعلى الرغم من أن التهريب ليست جديدا على تونس إلا أنه تحول خلال السنوات الأخيرة إلى ظاهرة تؤرق السلطات بعد أن تشكلت شبكات متخصصة ومعقدة.

ويشمل التهريب مختلف السلع من الأجهزة الإلكترونية والسيارات وحتى المواد الغذائية، ما أثر تأثيرا سلبيا على الأسواق المحلية المنظمة التي تشهد حالة من الكساد.

ونجحت شبكات التهريب في تشكيل اقتصاد مواز يمثل نحو 54 بالمئة من الاقتصاد المنظم، ويكبد الدولة خسائر سنوية تقدر بنحو 750 مليون دولار.

وتقول الحكومة إنها وضعت برنامجا بالتنسيق مع الجهات المعنية مثل وحدات الجيش والأجهزة الأمنية والجمارك لمحاربة المهربين وتفكيك شبكاتهم والإطاحة برؤوسهم.

وخلال الأشهر الاخيرة شهدت ظاهرة التهريب في تونس تحولا نوعيا كما يرى خبراء، إذ لم يعد المهربون يكتفون بالسلع المنقولة وإنما شرعوا في تهريب السيارات من ليبيا.

ويرى الخبراء أن هذا التحول يؤشر الى بروز فئة جديدة من المهربين استفادت خلال السنوات السبع الماضية من نشاطها لتتحول إلى طبقة ميسورة الحال.

وبصرف النظر عن الجوانب السلبية لظاهرة التهريب والتي تجب محاربتها، فإنها ساعدت كثيرا أهالي الجهات الحدودية على مقاومة البطالة والفقر.

ويعد سوق "المنصف باي" الواقع وسط العاصمة الفضاء الأكثر جاذبية للسلع المهربة على اختلاف أنواعها وهي سلع تباع بأسعار منخفضة مما هي عليه بالمحلات التجارية.

وفي أحد أجنحة السوق الذي تحاول السلطات الابتعاد عنه، يقف شكري الطيب أمام محله المخصص لبيع الالكترونيات وهو يستقبل زبائنه من مختلف الفئات.

بدأ الطيب الذي يتحدر من مدينة تطاوين، وفق روايته، بتهريب المواد الغذائية من وإلى ليبيا العام 2012 مستخدما سيارة رباعية الدفع وكانت كل عملية تدر عليه نحو 500 دينار، (180 دولار) نظرا لأن المواد المهربة مدعومة.

وفي العام 2014 طور نشاطه ليمتهن تهريب المواد الكرتونية وخاصة شاشات التلفزيون ويبدأ مرحلة جديدة ساعدته على القفز من الفقر إلى عالم الفئات الميسورة.

يقول المهرب الشاب "لولا التهريب لكان حالي مثل حال غالبية شباب الجهات الداخلية حيث تعصف البطالة بأكثر من 45 بالمئة منهم".

ويضيف "إن صورة المهربين الذين يهربون السلع صورة مشوهة وينظر إليهم كما لو أنهم مجرمون، والحال أنهم يوفرون سلعا يتهافت عليها الناس".

في العام 2015 قرر الطيب فتح محل بسوق المنصف باي بعد أن نجح في تكوين رأسمال يقدر بنحو بنحو 50 مليون دولار، ليترك عمليات التهريب بين يدي أخيه نجيب الذي يتكفل بجلب المواد إلى العاصمة.

ويمثل الطيب عينة لفئة من شباب الحدود الذين نجحوا في تطويع مسالك التهريب إلى مسالك الارتقاء الاجتماعي في ظل الأزمة الهيكلية التي تعصف بالبلاد.

غير أن هذه الفئة الميسورة لا تعكس حقيقة الأموال الهائلة التي حصل عليها أباطرة التهريب ورؤوس الشبكات التي تقدر عائداتهم بالمليارات.

ويقول هشام الراجحي الخبير الاقتصادي الذي أعد دراسة عن التهريب في تونس "خلال الدراسة لم أتمكن من الوصول إلى الرؤوس التي تدير الشبكات واكتفيت بإجراء بحث حول المهربين الصغار وهم غالبيتهم من الشباب".

ويضيف الراجحي لميدل ايست أونلاين "ساعد التهريب في الارتقاء الاجتماعي للعشرات من الأسر التونسية وبعد أن كانت تصنف ضمن خانة الفقراء أصبحت تصنف ضمن الميسورين وحتى الأغنياء".

ووفق الخبير الاقتصادي يتراوح الدخل الشهري للمهربين الميسورين ما بين اربعة الى تسعة آلاف دولار، أما دخل كبار المهربين فيمكن ان يصل الى 40 مليون دولار.

وتبدو تقديرات الراجحي قريبة نسبيا من مؤشرات مداخيل الباعة في سوق منصف باي حيث قال شكري الطيب أن عائدات محله التجاري وإن كانت غير منتظمة فإنها تصل في بعض الحالات إلى نحو 7 آلاف دولار.

غير أن الأزمة الهيكلية التي تشهدها تونس من جهة، والحرب التي أعلنتها الحكومة على التهريب من جهة أخرى قادت بالفئة الميسورة إلى الخشية من العودة الى الاوضاع الهشة التي عاشتها سابقا.