أصوات انتخابية لا أصحاب لها

ليس \"الاعمار\" ورقة انتخابية رابحة في العراق.

البلد الذي قُدر له أن يكون محطة لكوارث متتالية لن يصدق أحد من أبنائه مرشحا يعده بإعادة إعمار ما هدمته الحروب. فتلك كذبة حمقاء ينبغي على المرشحين للانتخابات أن يتفادوا الوقوع في غوايتها.

لا أعتقد أن أحدا من المرشحين سيزل لسانه ويقول كلمة واحدة عن الاعمار وإلا فإنه سيفقد فرصته بل قد يتحول إلى موقع للسخرية.

وذلك كله مرده إلى اليأس من إمكانية أن يتخطى العراق حدود ما شهده خلال الدورات الانتخابية الثلاث السابقة.

مجلس النواب الذي انبثقت منه ثلاث حكومات، أثبت عبر اثنتي عشرة سنة أنه واحدة من المؤسسات الفائضة التي يعج بها العراق الجديد. وما السباق إليه بين الكتل السياسة إلا تعبير عن رغبة كل كتلة من تلك الكتل بالاستئثار بالغنائم والمشاريع والصفقات والعقود الوهمية من خلال إضفاء طابع قانوني عليها.

كل القوانين التي أقرها مجلس النواب العراقي في دوراته الثلاث السابقة كانت تصب في مصلحة الكتل السياسية الحاكمة.

ما من قانون أقره أو شرعه مجلس النواب له صلة بالخدمات أو الاعمار أو رقابة الدولة أو يحسن من أحوال المواطنين.

فصار طبيعيا أن يكون التمثيل النيابي مجرد واجهة لتلك الكتل.

غير مرة ينسحب النواب الأكراد من مجلس النواب لأن حكومة كردستان قد شعرت بالغضب من حكومة بغداد لسبب ما.

أعضاء ذلك المجلس هم ممثلون لأحزابهم ولا علاقة له بتمثيل الشعب.

لذلك تبدو عملية اجراء الانتخابات في العراق كما لو أنها نوع من الاذلال العلني. هناك مَن يقول للشعب العراقي \"إنك تدلي بصوتك لانتخاب مَن سيضفي صفة قانونية على مَن يسرقك ومَن يكذب عليك ومَن يقتلك ومَن يضحك عليك\".

لقد كان نوري المالكي مصرا على شرعية حكومته التي سلمت من غير قتال ثلث أراضي العراق وثاني أكبر مدنه للتنظيم الإرهابي داعش.

وكانت تلك الشرعية مستمدة من حصته في مجلس النواب.

كل شيء في العراق يجري بطريقة مخاتلة ومضللة وبما لا يستقيم مع العقل. لذلك صارت الديمقراطية والانتخابات واجهتها عبئا ثقيلا على الشعب وقيدا يجره إلى الهاوية بدلا من أن تهبه مناخا شفافا، يكون من خلاله على معرفة بما يجري له.

لقد وهبت الديمقراطية حصانة لمَن لا يستحقها.

لذلك فمن الصعب في العراق مطاردة الفاسدين واللصوص والمحتالين ومبددي المال العام والمرتشين والمزورين والطائفيين وذوي النفوس المريضة من الانتهازيين.

معظم صفقات الفساد كانت تتم تحت قبة مجلس النواب. وهو ما اعترف به علنا نواب كانوا يتمتعون بالحصانة.

لذلك صار العراقيون يبيعون أوراقهم الانتخابية بأبخس الأثمان. يبيعون أصواتهم وهم يعرفون أن لا قيمة حقيقية لها. ما صار بعيدا عن ادراك الغالبية منهم أن بيع تلك الأصوات هو تفريط علني بالنزاهة والعدالة والحق والمصير المشترك الذي صار رهين رغبات عدد محدود من الجهلة الذين تضعهم كتلهم السياسية واجهات لمشهد يزداد سوءا.

لقد انتظر رئيس الوزراء العراقي بسذاجة أن تقدم له الدول المانحة شيكا على بياض لأن جيشه كما يزعم قاتل الارهاب متمثلا بداعش وهزمه نيابة عن العالم. وهو ادعاء تتقاطع فيه الكثير من الألغاز لينفي بعضها البعض الآخر.

كان حيدر العبادي ينتظر أموالا سائلة لكي ينفقها على مشاريع كسب الولاء كما فعل سلفه نوري المالكي من قبل.

ولأن ذلك لم يقع بسبب شبهات الفساد التي صارت بحكم الحقائق الدامغة فإن العبادي وهو يعد نفسه لولاية ثانية لن يتورط في رفع ورقة الاعمار في وجه خصومه. ذلك لأنه يدرك أن خصومه يعرفون أنه عاجز عن تمرير كذبته.

لا العبادي ولا خصومه قادرين على أن يضفوا شرعية على وجودهم في السلطة من خلال أصوات تخلى أصحابها عنها.