حكاية يهود مصر في العصر الأيوبي

برز اليهود في مهنة الطب

يحاول عمر مصطفى لطف مؤلف كتاب "حكاية يهود مصر في العصر الأيوبي" تقييم دور اليهود في العصر الأيوبي ومقاربته مع دورهم وأثرهم في العصر الفاطمي، ويتناول بداية حقبة صلاح الدين الأيوبي وكيف فرض على أهل الذمة – في بداية عهده – كثيرا من القيود بسبب ما قيل عن موالاة النصارى واليهود للفاطميين، وإشتراكهم في المؤامرات التي دبرت لإحياء الخلافة الفاطمية من ناحية، واتصال بعضهم بالصليبيين من ناحية أخرى.

فيذكر المؤرخون - كما يروي الكاتب - أن جماعة من النصارى واليهود كانوا مشتركين في المؤامرة التي قام بها بعض من بقايا رجال الفاطميين، وكانوا يقصدون بها القضاء على صلاح الدين وإعادة الدولة الفاطمية، وقد قام صلاح الدين بإعدام الكثير من المتآمرين أو إعتقالهم، وذلك بعد إستفتاء الفقهاء.

وتذكر المصادر أيضا أن صلاح الدين قبض في سنة ( 564ه) على أحد الكتاب اليهود الذي كتب بخط يده، بناء على طلب مؤتمن الخلافة الذي تآمر على صلاح الدين، حيث وقعت رسالة في يد صلاح الدين، كانت في الطريق إلى الصليبيين لدعوتهم لمهاجمة مصر، حتى إذا خرج صلاح الدين لقتالهم، أنقلبوا عليه وأطاحوا بوزارته .

يوضح المؤلف أن صلاح الدين رغب في استئصال النصارى واليهود جملة، غير أنه لم يقدر على ذلك يقول: "كان صلاح الدين في أول مبتدأ أمره ووزارته، فذهب إلى فرض القيود الإجتماعية، ونعتقد أن أهل الذمة قد خشوا من تأثر نجمهم الساطع في ظل الدولة الفاطمية بسقوطها، وعدم معرفتهم – هل يستمر تألقهم وسيطرتهم على معظم مناصب الدولة أم لا؟ مما أدى إلى تآمرهم لرغبتهم في عودة الدولة التي شهدت سطوع نجمهم وسيطرتهم على الكثير من المناصب في مجالات مختلفة".

ويكشف الكتاب أن الأيوبيين في البداية ساروا على نهج الفاطميين في معاملتهم لليهود، فكان لليهود في عهدهم حقوقهم المدنية والدينية وحرية العمل والعبادة، وهي التي كانت مكفولة لهم من قبل في العصر الفاطمي، ولقد بدأ السلطان صلاح الدين هذه السياسة، فأقر حقوق اليهود المدنية والدينية التي كانت لهم في عهد الفاطميين، واحتفظوا بنظمهم الداخلية بهم دون تدخل من السلطة الحاكمة، إلا في الضرورة، حيث عزل السلطان صلاح الدين الحبر اليهودي يحيى والذي كان قد ضاق به أهل دينه، واحترم رغبة أبناء الطائفة في إختيار الحبر نشيانيل في رئاسة الطائفة اليهودية خلفا له، وتعبيرا عن وحدة الصف المصري.

وارتكز صلاح الدين الأيوبي، في حكم مصر على المسلمين وأهل الذمة فيها بإعتبارهم أبناء بلد واحد، وبإعتبارهم مواطنين مصريين، كما فعل سائر حكام مصر. أما تسامح صلاح الدين الأيوبي الذي إشتهر به مع أهل الذمة عامة فقد انبعث من روح الإسلام وأصوله. هذا بالرغم مما عرف عنه من شدة حماسته وغيرته على الإسلام في وقت ساد فيه التعصب الديني وتعرض فيه الإسلام للخطر الصليبي.

ومن المعروف أن خلفاء صلاح الدين اتبعوا سياسة صلاح الدين المتسامحة تجاه أهل الذمة، ففي عهد السلطان العادل نالوا كثيرا من المناصب الإدارية، وفي الوقت ذاته أعاد العادل المجتمع اليهودي في القدس، وتجمع اليهود من كل حدب وصوب عائدين إلى المدينة المقدسة، ولقد عاد مع هؤلاء العائدين عدد من كبار علماء اليهود ورجال دينهم منهم ثلاثمائة من فرنسا وإنجلترا وإسبانيا وسكنوا مدينة القدس .

• الحكومة والجماعة اليهودية

تركت الدولة لليهود حرية ممارسة شعائرهم الدينية، كما بقي التشريع والقضاء والتعليم والمساعدات الإجتماعية من صلاحيات رئيس اليهود، مع الحفاظ على اليهود دائما في اللجوء إلى القضاء الإسلامي إذ رغبوا في ذلك. وكان من حقهم الشكوى إلى السلطان مثل باقي الرعية.

ويقول الألماني فيتزتوم بوركهارد (ملاح الإمبراطور فريدريك بارباروسا): "إن إختيار العقيدة كان مكفولا للجميع بحرية مطلقة". ولقد زار الملاح مصر في عام (571ه / 1175) وكان رؤساء اليهود هم الوساطة بين الدولة ورعاياها من اليهود، وأعتبرتهم الدولة دائما من الموظفين الرسميين فيها. ورغم أن حق إختيارهم كان متروكا لجماعتهم، إلا أن تواقيع تعيينهم (قرارات التعيين) كانت تصدر عن ديوان الإنشاء الذي كان أهم دواوين الدولة وبتوقيع السلطان أو علامته.

كما أن الوصايا التي تحوي التعليمات الخاصة بواجبات الوظيفة كانت تصدر أيضا عن ديوان الإنشاء، وكانت هذه القرارات تبدأ بالتقرير المعتاد عن موقف السلطان من أهل الذمة، ثم موقف الدولة من هذه الطائفة أو تلك من أهل الذمة، لما لهم من فضل ومكانة لديها، ثم يبدأ التوقيع أو القرار في تحديد مهام الوظيفة .

• اليهود في وظائف الدولة

ينسب المؤرخون إلى صلاح الدين، حينما تولى الوزارة في عهد الخليفة الفاطمي (العاضد)، بغضه لأهل الذمة ومنعهم من تولي المناصب، حيث يذكرون أنه أصدر مرسوما في 13 رجب سنة (567ه) بصرف أهل الذمة ومنع إستخدامهم في الأعمال السلطانية ودواوين الدولة، وقام بصرف جماعة منهم الأشغال السلطانية في الخامس عشر من الشهر ذاته، وأخذ مساكنهم، لكن عاد المقريزي – الذي أورد الخبر في كتابه – وأضاف أن صلاح الدين لم يقم بتنفيذ قراره في هذا الصدد بسبب معارضة قواده في صرف كتابهم من الذميين ونجاحهم في إبقاء هؤلاء الكتاب في مناصبهم، متعللين بتدبير هؤلاء اليهود والنصارى أمرهم، وخوفهم أن تضيع أمورهم لو قاموا بإخراجهم من هذه الوظائف .

يذكر أنه في أواخر أيام الدولة حدثت حركة تطهير في الإدارة الحكومية بالدواوين على يد الوزير أسد شير كوه، وشملت بعض الموظفين الذميين. واهتم صلاح الدين بالأطباء من أهل الذمة وبخاصة أطباء قصره والعاملين في البيمارستانات، ومنحهم الهدايا والصلات، وأجرى عليهم الرواتب المجزية، وسمح لهم بركوب الخيل، وعطف عليهم في مرضهم وشيخوختهم، وشمل أولادهم بالرعاية بعد وفاتهم. وبرز اليهود في مهنة الطب، وكان لأطباء القصور نفوذ كبير ومكانة عالية فبسط معظمهم حمايته على بقية اليهود، ولم يتوقفوا عن أداء هذا الدور طالما سمحت لهم الظروف بذلك، وذاعت شهرة الكثير من الأطباء اليهود .(خدمة وكالة الصحافة العربية).