دولة رئيس الوزراء العراقي الجديد

إن من يتوقع أن تكون الانتخابات العراقيةً القادمة نزيهة، ولو "نص نص"، ليس واهما وحسب، بل هو ساذج أو مغفل ومخدوع.

ففي كل موقع سيُوضع فيه صندوقُ اقتراعٍ ستكون هناك ميليشيا وحزب، وسيكون السلاح متدليا من أحزمة المجاهدين المشرفين على ديمقراطية الانتخاب. وحين تسأل سيُقال لك إنهم هنا، فقط، لحراسة المكان، ولتأمين راحة المسافرين.

والسلاح، في أغلبه، طهراني وأصفهاني وتبريزي. أما الصناديق المعبأة بالدولارات والدنانير والريالات والدراهم فأميركية وبريطانية وفرنسية وقطرية وكويتية وسعودية وتركية، علانية، ودون خوف ولا حياء.

ولكن والحق يقال إن إيران غير متمكنة من فرض إرادتها على جميع المناطق، ولكنها، برغم ذلك، هي الأقوى والأقدر على انتزاع المقاعد الأكثر في البرلمان الجديد.

وأميركا أيضا قوية، ولكنها غير قادرة على منافسة إيران، ناهيك عن انتزاع عصا القيادة منها، فتضطر إلى التراضي معها، وإلى محاصصتها في حراسة بعض المناطق.

وتأسيسا على ذلك، فإن النتائج تكاد تكون معروفة من الآن، إلى حد كبير.

فجماعة إيران ستأتي في المقام الأول بقيادة هادي العامري ونوري المالكي، يليها في المقام الثاني مرشح جماعة إيران الأميركية حيدر العبادي، ثم الصدريون، فقليلٌ من جماعة عمار الحكيم.

وفي محافظات السنة المقلوبة على بطانتها سيبقى على رأس الوليمة من يملك من أموالٍ أكثر مما يملكه إخوتُه الآخرون المنافسون.

أما الوضع في كردستان فسوف يكون عَجنةً معقدة جدا يختلط فيها الطين بالطحين. ولكن جماعة المتقاعد الذي لا يريد أن يتقاعد، مسعود بارزاني، ستفوز بالقطعة الأكبر من كعكة البرلمان، تليها حركة تغيير، ثم جماعة ما تبقى من حزب الراحل جلال الطالباني.

ثم يأتي أخيرا أؤلئك الذين تمردوا وخرجوا من أحزاب السلطة القديمة، رغم أننا نتمنى لصديقنا الدكتور برهم صالح أن يكون في المقدمة ببرنامجه الإصلاحي المستنير، وبما يملكه من نزاهة وثقافة ووطنية عراقية وعزم صادق على تعويض المواطن الكردي عما خسره من قُوته وحريته وكرامته في العواصف المتلاحقة الأخيرة، ولكن النزاهة والثقافة والوطنية والنوايا الطيبة شيءٌ وسلاح القبيلة والمال الكثير شيءٌ آخر.

وبين هذا وذاك قد تتحقق أحلام المعسكر الإيراني العراقي بتعيين هادي العامري رئيسا للوزراء في العراق.

ومن يدري فقد يُفاجأ المواطن العراقي البريء المغلوب على أمره، حين تعلن نتائج هذه اللعبة الانتخابية المملة، بأن الذي كان يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم حين يراه في الشهر مرة على فضائيةٍ من فضائيات الجهاد العراقية واللبنانية والإيرانية سيأتيه رئيسا للوزراء، وسوف يعتاد على أن يراه على جميع الفضائيات العراقية والإيرانية والعربية والأجنبية، كلها، كل يوم، وأحيانا كلَّ ساعة، بطلته غير البهية ووجهه الخشبي الكئيب الطافح بالحقد والكراهية والكبرياء والغرور.

والحقيقة أنْ لا اعتراض على تنصيب هادي العامري أو غيره رئيسا للوزراء لو كان معجبا، أو مؤمنا بولاية الفقيه، ويبشر بمبادئها وعقيدتها وأفكارها، فقط، بالوعظ والإرشاد في الحسينيات وحلقات الذكر والفضائيات.

ولكن حين يكون مباهيا بجنسيتها وجواز سفرها وسلاحها وأموالها، وحين تكون ما تزال على يديْه آثارُ دماء جنودٍ وضباطٍ عراقيين قتلهم بسلاحه الشخصي أيام حروب وطنه (الأم) إيران مع وطنه (الثاني) العراق، فالمسألة، حينئذٍ، تصبح في حاجة ألى إعادة نظر.

خصوصا وأنه صرح، أكثر من مرة، وبالقلم العريض، بأنه، لو نشبت حرب جديدة بين العراق وإيران، سيحارب العراق مع إيران.

ونذكركم يشهادة آرين أيفرز الباحثة في منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الانسان.

فقد أعلنت "أن منظمة بدر مسؤولة عن انتهاكات منهجية تمتد من خطف الأشخاص وإعدامهم جماعيًا إلى تهجير السنة من بيوتهم، ثم نهبها وحرقها، وفي بعض الحالات تسوية قرى كاملة بالأرض".

ولم ينكر هادي العامري هذه الانتهاكات، ولكنه قلل من خطورتها، واعتبرها مجرد أخطاء، قائلًا: "بالطبع، كانت هناك أخطاء، وأنا متأكد من أنه ما زالت هناك أخطاء".

وقال كيرك سويل، المحلل المختص بالمخاطر السياسية، إن وزارة النقل ليست وزارة مهمة إلا إذا صادف أن يكون وزيرُها قائدَ ميليشيا.

ونقلت مجلة فورين بوليسي عن مسؤول في شركة الخطوط الجوية العراقية التابعة لوزارة النقل قوله عن هادي العامري يوم كان وزير النقل: "إن الترقيات كانت تقتصر على أعضاء منظمة بدر، حصرًا، وإنه كان يعمل لمنظمته فقط، وليس لكل البلد".

"وقد سمح خلال توليه وزارة النقل بمرور الطائرات الإيرانية المحملة بالسلاح إلى نظام بشار الأسد في سوريا عبر الأجواء العراقية".

وقال هادي العامري، نفسُه، لمجلة فورين بوليسي: "علينا أن نبني مزيدًا من المناطق الخضراء لتحسين الأمن في العاصمة العراقية". وأوضح قائلًا: "لو بنينا منطقةً خضراء كلَ عام خلال الأعوام الماضية لكانت بغداد كلها محمية".

فكيف يمكن أن يقود واحد من هذه الخامة عراقَ عبدالمحسن السعدون وفيصل الأول وجعفر أبي التمن ومحمد رضا الشبيبي ومحمد الصدر وفاضل الجمالي وكامل الجارجي وعبدالكريم قاسم وعبدالرحمن عارف وعبدالرحمن البزاز، وغيرِهم الكثيرين، ويُصبح المؤتمن الأول والأخير على كرامة الوطن وسيادته وثرواته ورجاله ونسائه، وزعيمه الأوحد المفدى؟

ألا ترون؟ لم يعد، في العراق الديمقراطي الجديد، مرفوضا ولا ممجوجا ولا مدانا بالخيانة العظمى من يجاهر بأنه جاسوس لدولة أجنبية، شقيقة أو صديقة، شرط أن تكون غنية وقوية ومُصدرة للمال وللسلاح.

بل الحاصل، هذه الأيام هو العكس. فمن تثبت عليه تهمة العمالة لدولة من هذا النوع يصبح من كبار أصحاب الحوْل والطوْل، وصانع وزراء ونواب وسفراء، أو، في النهاية، رئيسا للرؤساء والوزراء.