صحراء السعودية تقدم أول أثر لانتشار الجنس البشري

فهم جديد لتحركات البشر

واشنطن - عثر فريق بحث دولي على أول اكتشاف أحفوري للإنسان في صحراء النفود بالمملكة العربية السعودية، ليمثل أقدم أحفورة مؤرخة للإنسان الحديث خارج إفريقيا وبلاد الشام.

الكشف جاء على يد علماء في معهد ماكس بلانك لعلوم التاريخ البشري بألمانيا، وباحثون بجامعة أوكسفورد البريطانية، بالتعاون مع هيئة المسح الجيولوجي السعودية، ونشروا نتائج أبحاثهم الإثنين في دورية "نيتشر ايكولوجي" العلمية.

وأوضح الباحثون أن هذا الكشف كان نتاج مشروع الصحارى القديمة متعدد الجنسيات الذي أمضى عدة سنوات في تمشيط صحراء الجزيرة العربية بحثًا عن أدلة على وجود البشر القدماء والظروف البيئية القديمة.

وتكللت الجهود باستخراج عظم أصبع للإنسان العاقل، يقدّر عمره بـ85 ألف سنة على الأقل.

ووصف مايكل بتراجليا، قائد فريق البحث هذا الاكتشاف أنه "حلم تحقق" ويقول إنه "يشبه العثور على إبرة في كومة قش".

وحسب الفريق، فإن الأحفورة المكتشفة تثبت أن جنسنا قد انتشر إلى ما وراء إفريقيا في وقت أبكر مما كان يُظَن سابقًا.

وقديما كان المعتقد أن حركة البشر المعاصرين للخروج من أفريقيا، كانت حركة واحدة سريعة حدثت منذ 60 ألف سنة، وفق بتراجليا.

ووفقًا لهذه النظرية، فإن المجموعات المهاجرة كانت ستتحرك على امتداد الخطوط الساحلية، وتتبع ممر بلاد الشام على طول الحدود الشرقية لحوض البحر الأبيض المتوسط، وتتعايش من الموارد البحرية، وتستخدم أدوات حجرية أثناء تحرُّكها عبر أوراسيا، وهي كتلة أرضية مكونة من قارتي أوروبا وآسيا، تشكلت قبل حوالي 350 مليون سنة.

ويشير الاكتشاف أن مجموعات الإنسان العاقل دأبت على مغادرة إفريقيا منذ ما يقرب من 20 إلى 25 ألف سنة قبل ما كنا نعتقد.

ويدعم هذا الاكتشاف جدلًا طرحه بتراجليا وفريقه منذ أكثر من عقد، ويفيد بوجود موجات هجرة متعددة خارج إفريقيا، وأن هذه الهجرات تمتد على مدى فترة أطول مما كان يُعرف سابقًا.

وهي تشير أن الهجرات المغادرة لأفريقيا حدثت على موجات متتالية وامتدت مدةً طويلة، وربما عبر طريق مختلف يخترق قلب المملكة العربية السعودية، القلب الأرضي لكتلة أوراسيا.

وأصبحت صحراء النفود في شمالي المملكة العربية السعودية الآن عبارة عن بحر من الرمال القاحلة، لكن الحال لم يكن كذلك دومًا، حيث تكشف صور الأقمار الصناعية عن شبكة من آلاف الجداول والبحيرات القديمة التي تعاقبت على الجزيرة العربية.

وقال هيو جراوكت، عالِم الآثار في جامعة أكسفورد، إن الفريق اكتشف "نتوءات من رواسب بيضاء ناصعة، هي عبارة عن رواسب بحيرة قديمة"، رسمت لوحةً واضحةً للمناخ الذي كان سائدًا في ذلك الوقت.

وأضاف "عندما كان البشر يعيشون هناك قبل 90 ألف سنة، لم تكن صحراء، أدت الأمطار الموسمية التي هطلت على امتداد الجزء الداخلي من الجزيرة العربية إلى تحويل شبه الجزيرة إلى منطقة رعويّة رطبة تغطيها البحيرات، وتعبرها الأنهار وتملؤها أعداد كبيرة من الحيوانات.

وشرح جراوكت أن البشر المهاجرين "انتقلوا إلى الجزيرة العربية في زمن الطقس الجيد"، وقد ساعدهم تساقُط الأمطار الصيفية، وعاشت مجموعات من الصيادين والجامعيين حول بحيرة صغيرة من المياه العذبة".