من يقدر على تغيير مزاج الأتراك؟

في فيلم "لوف أكجولي" يتوعد الممثل هيو غراند الذي يمثل دور رئيس وزراء بريطانيا، ضيفه الرئيس الأميركي الذي يمثل دوره بيلي بوب ثورتون، بعد أن رآه يتحرش بسكرتيرته الشخصية محاولا سرقة قبلة منها، ويستغل أسئلة الصحافيين ليهين الرئيس الأميركي، عندما يفاجأ الجميع بقوله، إن العلاقات بين البلدين تتراجع وليست كما يزعم الرئيس الأميركي، ويستعرض رموز بريطانيا بقوله "ربما نحن بلد صغير لكننا عظماء أيضا، نحن بلد شكسبير، تشرشل، شين كونري، هاري بوتر".

الرمز بالنسبة للبلدان تخويل شعبي، وخيار متاح وليس مفروضا بقوة الأيديولوجيا أو الدين كما يريد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فرض الرموز وتغيير مزاج الأتراك من شراب الراكي الكحولي إلى لبن العيران.

عندما تمثل الأجبان أحد رموز سويسرا مثلا، فليس لأنها ترغم الناس على تناول الجبن كموقف وطني، تماما كما كان يحصل إبان الثورة الثقافية في الصين، تتهكم جي لي يانج في روايتها "فتاة الوشاح الأحمر" على محاسبة رجل يرتدي بنطالا ليس حسب المواصفات التي حددها الزعيم ماو، فيهان ويمزق بنطاله في الشارع أمام المارة.

الجعة السوداء مشروع اقتصادي ورمز في أيرلندا، لكن لا يمكن أن يحاسب الأيرلنديون الذين يحتسون غيره، كما ليس كل الأسكتلنديين يحتسون الويسكي، الماركة المشهورة بلادهم بها، وليس عميلا من لا يشرب الويسكي في إدنبرة.

مثل هذا الكلام ينطبق على الشوكولاتة البلجيكية، فلم يحدث أن تهكم مثلا مسؤول بلجيكي على أفراد من الشعب لأنهم لا يأكلون شوكولاتة بلادهم.

في يوم ما كان ينطبق هذا الوصف على التمر العراقي، عندما كانت البلاد تمتلك رموزها! داغستان لديها رمز شعري، لكن ليس كل الشعب يحفظ قصائد رسول حمزاتوف!

فلماذا يريد الرئيس أردوغان من الشعب التركي أن يغير مزاجه إلى شرب لبن العيران باعتباره رمزا ومشروبا وطنيا! مع أن غالبية الأتراك يتمتعون بشراب الراكي الكحولي المطعّم باليانسون، ولونه يصبح كاللبن عندما يضاف له الماء، غير أن الإسلامي أردوغان يريد استعادة ثورة ماو الثقافية في الصين، ويضفي عليها طابعا إسلاميا من أجل مصالح أنانية يدعو لها حزب العدالة والتنمية.

عندما أطلق أردوغان صيحته الشهيرة رافعا قنينة لبن العيران أمام جمهوره، متباهيا بشربها، تهكم تركي مؤمن بأن الحرية سمة البلدان العظيمة كتركيا بقوله "لا شك في أن مشروبنا الوطني هو لبن العيران الذي يريدون أن نشربه لكي ننام".

ليس لديّ شك أن أردوغان لا يجهل الفنان الراحل عدنان شانسز، الذي يجسد مرحلة تعبيرية مؤثرة في الغناء التركي، وكم بودّي أن يقبل هديتي له ويستمع بقلب "ديمقراطي" لأغنيته "فلتشرب يا صاحبي" التي استعار لحنها محمد عبدالوهاب في أغنية "كل ده كان ليه". ليس لأن أردوغان يمتلك الحل لحزن المغني شانسز، بل لأن الراكي شراب الأتراك ولن يستطيع أردوغان تغيير مزاجهم.