الحبل يلتف حول رقبة الإخوان في ليبيا

مشروعات التسوية التي تقدمت بها دول عديدة، كانت تصطدم دائما بالموقف من الجماعات الإسلامية. هناك من يرى ضرورة استيعابها في العملية السياسية. ومن يعتقد أنها أحدى نكبات ليبيا والواجب لفظها تماما.

الواقع أثبت أن هؤلاء وداعميهم، من دول غربية وعربية وجماعة الإخوان، ليست لديهم رغبة حقيقية في الحل، وإن أعلنوا تأييده في العلن يعملون على تخريبه في الخفاء. وهو ما يفسر جانبا من تعثر العملية السياسية التي تشارك فيها قوى إقليمية.

التيار الإسلامي في ليبيا، حاول الاستفادة من التجارب التي مر بها أقرانه في دول مختلفة، ويسعى لتوسيع الدائرة التي لا تزال لديها قناعة أنهم يمكن أن يكونوا جزءا من التسوية، بعد أن أصبحوا مصدرا رئيسيا لاستمرار الأزمة.

العمل على إفشال الحلول المطروحة، من أبرز أهداف هؤلاء، طالما لم تحقق طموحاتهم وأحلامهم. في ليبيا قطعت التسوية شوطا إيجابيا بالتوازي مع التقدم الذي أحرزه الجيش الوطني الليبي. وبدت الفرصة مواتية للوصول إلى الانتخابات التي دعا لها غسان سلامة المبعوث الأممي إلى ليبيا.

إجراء الانتخابات في الأجواء التي تقهقرت فيها الميلشيات الإسلامية، وتقدمت فيها القوى التقليدية، السياسية والاجتماعية، والتطورات الجيدة على مستوى جمع شتات المؤسسة العسكرية، يعني خروج تنظيم الإخوان في ليبيا خالي الوفاض، بعد أن كان مهيمنا عقب سقوط نظام العقيد معمر القذافي، لأن التنظيم دخل العاصمة طرابلس وأنشأ ميلشياته الخاصة.

الخطة التي اتبعتها الجماعة وحلفاؤها، تركيا وقطر وبعض القوى الغربية، قامت على ضرورة وقف معادلة صعود القوى الوطنية قبل حلول موعد الانتخابات المنتظرة، لأنها تحمل ملامح سلبية لهم، وتوقف الخطوات التي اشتغلوا عليها طوال السنوات السبع الماضية، وأثبتت رفض الشعب لهم لأنه عرف ألاعيبهم الدنيئة.

عمليات القتل وتصفية الحسابات التي تزايدت في العاصمة طرابلس، أحد مظاهر هذا السيناريو. التصدي لقوات الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر ومنع تقدمه نحو الجنوب وتصفية المتطرفين، فصل آخر مهم. إشارات الليونة والغزل والمناورة التي صدرت من قبل قيادات إخوانية حيال قوى ليبية كانت على خصام معهم، بندا ثالثا في الخطة.

خفوت صوت الإخوان على الساحة السياسية خلال الأشهر الماضية، كان نوعا من التحضير لخلطة قد تعيدهم للمشهد. وتحقق رغبة بعض القوى لتعود الجماعة رقما في المعادلة الليبية.

البداية التي تعكس هذه المسألة، جاءت الأحد الماضي، عندما تم انتخاب الإخواني خالد المشري القيادي في حزب العدالة والبناء، رئيسا للمجلس الأعلى للدولة، بعد نجاحه في هزيمة عبدالرحمن السويحلي الرئيس السابق للمجلس.

المجلس الذي يحتل طابقا في فندق المهاري بطرابلس مهمته استشارية، وانتهت صلاحيته رسميا، وبامكان أي فصيل مسلح القاء القبض على أعضائه بسهولة. دوره ينحصر في ابداء الرأي لحكومة الوفاق الوطني حول مشروعات القوانين والقرارات قبل احالتها لمجلس النواب.

الدور الرئيسي الذي يريد المجلس أن يقوم به الآن، هو تعديل الاتفاق السياسي، بما يمثل المحور الأساسي في خطة غسان سلامة لإنهاء الأزمة، التي توصلت إلى تفاهم بشأن تقليص أعضاء المجلس من تسعة إلى ثلاثة، وفصل رئاسة المجلس عن رئاسة الحكومة.

الصدام ظهر في آلية اختيار أعضاء المجلس الرئاسي والحكومة. مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح (في طبرق) تمسك باختيار أعضاء السلطة التنفيذية، وهو ما رفضه مجلس الدولة الذي يريد أن يتضخم ويتجاوز دوره الاستشاري، بناء على نصائح قطر التي تسعى لتجعل منه جسما سياسيا فاعلا. لكن اللعبة انكشفت تفاصيلها وباتت معروفة.

المشكلة السابقة، نقطة في بحر مليء بالأمواج تعرقل حل الأزمة الليبية. وحالت، ضمن عوامل أخرى، دون التوصل لتسوية سياسية. وصعود خالد عمار علي المشري الذي يتلقى دعما ماليا موثقا من الدوحة منذ فترة، يوحي أن الإخوان عادوا ليمسكوا بزمام الأمور. بينما الحقيقة أنه سيكون بداية إعلان نهايتهم في ليبيا.

رئيس مجلس الدولة الجديد لا يملك امكانيات لإدارة الأزمة وسوف يتعرض لمشكلات بالجملة، لاسيما أن الخلاف بين فصائل الجماعة الضالة ظهر بين الثعالب والسعي الرقيق في اختيار المشري الذي يرى نفسه أهم من محمد صوان رئيس حزب العدالة والبناء.

القضاء على الإخوان في ليبيا مسألة وقت، بعد قطع رأس الأفعى في مصر. والأزمات التي تلاحق الجماعة في تونس، وعدم قدرة تركيا على الصمود، وحصار قطر. وتقدم تحالف مصر والسعودية والإمارات والبحرين في المنطقة، والدعم الذي يلقاه من ادارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ودلالات التغييرات الأخيرة في ادارته.

الفريق المؤيد للإخوان يعتقد أن عملية صعود المشري حققت هدفا. لكنه لا يدري أنه سوف يتلقى مجموعة كبيرة من الأهداف، تفضح الجماعة ومن أرادوا لها العودة مرة أخرى.

القوى المنتمية لنظام العقيد القذافي يشتد عودها. والشعب ازداد بغضه للإخوان والمنهج الذي تتبعه الميلشيات أصبح مكشوفا. انحدار المشري من منطقة الزاوية وكراهيته المعلنة للزنتان تعني زيادة حجم المشكلات، وسيواجه أزمات لن تمكنه قدراته المتواضعة على حلها.

بالتالي وقف التقدم الذي جرى احرازه على الصعيد السياسي، ومحاولة تهيئة الظروف للحديث عن حل وفقا لتوازنات تكون فيها جماعة الإخوان عنصرا محوريا، وبالتبعية فتح الباب للحديث عن هضم الميشليات المنضوية تحت لوائها ضمن قوام الجيش الوطني، يعني استمرار الأزمة لأجل غير مسمى.

من خططوا وفتحوا النوافذ أمام هذا السيناريو، تجاهلوا تأثيرات القوى الأخرى، واستعدادها لوقف الحلول التي تتعارض مع الرغبات الوطنية، بل تمتلك قدرة على ارباك حسابات الدوائر التي تسعى كي تتخذ من صعود المشري رمزا لرسم خطوط جديدة للتسوية المطلوبة، بكل ما تحمله من معاني قد تتخطى الحدود الليبية.

الوصول إلى هذه الصيغة وتعميمها، يحظى بتأييد قوى دافعت عن الإخوان كجماعة سياسية، وتغاضت عن الإرهاب الذي قامت به، لكنه يثير حفيظة قوى أكثر عددا لديها من المعلومات والوثائق ما يثبت أن الجماعة ارتكبت، ومن وقفوا معها في السر والعلن، جرائم في ليبيا وغيرها تجعل عملية استيعابها عصية على القبول.

الانتصار المعنوي الذي يحمله فوز خالد المشري، يسلط الضوء على الخيط الذي يربط جماعة الإخوان بحكومة الوفاق الوطني، ويكشف زيف كلمات الغزل السياسي التي صدرت منها باتجاه خليفة حفتر وعقيلة صالح، وهما ليسا على استعداد لتقبل الفخ السياسي؟