سارق العمامة.. نسف المنطق والمعقول

حروب الفتاوى

تمثل رواية :سارق العمامة" للأديب العراقي شهيد الحلفي مغامرة جريئة في الطرح الافكار، في مفهوم المقدس الديني، حين ينتقل الى اللامعقول الديني في صفة العمامة الدينية المزورة، وتتناول فكرة الدين والنبوة، في الواقع في مساءله الحساسة والملتهبة، حين تشذ العمامة الدينية عن جادة الصواب والطريق القويم، وتنحرف نحو اللامعقول، حيث ترقي في افكارها الى الفانتازيا، في السلوك والنهج والتصرفات، التي تعمل على تحجيم الانسان في قوالب محددة وجامدة، تصب في غياب الوعي والعقل، حتى يكون الواقع ارضية خصبة، لثقافة التجهيل والخرافة والشعوذة والعنف.

أي أن العمامة تفعل الفعل المدمر في نسف المنطق والمعقول، اي انها تحاول تطبيق قوانين العبودية على الانسان، في سلطتها الحاكمة، التي تخلت عن قوانين الحق والعدل، كما هو الحاصل في الحكم الديني، او حكم العمامة في العراق، ومن يخرج عن شريعتها يستحق الفناء الصارم، بحجة الارتداد عن شريعة الله والدين، و يستحق العقاب الحياتي، بذريعة الكفر والالحاد. مما يخلق البلبلة والفوضى في الواقع، الذي يتجه الفنتازيا الفوضوية، مما جعلوا الواقع منهك ومرهق بأحمال لا طاقة لتحملها لثقل بشاعة المروعة في السلوك والنهج .

إن زيف العمامة يصب في احتكار الله والدين، في استخدام وسائل قمعية وتعسفية في التهميش والبطش والتنكيل. وجعل العمامة ان تتقمص دور الله لتحل مكانه، وتصدر احكامها في الدين، في سبيل صيانة وتمتين حكم التسلط والاحتكار الاستبدادي، بالتحكم في مصير وسلوك الانسان، وفق مشيئة ارادة العمامة اللقيطة، ومن يخالف ينزل به العقاب الصارم، بدعوى بأن هؤلاء البشر غير صالحين للحياة والبقاء، لتجاوزهم على الذات الالهية (العمامة). هذه المنطلقات الفكرية، التي كشفها المتن الروائي، في رواية "سارق العمامة". في اسلوبها في الواقعية الانتقادية، لتكشف الفرق الشاسع والمتناقض بين الله والعمامة.

تبدأ الروية بأن في احدى الليالي، زاره الله في المنام، وعبر عن رغبته ان يكون نبياً، فوافق الله على طلبه بأن يصبح نبياً، وفق المراسيم الالهية الخاصة بالنبوة . ولكن وضع الله شرطاً لينال النبوة، ان يسرق عمامة، لا يهم لمن تكون ولمن تنتمي، المهم سرقة عمامة، وما اسهل سرقة عمامة، وما اكثر حاملي العمائم في الواقع الذي يعج بالعمامة، فقد اصبحت العمامة الزي الواقع الفعلي، بهذا التزاحم على لبس العمامة. في هذا اليوم تهطل العمائم بغزارة على المنابر في الشحن الطائفي واشعال الحروب بالفتاوى الدموية، في اشعال التفرقة والحرائق وشن الحروب (حروب العمائم والفتاوى الصادرة عنها، من المتوقع ان الرب قد ادرك أن الحروب التي يرى دماءها تسيل كل يوم، هي حروب عمائم، لذلك اراد انهاءها من خلال الرسالة التي تضمنها شرطه).

العمامة تعني نيابة الله

إن كل شيء يدب على الحياة، هو مزور ومنحرف عن طريق جادة الصواب، حتى بيت الله (الجامع) شذ عن بيت ينتمي الى الله، واصبح مكان لمزايدات المزيفة في صفقاتها، ومرتع للنصب والسرقة ويسد ابوابه الى المحتاجين الى رحمة الله وحمايته من صواعق الحياة القاسية . لذلك تحول الواقع الى رعب وخوف، يمشي في قلوب وعقول عامة الناس . لان الواقع يعتمد على التسلط والاضطهاد والبطش، وهذا يستدعي عدم التنازل في السعي في نيل النبوة مهما كانت العواقب الوخيمة، لكن رجال (ظهر الدين) بالمرصاد، انهم عسس البطش والتنكيل بالناس، في ممارسات وحشية، شاهدها بنفسه، في ممارساتهم في المصح العقلي، بزرق الابر السامة للموت، ممارسة التعذيب بالصدمات الكهربائية، وهو يتذكر آثار الدماء التي تغطي الجدران.

أعضاء بشرية ملقاة على الأرض. حفرة عميقة تخرج منها، اصوات لكائنات البشرية المعذبة، ان المستشفى او المصح العقلي، عبارة عن مسلخ بشري، يديره رجال (ظهر الدين) وهو رمز لوحشية وبطش العمامة، في سبيل تدعيم سلطتها، في المال والنفوذ. وكما ان الحالة خارج المصح العقلي لا تختلف قيد أنملة عن ما يجري داخل المصح العقلي، من اساليب بشعة في مصادرة حرية وحقوق الانسان. فكانت تنزل الصاعقات المؤلمة على الابرياء، في الصيحات الوحشية.

هذه الرواية "سارق العمامة" الثانية للروائي شهيد الحلفيوالرواية الاولى كانت "كش ملك".

جمعة عبدالله

ملخص مقال "قراءة في رواية سارق العمامة"