شاعرة مغربية ترى أن غياب النقد الأدبي أنتج كمية مهولة من الكتب الفارغة

تقلقتي يا حروف لخاطر / من كلام الناس عل الناس

من مدينة الجديدة المغربية تجد مجموعة فتيات وشبان يحلمون بالجمال وينشطون ويتطوعون في مبادرات وأنشطة أدبية وفنية لخلق وجه حضاري مغربي رغم قلة الإمكانيات المادية والتغطية الإعلامية المتواضعة.

وهنا كان التعرف واللقاء مع الشاعرة والزجالة الشابة نعمة الضميري التي ترى أنه بصفة عامة تجد المرأة المحجبة عراقيل عديدة في العمل واحتضان أعمالها الإبداعية كيفما كانت. ولكنها لا تجد أي مشكلة في التأقلم مع زميلاتها وزملائها في المجال الأدبي ولكنها تجد عقبات في قبولها بمجال السينما والمسرح خاصة.

وترى أن القصيدة الزجلية المغربية هي فن من فنون الأدبية الشعبية المهمة تحتاج لموهبة ولا خطر على هذا الفن الصامد ضد الحداثة، كونه كمسرح الحياة اليومية فهو متجدد ولن يوجد ما قد يضعفه أو ما يمحوه رغم كل التطورات والتغيرات الاجتماعية.

كما تطرقنا إلى ظاهرة التحرش والعنف الجنسي وتصفه بتحوله إلى ظاهرة يومية مقلقة وخطيرة تهدد أمن وسلامة المجتمع المغربي بأكمله.

نصحبكم في رحلة سريعة لمحاورة ضيفتنا وهناك نقاط مهمة ستناقش وهموم ثقافية.

تقول نعيمة الضميري إن الكتابة في حد ذاتها فعل غواية.. لذلك فإغراء الشعر لذيذ ومختلف، يجعلك شاعريا مرهف الحس ترى الجمال وتتذوقه وتعبر عنه بأسلوب فني ولغة بليغة. هذه اللغة كالوعاء الذي يحمل مشاعر الشاعر ورؤيته في نتاج تلاحم وانصهار اللفظ مع المعنى ليعطي مولودا هو القصيدة. وبالشعر تبدع لتحول اللغة إلى شظايا وحرارة أحاسيس وشعور صادق بحمى وجدانية يجعلك تلامس ذاتك والعالم؛ كأن يهتز كيانك وترتعش لما تحمل القلم. هذه الشاعرية تخلق الروح للقصيدة والتي تعمل على إيقاظ مشاعر المتلقي وتذكره بأحداث تناوبت عليه اذا كانت اللغة والصورة منحوتة. وبالتالي فالمغري بالشعر هو النظرة المختلفة والأسلوب الجمالي المتفرد في الحياة وإختزال هذه الحياة في قصيدة.

وأوضحت أن مجتمعاتنا العربية تعاني من تشوهات كثيرة ومفجعة في الذائقة والتذوق الجمالي للأدب والفن الجاد. وذلك لغياب ثقافة التأمل الجمالي والتربية على فن الحياة كاختيار وليست كضرورة معيشية لأن الذوق الفني يؤثر في السلوك العام. فالشعوب ترتقي أذواقها من خلال الفنون التي تعايشها والتي تعبر عنها وهي تؤثر فيها وتقودها في نفس الوقت. وبالتالي الذوق الفني معناه الإحساس بالجمال ومنه الإحساس بالإنسان والإنسانية والاحساس بالراحة النفسية.

هذا الإحساس ينعكس على كل تصرفاتنا وأقوالنا وأفعالنا. وعموما يزداد التذوق جمالا كلما توافرت أمام النفس الإنسانية القدرة على الاختيار وتلاشت حركات الجبر، ومن تمة مادامت مجتمعاتنا العربية جائعة لحرية الاختيار وجائعة فنيا فلن تحس بالتذوق لأنها تبقى مدفوعة بالشوق والغريزة لتملأ معدتها وبالتالي لن تعطي حكما صادقا على التذوق الحقيقي. فالجمهور المغربي خاصة مادام تعليمه يفتقر في مواده الأساسية للموسيقى والمسرح والفن التشكيلي وحصص خاصة بالقراءة في كتب؛ فلن نلاحظ سوى التشوهات على مستويات عديدة بسبب إهمال التربية الثقافية والفنية والرياضية إذ يقول الإمام الغزالي "من لم يحركه الورد وريحانه والعود وألحانه فإنه خرب المزاج ليس له علاج".

إذن بالتذوق نرتقي وبه نحقق إنسانيتنا ويتحدد موقعنا في خارطة الحضارة العالمية وسأختم هذه النافذة بقولة أرنولد هاوزر "العمل الفني ما هو إلا نوع من التحدي" وبهذا القصد نفهم المعنى النقدي والفلسفي لمحاولات إنشاء الفن، هذا الذي يعتمد على تحولات اجتماعية وإنسانية دون الإخلاء بالمبادىء الأساسية للجمال والتي تقوم على أساس نقش ونحت التذوق الفني الجمالي في مختلف المناحي.

وتصف الشاعرة نعيمة الضميري ظاهرة فيديوهات تحرش والاعتداء الجنسي على فتيات بوسط الشارع المغربي نهارا جهارا بقولها: كل مايحدث سواء قبل الكاميرا أو مساهمة مواقع التواصل الاجتماعي في الاهتمام والنشر هو يظل كارثة مزعجة بالفعل وضرب في الاحترام والحرية وكذا القانون. هو إجرام في حق الانسانية بالدرجة الأولى ويدغدع المجتمع لأنه إغتصاب أمامه وبالتالي هو إغتصاب المجتمع بأكمله.

وقد تعددت الأسباب والفعل واحد سواء كانت الفتاة بدينة أو رشيقة، متبرجة أو محجبة. وذلك راجع لتفجير النزوات العدوانية من اعتداءات لفظية وجسدية ومادية على الفتيات في غياب الاحترام للذات وللآخرين في ظل غياب الأمن. هذه لم تبق ظاهرة فحسب وإنما ممارسة يومية منتشرة سواء في الشارع أو العمل أو المدرسة. إنه في الحقيقة توتر وكبت جنسي جدا لدى العرب والمغاربة مع هشاشة سلطة الأسرة وضعف التربية على المسؤولية والإحساس بالنبذ الاجتماعي، وكذا غياب التربية الجنسية والنقاش الجنسي واستمرار الطابوهات الدينية والتراثية والقانونية، ثم المشاكل النفسية ومحاولة ممارسة العنف على من هم أقل سلطة، بالاضافة الى غياب فضاءات للترفيه والتعبير عن الذات وغياب الاحترام لكرامة الإنسان. كلها أسباب مساهمة في انتشار الجرائم الجنسية.

وعودة إلى الشعر ومناخاته وهل هي مناخات ملائمة ومشجعة لشباب الشعراء وشاعرات، تقول نعيمة الضميري: صراحة لا.. توجد قلة قليلة جدا ونادرة تتاح لها بعض الفرص لأن هناك فئة تحتل المكان والمشهد، وإن ظهر شاب أو شابة فحتما يكون لملء بعض الفراغات لا كتقدير لهم كمبدعين وقادة الغد وسينيرون المستقبل لحمل رسالة الابداع بتجلياته لا فقط في مجال الكتابة والشعر وانما في مجالات عديدة.

وعن سؤالنا أن الشاعرة أكثر حظا لأنها تجد الدعم والجوائز وربما الشهرة سريعا خصوصا لو كانت جميلة واجتماعية تقول نعيمة الضميري: صحيح أنه ليست لي أرقام معدودة وانما نعم أرى هذا في مجتمعنا حيث يقمن البهرجة والتطبيل والتزمير لمن لا يستحقن في مقابل نسيان أخريات لهن إنجازات رائعة في الظلال المنسية دون أي التفاتة أو اهتمام. يهتمون فقط بإعطاء القيمة الزائفة وتلخيصها في المظهر ولمن هن بارعات في التسويق للذات بطرق لا تمت للإبداع أو الفن بصلة ولا بقيمة الانسان كقيمة عظيمة. هؤلاء الكاتبات والشاعرات متعتهن لحظية سرعان ما تذوب وينساهن الزمن ويمتن عاديات بخلاف من تنسج صورتها ومكانتها بحضور قلمها وقيمتها الانسانية والابداعية.. تبقى راسخة في الذاكرة.

وتضيف: دائما ما أجدني مرتبطة بالبيئة والواقع والحياة لذلك هموم وقضايا كتاباتي تنصب حول جدلية الموت وصراعات الحياة وكذا الميلاد والفوضى انطلاقا من ذاتي البشرية ونظرتي للكون والعالم، ثم أهتم بهمّ المرأة وحاجاتها والقضايا الانسانية بصفة عامة وواقع الثورات العربية لا يمكن إهمالها فلها نصيب من بوح الكيان.

وهناك عطاءات وإنجازات متميزة في صفوف نساء المغرب حتى وان كنت أرفض مصطلح المشهد الشعري في نون النسوة الذي يحيلنا على الأدب النسوي وأنا لا أومن بأدب نسائي أو رجالي، فالأدب الجيد هو ما يصل إن كان كاتبه امرأة أو رجلا. وعموما هناك في الحياة الخير والشر، الإبداع واللا إبداع، لذلك هناك حضور وازن لنساء قلة وأخريات لهن إصدارات عديدة مازلن محاصرات في الكتابة حول ثنائية الحب والرجل؛ هذا ليس بالجديد وانما يتفشى في ظل غياب الرقابة الأدبية وعدم احترام المنتوج الأدبي وكذلك غياب النقد الخالص.

مع التصفيق وتقديم المجاملات كانت النتيجة صدور كمية مهولة من الكتب الفارغة وضعف الركيزة الأدبية بفعل الايديولوجية التي طبعت تفكير المرأة ودور المجتمع في تكريس وتكديس الصورة النمطية لها بصفتها عنصرا ضعيفا مضطهدا من قبل الرجل في أعمال غرامية وحرب حول المجتمع الذكوري وخواطر حب وردية.

وتوضح الشاعرة المغربية أن تجارب الحياة وجمال الكون هما ما ساهم في ابراز شاعريتي أكثر من أي شيء اخر. لكن لا أغفل فيما مضى أنه لهذه الأسماء: جلال الدين الرومي، محمود درويش، فدوى طوقان، فاتحة مرشيد المغربية لهم تأثير جميل في ترويض ملكتي الشعرية وبناءها.

وتقول إنها تكتب لنفسها أولا ولحاجتها الداخلية التي تلح علي بالبوح وإطلاق العنان للذات لتعبر بالحرف عن ما يعتريها من أحاسيس ورؤى، ذلك من أجل تفسير الواقع الذي تعيشه في كل الحالات لتدخل في أعماقها وتغوص في سراديب سرية تجهلها في الواقع ويفسرها خيالها، ثم ثانيا تكتب للحب وللانسانية لتسهل عملية الحياة من أجل حياة مختلفة.

وعن نفسها تقول نعيمة الضميري: أنا إنسانة بسيطة وطموحة لها أحلام وخطط تعمل على تحقيقها دون ملل أو استسلام. وهذه الشابة تلتقي مع نعيمة التي تكتب في النظرة للأشياء المألوفة بطريقة غير مألوفة، وتختلف معها كون الأولى إجتماعية وهذه الثانية منعزلة حتى عندما تحمل القلم أثناء المخاض تصبح غير تلك الفلانة بنت فلان ولا تلك التي تقطن بالعنوان الفلاني. أصبح شخصا لا أعرفني أحيانا وحرا من كل القيود ومزاجي بطريقة ملفتة حينما يزعج أحد ما أو الشابة نفسها طقوس التي تكتب.

وعن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على القصيدة، ترى الضميري أن النقاش طويل في هذا الباب مادامت مواقع التواصل الاجتماعي متنفسا واسعا. وتقييم التجارب الابداعية لا سيما القصيدة موكول لذوي الاختصاص. وأكيد هناك دائما تأثيرات ايجابية وسلبية؛ من هنا نعرج على ماهو جيد اذ تساهم مواقع التواصل الاجتماعي في نشر هذا النتاج الأدبي من جهة نقل الجديد في الشعر وما شابه ذلك في أي وقت وزمان. لم يعد صاحب القلم بحاجة إلى جريدة يومية أو يخضع لرئيس تحرير متنعت قد ينشر عمله أو يرفضه، ثم نشر القصائد يساعد على الترويج لإصدار عمل ما من خلال التساؤلات الجادة التي تطرح في التعليقات والمناقشات الموضوعية التي يمكن الاستفادة منها، وبالتالي من هذه الزاوية فهذه المواقع تخدم الأديب والقصيدة مع توفر الصورة والتسجيل الصوتي كذلك يعطيها رونقا جميلا، في حين أن هناك زاوية أخرى تساهم في ترويج النتاجات التجريبية التي لا تمت للقصيدة بصلة وتشوه معالمها ان كان ما نشر من طرف متطفل أو مدعي أنه شاعر وكتاباته شعر، ثم نقلت لنا هذه المواقع صورة الكاتب المهمش الذي يهلل له بعض القراء المتابعين له لا لعبقريته وانما من باب مجاملته. ومن تمة تبخيس للغة ووضع الذائقة الأدبية في المحك. وبالتالي فالجمهور العارف بالشعر وقيمه الفنية والدلالية سيختار الأبقى سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي او غيرها.

مقتطفات زجلية لنعيمة الضميري:

تقلقتي يا حروف لخاطر

من كلام الناس عل الناس

والزارع في الحصى..

احصادو نتاف

تنهدي.. وزيدي غوتي بسكاتك

خليني نحضن دواخلي

وبالشوق نسقي ولفك

ونبني بيت في سطر المعنى.

***

كنت نحسابها

كَمرة في سماه

لقيتها نشوة

وفي دواخلو شهقة

كَادية نارو

ومدوياه..

مخليا كَاشوش لخاطر

يلغي بلغاه.