المعارضة السورية في أسوأ أحوالها

ليس هناك أشد قسوة وأكثر جلبا للعار من أن يحرض المرء دولا على غزو بلاده أو توجيه ضربة عسكرية إليها.

لقد سمعت وقرأت كلاما من ذلك النوع المقزز والمتعفن لمعارضين سوريين وهم ينتظرون بأمل ساعة الصفر التي تنطلق فيها الصواريخ الأميركية والفرنسية لتدك عاصمة الأمويين.

شيء محزن ومؤلم ومعيب أن يتمنى سوريون أقاموا دهرا في مدن الغرب العامرة الخراب لدمشق والموت لساكنيها. لا توجد حجة في إمكانها أن تسوغ ذلك الموقف الوحشي والبليد والخالي من الحس الإنساني.

مهما بلغت السياسي من وقاحة وصلف وبذاءة ونفاق فإنه لا يمكن أن يصل إلى ذلك القاع من الانحطاط الأخلاقي.

منطقيا فإن المرء لا يجرؤ على السير وراء القتلة في مشاريعهم الإجرامية. فكيف به إذا كان أولئك القتلة ينوون إبادة شعبه؟

لقد أعتقد الكثيرون أن الضمير البشري تلطخ بما يكفي من عار المعارضة العراقية السابقة التي وقفت وراء الغزو الأميركي متخطية كل الحواجز التي تشكلها القيم الإنسانية. وكان هدفها الوصول إلى الحكم. وها هي قد وصلت الى الحكم الذي كان مناسبة للكشف عما انطوت عليه نفوس دعاة الغزو من قبح ودناءة وظلام

كان درس العراق كفيلا بأن يقف عائقا دون انحدار ذوي النفوس المريضة إلى الموقع الذي يفقد فيه المرء شرفه الوطني بل وإنسانيته حين يصطف مع الوحوش الكاسرة التي تتأهب لتمزيق وطنه وتدمير شعبه.

لن تكون كراهية بشار الأسد وحزبه ونظامه سببا مقنعا للذهاب إلى جحيم من التطلعات البغيضة والأمنيات الرخيصة.

ما صار جليا أن المعارضين في غالبيتهم يرغبون في اعتلاء السلطة بغض النظر عن الثمن ومن غير الالتفات إلى مَن يقدم ذلك الثمن. في ذلك يتساوى الاخواني والعلماني، الساذج والخبيث، لعميل الثابت والمأجور المؤقت.

كان المعارضون العراقيون عام 2002 يتسابقون كالذباب من أجل نيل رضا الافغاني زلماي خليل زاده المكلف من قبل الإدارة الأميركية للتنسيق مع المعارضة العراقية تمهيدا لغزو بلادهم.

كان المشهد يومها مروعا ويدعو إلى الغثيان.

لا أظن أن أحدا من المعارضين السوريين يومها توقع أن يقع في مصيدة، تجعل منه جزءا من مشهد بغيض شبيه.

اليوم إذ يفعل معارضون الشيء نفسه فإنهم يمنون أنفسهم بسماع موسيقى السمفونية لتي سمعها كنعان مكية يوم سقطت الصواريخ على بغداد.

سيضيع صوت صبري المدلل وسط ضجيج تلك السمفونية.

لا يفكر أحد من المعارضين ممن يحرضون على ضرب بلادهم بالمستوى الرمزي لما يقوم به. فهل سنربي أجيالنا القادمة على الخيانة بعد تطبيعها؟ وهو بالضبط ما حدث في العراق بعد أن سلم المحتل الأميركي السلطة للأحزاب والتنظيمات العراقية المعارضة التي دخلت بلدها على الدبابات الأميركية.

لو افترضنا جدلا أن العدوان الأميركي على سوريا قد أدى إلى سقوط الدولة هناك فهل يعتقد دعاة الحرية من المعارضين أن طائر الفينيق السوري سينبعث من ركام عارهم الذي لن يفارقهم أبدا؟

لن تكون سوريا الجديدة أفضل حالا من العراق الجديد بل قد تكون نسخة أسوأ وأكثر ظلاما وقبحا. وما علينا سوى مراجعة وقائع السنوات السبع الماضية لنعرف أن الثورة التي بدأت سلمية قد تم اختطافها من قبل مستثمرين محليين واقليميين وعالميين لتكون سوريا بعد ذلك ملعبا للشركات الأمنية وسماسرة السلاح والمرتزقة القادمين من كل مكان بحثا عن المال والجنس.

سوريا التي أذلها نظام قمعي لم يكن مستعدا لسماع صوت شعبه لم تكن في حاجة إلى أن تُذل على أيدي معارضي ذلك النظام بطريقة رخيصة، تكشف عن عمق الفجوة التي تفصل ما بين تصريف المعارضة السياسية لمصالحها وبين الوعي والحس الوطنيين والنزعة الإنسانية التي تُحرم وتُجرم القتل.

كانت الدعوة لضرب سوريا فرصة أخيرة لكي يظهر المعارضون المدنيون السوريون نوعا من الخوف على بلادهم ولكن ذلك لم يحدث.