الصدر.. قفزات في المجهول العراقي

طهران تَنَبّهت الى نظام الرّدع الذي يبنيه الصدر بمعاونة الشيوعيين، حينَ أعلن علي ولايتي، مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي أن بلاده لن 'تسمح بعودة الشيوعيين والليبراليين إلى الحكم'

خطوات الصدر السياسية كأنها قفزات كبيرة إلى مناطق لعب جديدة خارج كمّاشات يجد نفسه محاصرا بها، لكنه بالتحالف مع الشيوعيين يحاول أن يوظف تناقضات محلية وإقليمية لصالحه، ويهز الشجرة غير المستقرة للتحالفات في العراق مترقباً تساقط الخصوم منها، ومنها يصل إلى أقصى نفعية سياسية بالقفز من "المهدي" إلى "ماركس" على طريقته بإيجاد مقاربات هشّة.

فهو يُصدِّر خطابه كمعادٍ للسياسة الإيرانية بالمنطقة، ويعارض بقاء الأسد بالسلطة، ويقترب كثيراً من الرياض وأبو ظبي، ويعزز سياسة رئيس الحكومة بالانفتاح العربي، وتحوّل إلى هراوة سياسية مطيعة بيّد المرجعية التقليدية في النجف، ويدعم توجهات حل الفصائل المسلحة لكنه لا يحل جماعته المسلحة على نحو مطلق ويحتفظ لنفسه بحماية واحد من أهم مراكز الشيعة في سامراء المرتبطة بـ"قضية المهدي"، فهو دائماً يُبقي خيطاً رفيعاً ممدوداً بينه بين قناعاته الخلاصية بوصفها المنطقة المقدسة التي يُهيّمن بها على ملايين من الفقراء التواقين للعدالة المفقودة وطموحاته السياسية. لكن ذاك الخيط أيضاً مصدر قلق رهيب بوصفه مُحفزاً لتنظيمات سرية تدعي الصلة بـ"المهدي"، وفق تحليل صفاء خلف.

في منتصف تموز / يوليو 2003 أطلق الصدر ميليشياه ردّاً على تشكيل سلطة الاحتلال المؤقتة "لمجلس الحكم العراقي"، وبموازاة ذلك ابتدع لنفسه خطاً راديكالياً بطموحه إلى "تأسيس دولة إسلامية تسعى لتطبيق الحكم الشرعي (...) عبر جيش إسلامي مطيع لمراجعه وقواده"، هذه النظرة الخلاصية أدت إلى تفريخ الكيانات المُسلحة في المقسم الشيعي قبالة التفريخ الحاصل على المقسم السُني، وربما أن أغلب الجماعات الشيعية المُسلحة خرجت من بطن التشكيل الأول للصدر، وتنامت فيها بعد وصولاً إلى تشكيل "الحشد الشعبي".

خشية الصدر من استقواء خصومه المدعومين من إيران: فيما الصدريون يتفهمون أن الدور الأميركي مفيد لحراكهم ومستقبلهم الذي يريد التملص من الكمّاشات الإيرانية، شريطة ألا يحقق الطرفان تقارباً مباشراً يفضي إلى نسج علاقة صريحة بينهما. ويخشى الصدر من استقواء خصومه المدعومين من إيران عليه – أبرزهم المنشقون عنه قيس الخزعلي وأكرم الكعبي- كما يخشى أن تتحول الدولة إلى عنصرٍ معادٍ له إذا ما استطاعت القوى التي تدين بالولاء الديني للمرشد الإيراني بالوصول إلى السلطة، لذا فهو يحافظ على تلك القوة بوصفها جزءاً من نظام الردع الذي يُطوره سياسياً. ولَعلَّ طهران تَنَبّهت الى نظام الرّدع الذي يبنيه الصدر بمعاونة الشيوعيين، حينَ أعلن علي ولايتي، مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي أن بلاده لن "تسمح بعودة الشيوعيين والليبراليين إلى الحكم"، كما يكتب صفاء خلف.

ولَعلَّ طهران تَنَبّهت الى نظام الرّدع الذي يبنيه الصدر بمعاونة الشيوعيين، حينَ أعلن علي ولايتي، مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي أن بلاده لن "تسمح بعودة الشيوعيين والليبراليين إلى الحكم".

إشكالية محاربة الفساد في العراق تتحرك ضمن الزبائنية السياسية وموجهاتها الدعائية الشعبوية، تفتقر إلى إرادة المحاسبة الحقيقية فيما تظل أدواتها بعيدة عن ملاحقة الفاسدين وتقديمهم إلى العدالة، وتشتغل في إطار الترضية والتصفية بين الخصوم السياسيين، فحتى الاستجوابات التي تُطرَح في مجلس النواب وتُطيح بوزراء او مسؤولين فاسدين كبار، تتحرك داخل إطار تحقيق التوازنات، والكيفية التي تحافظ بها تلك الجماعات السياسية النفعية على مصالحها الاستراتيجية.

دائماً ما تجيء خطوات الصدر السياسية وكأنها قَفَزاتٌ كبيرة الى مناطق لعب جديدة خارج الكمّاشات التي يجد نفسه محاصراً بها، لكنه بالتحالف مع الشيوعيين يحاول أن يوظف التناقضات المحلية والإقليمية لصالحه، ويهز الشجرة غير المستقرة للتحالفات في العراق مترقباً تساقط الخصوم منها، ومنها يصل إلى أقصى نفعية سياسية بالقفز من "المهدي" إلى "ماركس" على طريقته بإيجاد المقاربات الهشّة.

تساؤلات حول الحلف الديني الشيوعي: تطفو تساؤلات عن كيفية تعامل الصدر مع أسلمة القوانين العراقية، في ظل حلفه مع الشيوعيين، ولاسيما قانون الأحوال الشخصية أو منع الخمور أو مراكز السهر والحريات الخاصة، وكيف يُمْكِن السيطرة على العقيدة العميقة للصدر إزاء الإيديولوجيا الشيوعية المُناقضة له والتي يَصِفُها الحزب في أدبياته بـ"الرجّعية" في سنوات الصراع على علّمنة القوانين والتشريعات والمجتمع بعد انقلاب 1958.

ونظراً للمواقف الانقلابية للصدر على حلفائه، ونزّعته غير المستقرة بالبقاء في جبهة واحدة، تتراكم مخاوف من انقلابه على الشيوعيين، لاسيما وأنه يحتفظ لنفسه بموضع ديني أيضاَ، ويحرص على تراث عائلته المتشددة: فوالده آية الله الراحل محمد محمد صادق الصدر، يُصنَّف كأبٍ روحيٍ لـ"الصحوة الفقهية الشيعية" في التسعينيات التي اندفعت قُبالة "الصحوة الإيمانية السُنية" التي قادها صدام حسين لتحصين سلطته من الانهيار. فالصدر وأباه حريصان على الشريعة. وخلال 5 أعوام بعد سقوط بغداد أنشأ الصدر محاكم دينية لمحاسبة غير الملتزمين، وتورطت ميليشياه بمقتل مئات النساء والرجال ولا سيما في البصرة، بحسب ما يكتب صفاء خلف.

لا تبدو خطوات الصدر المقبلة واضحة، فالصراع الانتخابي يُغيّر باستمرار الوجّهات المُستقبلية، وحتى اللحظة يبدو أن الزعيم الشاب هو الوحيد الذي حافظ على تماسك لائحته الانتخابية (سائرون) من التفكك، لكن تبقى حظوظه الانتخابية تُراوح عند مديات الطاعة العمياء لجمهوره الذي يرزح غالبيته تحت مستوى خط الفقر وسط فقر حظوظ الشيوعيين في خدمته انتخابياً، لكن بالتأكيد أن الصدر سيغدو قبّان التوازن الذي يسعى إليه الطامحون الى منصب رئاسة الوزراء.

صفاء خلف

ملخص منشور قنطرة الألماني

العراق.. من إقامة دولة المهدي إلى التضحية بماركس