لينا كيلاني: رواية الخيال العلمي تحاور الطفلة الساكنة في أعماقي

لاختصاصي العلمي تأثير إيجابي في مسيرتي

الأديبة سورية الهوية مصرية الإقامة "لينا كيلاني" نشأت في بيئة أدبية ساعدت على بزوغ ونضوج موهبتها مبكرا، فهي ابنة للكاتبة الكبيرة قمر كيلاني. كتبت للكبار والصغار وقدمت إنتاجا غزيرا وصل إلى قرابة المائة وخمسين عنوانا، وهي أول كاتبة عربية تخوض غمار كتابة قصة الخيال العلمي.

قال عنها الناقد صلاح فضل: "إنها تبتكـر ما يمكن أن نسميه حكاية (الواقع العلمي) في روايتها (بذور الشيطان)، إذ تمسك بالجذر البحثي الضارب في أعماق نظريات العلم المعاصر، لتستخلص نتائجه المنظورة في تهديد منظومــات القيم الإنسانية وتشويه تناغمها، وذلك عبر عدد من النماذج البشرية التي تكوّنها بمهارة فائقة. ابتداء من الراوي الذي يقدم نفسه في السطور الأولى".

• الكلمة نزف

تقول لينا كيلاني عن نشأتها: سرت في درب الأدب في عمر مبكر هو أقرب الى الطفولة، واليفاعة، فمنذ سنوات عمري الأولى عشت في أجواء الحرف، بل أتنفس من خلاله إذ ألتقي في بيتنا مع أغلب مشاهير حملة القلم في العالم العربي، وربما من الغرب أحياناً.. كنت أسمع حواراتهم، وأنصت لأحاديثهم، وأتأثر بها دون أن أدري، وقد شكلت لي أمي مع زملائها من عالم الأدب نموذجاً مثالاً أقتدي به، إلا أنني لم أخطط أبداً أن أكرس نفسي لأصبح كاتبة بدليل أنني توجهت في دراستي توجهاً علمياً. ولم تكن الكتابة بالنسبة لي أكثر من هواية.

كان الوقت آنذاك يسعفنا لممارستها في زمن لم نكن قد دخلنا فيه إلى عصر المعلومات والاتصالات التي باتت تستنزفنا، إلا أنني اكتشفت من خلال تجربتي، أن من يعيش في جو ما لا بد وأن يتأثر به في مرحلة ما من حياته، وهذا ما حصل معي، وبالطبع فإن ذلك لا ينفي ضرورة وجود الموهبة أولاً، ومن ثم يأتي دور البيئة، ومن بعدها التجربة، والممارسة، وتعلم أصول الكتابة في أي من الأجناس الأدبية.

وعن تخصصها العلمي تقول: كان لاختصاصي العلمي تأثيراً إيجابياً في مسيرتي إذ أن المعلومات العلمية بدأت تكشف لي أسرارها من خلاله، كانت دعامة أساسية لقصص البدايات. وفي تلك الفترة كنت موزعة بين الدراسة في بيروت، والعمل لدى جامعة الدول العربية في دمشق، والوقت يكاد لا يسعفني لأفكر بالكتابة، كانت فترة صامتة ظننت أن ما لدي من مقدرة على الكتابة قد نضب وانتهى. إلا أنني بعد أن عدت وأنا أحمل درجة الماجستير في الاقتصاد الزراعي، وأفتقد أجواء الأدب والفن تساءلت: لماذا لا يكون لي في الأدب نهجا، يماثل ذلك النهج العلمي الذي سرت عليه أثناء دراستي.

ومن هنا، وبعد فترة الصمت تلك التي طالت نسبياً بحثت عن نهجي الخاص بي بعد اطلاعي على ما يقدم في أدب الأطفال من كتّاب معاصرين، أو من الحكايات الشعبية، والأساطير، وما شابه ذلك، حتى عثرت على ما انتهجته في أعمالي الأدبية وقد وجدت أن العلم يمكن أن يكون مرتعاً خصباً يكاد يفوق الخيال والأساطير، فصممت على أن أمتلك هذه المفاتيح السحرية لأنقل قارئي الى عوالم ليست من الخيال وإن بدت كالخيال وأنا أربط بين العلم والأدب.

وتنفي لينا أن تكون واجهت أي صعوبات حال انتقال قلمها من الكتابة للطفل إلى الكتابة للكبار، تقول: لم تواجهني الصعوبات لأنني عندما توجهت للكتابة للكبار كان في رصيدي أكثر من ثمانين مؤلفاً مطبوعاً، وكنت قد طوعت قلمي ليجيد التعبير عني، وعما أريد أن أكتب فيه.

أما أنني بدأت بأدب الأطفال وانتهيت عند رواية الكبار مروراً برواية الشباب أو اليافعين فإن ذلك تبرره المراحل الأدبية التي مررت بها، وكانت متلازمة مع مراحل العمر من الطفولة الى النضج. وهكذا تدرجت تجربتي حتى تعدى الأدب عندي حدود الهواية، والممارسة المزاجية الى الاحتراف الجدي والكامل لدرجة أنني تفرغت له فأصبح هو عالمي.

وعن الفرق بين كتابتها في الخيال العلمي الموجهة للطفل أو التي تستهدف الكبار تقول: الخيال العلمي لدي كان امتدادا للرواية والقصة العلمية التي انطلقت منها. وكما أن أدب الأطفال يتطلب من الكاتب مخزوناً ثقافياً، ولغوياً، وما هو أهم أيضاً من طفولة مخبوءة يحتفظ بها الكاتب في أعماقه. كذلك فإن أدب الخيال العلمي كجنس أدبي مستقل بذاته يتطلب دقة علمية لا يغفل عنها الكاتب إذا ما تجرأ على أن يكتب فيه. وهذا ما حرصت عليه في جميع أعمالي في الخيال العلمي سواء أكانت للشباب أم للكبار. فأدب الخيال العلمي لا يقبل التباسه بالفنتازيا، أو الأسطورة، أو غيرهما. وشروطه واضحة ومحددة، ولا يجوز تجاوزها إذا ما هدفنا الى خيال علمي صحيح قابل للتحقق ولأن يصبح واقعاً. أما الموضوعات التي قاربتها في روايات الخيال العلمي للصغار فهي لا تبتعد كثيراً عن تلك التي في روايات الكبار.

• روايات شمولية

وعن رواياتها الأخيرة التي عالجت هموما اجتماعية وتدعو إلى قيم إنسانية، فما الدافع لتحميلها بكل ذلك وهي تنتمي أساسا للخيال العلمي؟ تجيب لينا: الخيال العلمي الذي كرست له في رواية "الاختيار"، وتطبيقات العلم التي رصدتها بعيداً عن الخيال العلمي في روايتي "بذور الشيطان"، و"لودميلا"؛ هو المدخل الى نسيج الرواية. والفنية الروائية فيها تطغى على الأحداث الموجودة في كل منها، فهي جميعاً روايات أدبية أولاً وقبل كل شيء، لها أبطالها، ومحاورها، ومفاجآتها، وعقدتها، وكل ما يميز الرواية ليس بمعناها الكلاسيكي، ولا بمعناها الحديث وإنما بالمعنى الشمولي للرواية أي بخلق العالم الروائي الذي يحتوي كل هذه الكشوفات العلمية.

إنها روايات بشكل أساسي، وأنا تهمني هذه الناحية لأنني أكتب عملاً أدبياً تحت تصنيف الجنس الروائي، وبالتقنية الفنية، وبأدوات الرواية، والتي ربما كان فيها شيء من التجديد ـ وتضيف بأنها راهنت في رواية "المستقبل" على الفطرة النقية عند الإنسان، والتي لا يمكن طمسها مهما تضاءلت.. وعلى منظومة القيم التي وإن اهتزت فهي لا تسقط، ولا تغيب في بئر العدم.

• جزيرة المسوخ

كذلك تنفي الكيلاني مزاعم البعض بأن روايتها "الاختيار" قصدت إلى كشف الآثار السلبية للتكنولوجيا، بينما تستعيد في رواية "لودميلا" الظلال الإنسانية لكارثة انفجار مفاعل تشرنوبل، وأن ذلك جانبا أخلاقيا يضمر موقفا مضمرا ضد التقدم العلمي، تقول: لست ضد التقدم العلمي بل أسير في ركابه، ولهذا توجهت الى أدب الخيال العلمي، إلا أن العلم قد ينفلت في بعض مفرداته من مسار الأخلاق، وأنا ألتقط هذا الجانب منه لأكتب فيه وعنه.

ورواية "الاختيار"، رواية كانت تنبؤية في حينها إذ أن أغلب ما ورد فيها من خيال علمي قد تحقق بالفعل، فقد رصدت ما تنبئ به الكشوفات العلمية في مجال الهندسة الوراثية ووقفت مطولاً في جزئها الثاني "جزيرة المسوخ" عند أخطاء العلم التي اعتبرت تجارب الهندسة الوراثية الفاشلة بمثابة النفايات، في تجاوز لنسمة الحياة، واللمحات الإنسانية إذا ما غامر العلم بأن تقتحم تجاربه الجسد البشري. وهي رواية تزخر بالنظريات العلمية الحديثة وتطبيقاتها من منظور أخلاقي لا تغيب عنه الرؤى الفلسفية، والحقائق التاريخية. (خدمة وكالة الصحافة العربية).