العاهل المغربي يقود مشروعا للتحديث الاجتماعي والسياسي

توازن مغربي في كل المجالات

في منطقة شمال أفريقيا التي تعصف بها هشاشة سياسية واجتماعية وامنية مرشحة للانفتاح على المزيد من التوترات تبدو المملكة المغربية حالة استثنائية من التوازن والاستقرار في ظل مشروع للتحديث الاجتماعي والسياسي ما انفك يقوده العاهل المغربي الملك محمد السادس بكل حنكة وجرأة وشجاعة.

وعلى الرغم من ندرة الثروات الطبيعية مقارنة بكل من الجزائر وليبيا بدا المغرب منذ تولي الملك محمد السادس مقاليد الحكم يشق بكل تعقل تجربة متفردة في تحقيق التنمية وتوفير مواطن الشغل والتوزيع العادل لعائدات الخيرات والانفتاح السياسي الداخلي والخارجي.

ويرجع مراقبون تمسك المغرب باستقراره السياسي والاجتماعي خلال ما يسمى بسنوات الربيع العربي إلى طبيعة السياسات التي تنتهجها المؤسسة الملكية وقدراتها على إدارة مختلف الملفات في إطار الانتصار لدولة المواطنة والإصغاء لنبض الشارع معا.

ويشدد المراقبون على أنه لا يمكن مقارنة المغرب الذي يمتلك مرجعية توازن واستقرار سياسيين واجتماعيين ممثلة في المؤسسة الملكية وبين بقية دول بلدان شمال افريقيا المهزوزة نتيجة غياب عوامل توازن واستقرار ما انفك يعمق هشاشة الأوضاع العامة.

وعلى امتداد أكثر من نصف قرن تحولت المؤسسة الملكية إلى رمز انتماء المغربيين وولائهم لكيانهم السياسي والاجتماعي وأيضا رمزا لهويتهم الوطنية لتنحت مجتمعا متماسكا ومعتدلا يتبنى منظومة ثقافة سياسية مدنية متينة تنبذ الانقسام والعنف.

ووفق المتابعين للشأن المغربي فإن النظام الملكي لا يستلهم شرعيته وقوته من قوة سطوة أجهزة الدولة كما هو الشأن لعدد من الأنظمة وإنما يستلهمها من الانفتاح الواسع على مختلف فئات المجتمع المغربي ومكونات المشهد السياسي المتعدد فكريا وسياسيا.

ويستحضر المتابعون تحلي العاهل المغربي برؤية استراتيجية في إدارة عواصف الربيع وفي تعبير على حدة الرؤية وذكائها التي نأت بالمغرب عن الفوضى.

ويشيرون بذلك إلى مبادرة المزيد من الانفتاح الاجتماعي والسياسي خلال السنوات السبع الماضية وخاصة لما خاض المغرب عملية ديمقراطية مكنت حزب العدالة والتنمية من الوصول للحكم جففت مسبقا أي منابع لأزمة سياسية مفترضة.

وفيما بدت كل من تونس والجزائر وليبيا كما لو أنها تقع تحت وطأة إدارة تداعيات فوضى الربيع بدا المغرب قد أدار تلك التداعيات قبل أن تتسلل إلى المجتمع والدولة.

ويبدو، كما يذهب إلى ذلك محللون، أن المسار الديمقراطي في المغرب تجربة متفردة مدروسة توازن بين هيبة الدولة وحقها في ممارسة صلاحياتها الوطنية وفرض سيادتها المشروعة وبين تطلعات المشهد السياسي بكل مكوناته اليسارية والإسلامية.

وساعد حالة حياد المؤسسة الملكية ووقوفها على نفس المسافة بين الأحزاب السياسية على النأي بالمغرب عن الأزمات السياسية التي عصفت وتعصف ببلدان المنطقة الأمر الذي قاد إلى في الآن ذاته إلى حفاظ الدولة على أدائها وتماسك مؤسساتها وإلى فسح مجال العملية السياسية الديمقراطية أمام القوى الفاعلة بكل حرية.

وفيما أصبحت تلك التجربة ظاهرة صوتية خطابية استهلاكية غارقة في تعقيدات أزمات هيكلية اختار المغرب انتهاج سياسة التعقل السلسة في إدارة الشأن العام بكل هدوء بعيدا عن منطق الثورجية الجوفاء وقريبا من منطق المشروع الحداثي العادل والمتوازن.

وألقت طريقة إدارة الشأن العام والعملية السياسية بتداعيات إيجابية على الأوضاع الاجتماعية إذ يمثل المغرب اليوم أكثر بلدان شمال إفريقيا استقرارا رغم ندرة الثروات بل أيضا رغم تطلعات المغربيين إلى المزيد من الارتقاء والرفاه الاجتماعي.

ولم تكن حالة الاستقرار الاجتماعي إملاء من إملاءات الواقع بقدر ما كانت نتيجة الخطة الاجتماعية الاستراتيجية التي ينتهجها العاهل المغربي تجاه الفئات الهشة التي ما انفك يتخذ لفائدتها عديد القرارات والإجراءات التي تستجيب لمشاغلهم اليومية.

وللمجتمع المغربي مقارنة ببقية البلدان خصوصية تلتقي فيها الأوضاع الاجتماعية مع طبيعة الثقافة السياسية حيث يشعر المغربيون أنهم يحظون برعاية خاصة من قبل المؤسسة الملكية وهي خاصية تجفف أي شكل من أشكال الشعور بالحيف الاجتماعي.

لذلك لم تنجح بعض الاحتجاجات المحتشمة التي تقف وراءها البوليساريو في المساس لا من السلم الأهلي ولا من مدى أداء مؤسسات الدولة وأجهزتها الخدمية.

ويقول خبراء في التنمية الاجتماعية إن مشروع التحديث الاجتماعي الذي يقوده الملك محمد السادس قاد إلى بناء طبقة وسطى متينة تمثل أكثر من 69 بالمئة من المجتمع تتكون من موظفي الدولة وكوادرها ومن الأساتذة والمحامين والقضاة ورجال الأعمال.

وهم يرون أن هذه الطبقة تعد رهان مشروع التحديث الاجتماعي وأيضا السياسي لكونها طبقة تتبنى ثقافة سياسية مدنية تؤمن بحق الاختلاف والتعايش السلمي وبمدنية الدولة والعملية السياسية الديمقراطية إضافة إلى كونها عامل توازن واستقرار اجتماعيين.

ويتغذى مشروع التحديث الاجتماعي والسياسي من مشروع تنموي برامجي قاد بالاقتصاد المغربي إلى نقلة نوعية رغم ندرة الثروات إذ تحول المغرب إلى وجهة جذابة للمئات من مؤسسات الاستثمار الخارجي ليحتل المرتبة الأولى في المنطقة.

وتحتل المغرب المرتبة الأولى افريقيا من بين الاقتصاديات الأكثر جاذبية للاستثمارات الخارجية وفق \"مؤشر الاستثمار في إفريقيا العام 2018 الصادر عن مؤسسة \"كوانتومجلو بلريسيرش لاب\" نتيجة حيوية النشاط الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي والأمني.

ووفق إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، الهيئة الرسمية المعنية بالإحصاء، نجح المغرب في حصر نسبة التضخم في حدود 1.8 بالمئة مما ساهم في الحفاظ على توازن المقدرة الشرائية نتيجة سياسات الضغط على الأسعار.

وتحظى السياسات الاقتصادية المغربية بثقة ودعم المؤسسات الإقليمية والدولية المانحة حيث يتوقع صندوق النقد الدولي أن يرتفع الاحتياطي النقدي الصعبة خلال السنوات القادمة بنحو 10 بلايين دولا في أفق 2022 بعدما كان في حدود 17 بليون دولار العام 2012 تاريخ بداية عواصف الربيع العربي.

كما يتوقع الصندوق أن يرتفع الدخل الوطني المغربي إلى 137 بليون دولار عام 2022، بزيادة نحو 31 بليون دولار، ما يعني تحسّن الدخل الفردي بنحو 900 دولار.

ويحتل المغرب المرتبة الثانية من حيث الشفافية في شمال افريقيا والشرق الأوسط وفق تقرير المنظمة الدولية للشراكة الميزاناتية للعام 2017 كما يحتل المرتبة الأولى في سرعة الأنترنت عربيا وافريقيا وفق تقرير مؤسسة\"كيبل دوت كو \"البريطانية.

ويقول مراقبون إن مشروع التحديث الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في المغرب يعد مثالا يحتذى به في بلدان منطقة المغرب العربي لكونه يرتكز على سياسات ذات رؤية برامجية واضحة سواء في ما يتعلق بالشأن العام الداخلي أو بالشأن الخارجي.

وهم يرون أن الجهود التي ما انفك يقودها العاهل المغربي للانفتاح على أكثر ما يمكن من تجارب البلدان وفي مقدمتها البلدان الإفريقية لم تقد فقد إلى توفير أكثر ما يمكن من فرص مزيد نجاح المشروع بل أيضا عززت مكانة ودور البلاد في المنطقة.

وتظهر تحاليل دبلوماسية أن المغرب يعد اليوم من أكثر دول بلدان شمال إفريقيا تجذرا في محيطه الجغراسياسي والأكثر انفتاحا على بلدان الاتحاد الأوروبي التي تستأثر بنحو 80 بالمئة من المبادلات التجارية ما جعلها منه شريكا اقتصاديا قويا.