الإسلام الجديد أو الصحوي.. شيوعي بشموليته

إسلام سياسي عابر للحدود

بفضل تطور المواصلات والإتصالات والعالمية التي نحن فيها ذاب الكثير من مختلف الإسلام في الإسلام نفسه، فرغم مزاعم أن الإسلام شهد إزدهارا في المنطقة العربية و التي تستند إلى بروز أمثلة الجهادية والصحوة وما بعد الحداثة الدينية، إلا أن هذا الإزدهار ليس فقط مزيف بل وعلى حساب الإسلام نفسه؛ ليس القصد هنا الإشارة إلى أغلاط في التفسير أو أخطاء في الممارسة أو تسييس الدين، فالقصد أن الإزدهار كان نتيجة للذوبان الذي أصاب الإسلام نفسه في مقتل.

لعل أوضح مثال على الذوبان المعني هو ما يُسمى زورا و بهتانا بـ"الاقتصاد الإسلامي"، فبجانب كون المحددات التي تجعل من الاقتصاد إسلاميا ليست بإسلامية، فلا وجود لمحددات فعلية تجعل الاقتصاد إسلاميا.

أما بالنسبة للمجتمعات العربية التي "رجعت للدين" هي في الواقع لم تترك لترجع، إنما دخلت في الذوبان الجديد، الإسلام الجديد، الدين الجديد، الإلحاد الجديد ؛ الإسلام الذي صار حسيّا أكثر، أرضيا أكثر، ماديا أكثر، لكن هذه المرة للشعوب أكثر من كونه للخلفاء و القواد و الجيوش، فظهر هذا الإسلام تحريريا و ثوريا و وحدويا .

إلا أن هذا الذوبان هو في الأساس طائفي، لا مذهبي و لا ديني؛ ضد طائفة الشرق (الشيوعية) و طائفة الغرب (الليبرالية). ورغم الطابع الوحدوي الذي أتسم بها الذوبان في بدايته، كانت مسألة تفتت الوحدة مسألة وقت، والتي تظهر الآن بشكل واضح كمسألة طائفية بين السنة و لشيعة؛ ما يجب فهمه أننا نتعامل مع سنة و شيعة هذا الإسلام الجديد، ولا يجب أن يضللنا رجوع الخصمين إلى الإخباريات الماضية في الإنتصار للمذهب أو الطائفة، فالخصمين أبناء الجديد لا القديم.

الإسلام الجديد لم يكن نتيجة تنظير أو اجتهاد شخص بعينه، الإسلام الجديد هو النتيجة النهائية لقطبين: قطب فكري جمع إتجاهات فكرية وحدوية ودينية، وقطب سياسي وجد نفسه بين الشرق والغرب مدفوع برغبة التميّز؛ وقد لعب الإتجاه الشيوعي في الوطن العربي دورا في تهيئة الساحة للإسلام الجديد، فإلى جانب بروباجندا الوحدة البشرية ونهاية الطبقية (الطبقية وفق التصوّر الإسلامي الجديد هي طبقية دول بعينها، مؤامرة دولية تشارك فيها سلطات و حكومات محلية ــ و هو نفس التصوّر الموجود عند كثير من شيوعيي اليوم) كان للصناعة الشيوعية للتمرد والشهيد وما رافقها من ضخ دعائي ضخم دور في تبني نفس الصناعة من قِبل الإسلام الجديد.

الإسلام الجديد يكاد يكون شكلا من أشكال الشيوعية، فالكثير من وجوهه تدين للشيوعية، ففكرة الاقتصاد الإسلامي مستوحاة لا فقط من أخلاقية الاقتصاد الإشتراكي بل وحتى من نفس مبدأ الرفض للإقتصاد الغربي (الليبرالي)، حتى مفهوم الدولة الملغوم و الغير واضح في الشيوعية هو هو نفسه في الإسلام الجديد الذي لا يزال يتحسس دولته بالتجارب ؛ من ذلك يمكن تبرير لماذا يُنظر اليوم إلى الإسلام كعدو "الإسلام الجديد" بنفس النظرة إلى الشيوعية كعدو، كما يمكن تبرير لماذا أكثر الشيوعيين و مفكري ما بعد الحداثة متعاطفون مع الإسلام الجديد و بشكل خاص مع النموذج الإيراني ــ لدرجة أن يصبح شخص الخامئني أيقونة يسارية.

ملاحظة: مسألة الوسطية أو الإعتدال ليست من طبيعة الفكر، فالتطرف أو الإعتدال أو التفريط هي أمور من خارج الفكر، فمسألة مثل (قطع يد السارق) هي مثل (سجن السارق) مسألة قانونية، سواء قبلناها أو أيدناها أو رفضناها لا يعني أن المسألة نفسها متطرفة أو معتدلة أو مفرّطة ــ فلو جئنا بثلاثة أشخاص كلهم لديهم فكرة (قطع يد السارق)، إلا أن الأول يريد تطبيقها فعليا و الثاني يتبناها كفكرة فقط و الثالث يتبناها كفكرة تجاوزها الزمن، هذا لا يعني أن الفكرة نفسها عند الأول فكرة متطرفة وعند الثاني و الثالث الفكرة معتدلة أو مفرّطة ؛ لاحظ أن ما يوصف في العادة بالتطرف أو الإعتدال أو التفريط يقع أولا ضمن المدى العملي، أما مسألة شمول الوصف الفكر نفسه فهي مغالطة.

موسى راكان موسى

كاتب بحريني