الحرب الإسرائيلية الإيرانية مزحة غربية

يُقال إن هناك حربا على وشك أن تقع بين إسرائيل وإيران. وهو قول فيه الكثير من التضليل والخداع أو المبالغة في أحسن الأحوال. لا لأن الطرفين ينفيان ذلك حسب بل وأيضا لأن كل المعطيات على أرض الواقع تؤكد أن أحدا من الطرفين لا يفكر بالإيقاع بالآخر على أرضه.

الغرب يعرف ذلك جيدا لهذا فإنه لا يسعى إلى التهدئة أو التصريح بما يكشف عن قلقه على إسرائيل وغضبه من إيران.

لقد سبق لزعماء إيرانيين وفي مقدمتهم مرشد الثورة علي خامنئي أن هددوا بإزالة إسرائيل غير أن تلك التهديدات مرت كما لو أنها لم تقع. أعطاها الغرب إذنا صماء.

وهو أمر مستغرب بالمقارنة بردود الفعل الغربية على تهديد واحد أطلقه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، جلب عليه نقمة الغرب وعصف بنظامه ودفع بالعراق إلى الهاوية.

ما الفرق بين الحالين؟

يمكننا أن نصدق مضطرين أن الغرب اعتبر الرئيس العراقي جادا في تهديده فيما رأى في تهديد خامنئي نوعا من المزحة. ولكن سيكون ذلك نوعا من العبث. فدولة بحجم إيران وزعيم بحجم خامنئي لا يمكن أن يكونا مجرد دميتين في سيرك عالمي أرعن.

إسرائيل هي الأخرى تنظر بحذر إلى النشاط النووي الإيراني وتسعى جاهدة إلى منع استمراره، بالاتفاق النووي أو من خلال إلغاء ذلك الاتفاق. غير ان أحدا في الغرب لم يشكُ من ضغوط إسرائيلية في ذلك المجال.

لقد ضربت إسرائيل مدعومة بالغرب مفاعل تموز العراقي عام 1981 من غير أي تمهيد مسبق فيما تكتفي بمراقبة تجارب إيران عن بعد من غير أن تشي تصرفاتها بأنها قد تقدم على قصف المفاعلات الإيرانية.

وكما يبدو فإن ما كان مسموحا لها في العراق يقابله اعتراض غربي إذا ما تعلق الأمر بإيران.

هناك خط غربي أحمر في كل ما يتعلق بإيران.

وهو ما لا تواجهه إسرائيل في ما يتعلق بالعالم العربي. في هذه الحالة فإن كل الخطوط تكون خضراء أمامها.

تتصرف إسرائيل في ذلك وفق تمييز غربي صارم بين إيران والعالم العربي.

وإذا ما عرفنا أن الغرب قد صنف إيران دولة عدوة فيما كان الجزء الأكبر من العالم العربي ولا يزال صديقا له يمكننا أن نعبر عن دهشتنا في مواجهة ذلك السلوك الذي لا يعبر عن أدنى مستويات الإنصاف.

فالولايات المتحدة وهي صديقة العرب يمكنها أن تقف مع أي عدوان إسرائيلي على سوريا أو لبنان أو غزة غير أنها تقف بطريقة أو بأخرى حائلا دون أن تفكر إسرائيل بالقيام بما يزعج إيران على أراضيها.

هناك لغز إن تمكنا من الوصول إلى تفكيك عناصره سيكون في إمكاننا أن نفهم ذلك الوضع الملتبس.

في سياق ذلك اللغز يمكن توقع حرب إسرائيلية على إيران ولكن على الأراضي السورية. في المجال نفسه يمكن توقع حرب أميركية على إيران لكن في العراق. في الحالين فإن إيران ستبقى بعيدة عن حرب يمكن أن تلحق بها وبشعبها وبنظامها الضرر.

اما بالنسبة للعالم العربي فقد كان غزو العراق وتحطيم دولته وجيشه واعدام قيادته وشن حلف الناتو حرب جوية على ليبيا انتهت بمقتل رئيسها بطريقة بشعة واختراق سوريا بمئات الجماعات والتنظيمات الإرهابية في محاولة لإسقاط نظامها السياسي الذي لم يعد يعجب الغرب، كلها أمور مقبولة ولا قيمة لما تركته من أضرار على مستوى مستقبل المنطقة.

أعتقد أن الأمر يتعلق بثوابت غربية صارت بمثابة عقيدة تتبناها الحكومات الغربية بغض النظر عن توجهاتها السياسية، يمينية كانت تلك التوجهات أم يسارية.

هناك اعتقاد ثابت لدى الغرب أن العالم العربي يشكل خطرا على إسرائيل. أما إيران فمهما بلغ بها التطرف الدعائي فإنها لا تشكل مثل ذلك الخطر. اما من جهة تمددها في العالم العربي فإن ذلك يُحسب من جهة ما ينتج عنه من انهاك عربي وإيراني مزدوج.

ما دام الغرب ينظر براحة إلى ما يجري فإن إسرائيل في طمأنينة. العكس صحيح هو الآخر.