الفساد الاداري ينخر معهد حماية النباتات في الجزائر

أهمية تزداد في ظل ندرة الأراضي الزراعية بالجزائر

الجزائر – لا شيء تغيّر تقريبا في معهد حماية النباتات في الجزائر منذ تأسيسه قبل تسعين عاما مع مجموعته الفريدة من الحشرات الميتة، إلا بعض الفساد الاداري في صفقات استيراد الأدوية والمبيدات المقاومة للحشرات والتي تتكفّل بها الدولة.

في وسط حديقة تمتد على أكثر من ثمانية هكتارات تكسوها أشجار الصنوبر والزيتون، يقع معهد حماية النباتات في الضاحية الشرقية للعاصمة الجزائرية، الذي حفظت في أحد مبانيه أكثر من ثمانية آلاف صنف من الحشرات مقسّمة إلى 3814 نوعا و399 عائلة.

تؤكد رئيسة قسم الحشرات في المعهد المهندسة فتيحة بن عبدالرحمن أن الهدف الأساسي من جمع الحشرات ودراستها في جميع مراحل حياتها \"من البيضة إلى الدودة ثمّ الفراشة\" هو \"فهم طبيعة غذائها وكميته، حتى نتمكن من الحدّ من ضررها\".

وتقول \"العلاج ليس دائما بالأدوية الكيمياوية ولكن في كثير من الأحيان نستعمل العلاج البيولوجي، أي مكافحة الحشرات بحشرات أخرى، فتُربى في أحد الأقسام حشرات \"مفيدة\" قبل إطلاقها في البساتين لتقوم بمهمتها في التهام الحشرات الضارة\".

وتوضح حفصة حركات الخبيرة في مجال المكافحة البيولوجية، أن هذه التقنية تقوم على تربية حشرات محلية أو مستوردة في ظروف مناسبة قبل إطلاقها في الحقول بأعداد محددة تتلاءم مع عدد الحشرات الضارة.

وسمحت هذه التقنية التي أصبحت مرغوبة لدى الفلاحين \"بخفض كلفة المعالجة بثلاث مرات وبنتائج أحسن بكثير من المبيدات\" بحسب الخبيرة.

تزداد أهمية هذا المعهد نظرا إلى ندرة الأراضي الزراعية التي لا تشكل سوى 3.5 بالمئة من إجماليّ مساحة الجزائر البالغة مليونين و200 ألف كيلومتر مربع والصحراوية بغالبيتها.

إضافة إلى ذلك، يعكف المهندسون على مراقبة كلّ المواد الغذائية والنباتات والأخشاب المستوردة التي يمكن أن تحمل حشرات غير موجودة في الجزائر وقد تكون ضارة.

ويبقى الخطر الأكبر هو الجراد الزاحف من الساحل الأفريقي الذي يلحق ضررا واسعا في المحاصيل الزراعية، ولا سيما في وقت الحرّ، فيعمل المعهد ومخبره على مراقبة حركة الجراد ومتابعة دورة حياته، وإصدار نشرة تنبيهية للفلاحين حول تقدّم أسراب الجراد.

وكشف تقرير خطير أعدّه المعهد هذه السنة عن استيراد الدولة لكميات هامة من مبيدات محاربة الجراد تحمل مدة صلاحية قصيرة جدا، الأمر الذي عجل بتلفها وتكبيد الدولة لخسائر مالية كبيرة.

ويشير التقرير المكوّن من 5 وثائق تحمل الكميات المستوردة والملاحظات المسجلة من قبل المعهد الوطني لحماية النباتات، إلى أن الكميات المقدرة بـ221 ألف و170 لترا تم استيرادها سنة 2005 من أجل مكافحة الجراد الذي غزا الولايات الجنوبية للوطن خلال الفترة الممتدة من 2004 إلى غاية 2006.

وعن الوجهة التي تم منها استيراد هذه الموادالكيمياوية، كشف التقرير أنها قادمة من الصين والأردن بمدة صلاحية لا تتجاوز سنتين، بالرغم من أن القوانين المعمول بها تفرض على المستورد 7 سنوات مدة صلاحية المواد الكيمياوية.

وفي المختبر علب كثيرة تحوي دودة الحرير في كل مراحل حياتها، وأوراق التوت التي تتغذى عليها وكذلك كميات الحرير التي تنتجها.

وبدأ تجميع هذه الحشرات من أجل دراستها وتصنيفها، في حديقة التجارب بوسط العاصمة الجزائرية التي أنشئت في العام 1832، أي بعد سنتين على بدء الاحتلال الفرنسي للجزائر. وفي هذه الحديقة التي اكتسبت شهرة كبيرة رأى مجمع الحشرات النور بعد اقل من قرن.

وفي العام 1975 نُقلت الحشرات إلى المعهد الوطني لحماية النباتات بمنطقة الحراش، على بعد بضعة كيلومترات، مع الإبقاء على المجموعة كما كانت محفوظة في العلب والأدراج نفسها.

وجُمعت الحشرات من مختلف مناطق الجزائر ودول المغرب والساحل الأفريقي، وبعضها أيضا من أوروبا.

والقاسم المشترك بينها هو أنها كلها ضارة بالنباتات والمحاصيل الزراعية، بحسب المهندسة شريفة زواي مديرة المخبر المركزي في المعهد.

وتفتخر فتيحة بن عبدالرحمن بمجموعتها الفريدة من الحشرات المحفوظة في حرارة لا تزيد عن 16 درجة، في علب تبلغ من العمر أكثر من 90 سنة وأخرى حديثة أنجزها مهندسو المعهد أو طلاب باحثون من معاهد وجامعات الجزائر والخارج.

وتعد علبة مؤسس المتحف أندريه لوبيغر التي أنجزها العام 1924 لفراشة، الأقدم في المعهد ولا تزال محفوظة بشكل جيد والمعلومات مكتوبة بخط يده.

واكتسب أندريه لوبيغر (1902-1982) المهندس الزراعي الفرنسي شهرة عالمية بفضل أبحاثه حول محاربة الحشرات الضارة بحشرات أخرى، بعدما أثبتت المبيدات عجزها عن لجم الأضرار اللاحقة خصوصا بأشجار البرتقال، التي تشتهر بها الجزائر.

وكذلك تمكن رفيقه ألفريد بالاشوفسكي من إنقاذ واحات النخيل في الصحراء الجزائرية من هجمات الحشرات الضارة بفضل دعسوقة أطلقها فالتهمت \"الغزاة\"، وهي طريقة مستعملة حتى يومنا هذا.

عندما بدأ لوبيغر جمع الحشرات ودراستها كان هدفه علاج الأرض المريضة في الجزائر التي كانت تحت الاحتلال الفرنسي آنذاك.

واليوم يواصل مهندسون جزائريون المهمة نفسها معتمدين على خبرات توارثوها على مدى 90 سنة.

ولا يزال الدفتر الذي سجلت فيه كل المعلومات حول الحشرات ومكان جمعها ومسار حياتها، على حاله. وقد خطّه المهندسون والباحثون الذين تعاقبوا على مجمع الحشرات منذ تأسيسه.

وترى شريفة زاوي مديرة المخبر أنها قيّمة على كنز من المعلومات ينبغي الحفاظ عليه، في هذا المتحف المخصص للطلاب والباحثين.