هندسة الجزري منصة في معرض أبوظبي للكتاب

محمد الحمامصي
يفتتح متحفه باسطنبول 2019

عاش العالم التركي “بديع الزمان أَبو العز بن إسماعيل بن الرزاز” المعروف بالجزري، والذي يُعتبر بتعريفات العصر الحالي، مهندسا ميكانيكيا خارقا للعادة، حيث قام بتصميم وصناعة عشرات الآلات التي لم يسبق لأحد صناعتها قبله.

ويجري الآن في إسطنبول تأسيس متحف يحمل اسمه ويضم مخترعاته وما قدمه من إسهامات إلى المعرفة الإنسانية، وينتظر أن يتم افتتاحه في العام 2019 وقد استضاف معرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته الـ 28 منصة كبيرة تحت عنوان "آلات الجزري الاستثنائية" ضمت نماذج أصيلة وأخرى طبق الأصل من تلك التصميمات والصناعات التي قدمها الجزري جنبا إلى جنب رسوماتها.

يعد الجزري أحد أبرز أعلام القرن الثالث عشر بما توافر عليه من خبرة واختراعات ووجهة نظر وفلسفة هندسية، إذ أنه لم يصمم الآلات الفذة فحسب بل صنعها أيضا. ولم يزل الجزري الذي كان كبير مهندسي قصر بني الأرتق مدة 26 عاما مصدر إلهام للميكانيكيين الشرقيين والغربيين على السواء ولاسيما ما ابتكره من أجهزة للإفادة من الوقت وإدارته ومكائن الخدمة الذاتية.

من الأعمال التي تعرضها المنصة وتشرحها الرسومات المصاحبة:

ـ قفل لإغلاق خزانة بوساطة 12 حرفا من حروف الأبجدية: يعد تفكيك رموز آلية التشفير هذه الأكثر صعوبة في تاريخ العالم حتى الخمسينيات من القرن العشرين، وتوفر الآلية تشفير 48 رقما ثنائيا "بت" بواسطة 12 دورة " دائرة على محور دوراني" باستخدام 16 حرفا.

ـ ساعة القلعة التلقائية: مثال أنموذجي لساعة مائية تظهر الوقت الطبيعي بوساطة الأجهزة الميكانيكية، كما أنها الساعة الشمسية الميكانيكية الأولى والوحيدة في العالم، فضلا عن كونها أول نظام أداءة للتغذية الراجعة عرفه التاريخ ونفذ باستخدام نظام تعويم الوتد. وبهذه الطريقة يجري قياس الوقت الصحيح بمعدل تدفق ثابت، وكان بإمكانها إظهار الوقت الصحيح وفقا لموقع الشمس عبر تحديد معدل تدفق الماء بناء على طول الأيام في الموسم الموافق، وذلك باستخدام قرص ضبط يدور.

ـ ساعة الفيل المائية: تقيس الوقت بوساطة التباعد المتساوي باستخدام تقنية الحاوية المغمورة وتعمل هذه الآلية عبر مجموعة متنوعة من الأشكال التي تتفاعل مع بعضها البعض كل نصف ساعةـ وبعد كل حركة يفرغ النظام الحاوية المغمورة تلقائيا ثم يعيد تشغيل الآلية تلقائية من بدء فترة الجديدة.

ـ حوض غسيل اليدين: يجري الانتهاء من غسيل اليدين والوجه بوساطة إنسان آلي في الأعلى.

ـ مضخة موجهة بواسطة دولاب الماء: تستخدم هذه الآلة الرائدة التي سبقت المضخة التي تصنعها شركة ورثينجتون طاقة النهر، وتضخ الماء في مسار متدفق باستمرار حتى ارتفاع 10 أمتار.

ويعد كتاب "الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل" أهم كتب الجزري، وقد عرضت المنصة نسخة طبق الأصل منه، ويذكر أن الذي كلفه بتصنيفه الملك ناصر الدين محمود بن محمد بن قرا أحد سلاطين بنى أرتق في ديار بكر، أيام الخليفة العباسي أبو العباس أحمد الناصر لدين الله سنة 1181. وقد أتم كتابته سنة (1206)، أي أن الكتاب كان نتيجة عمل دام خمسا وعشرين سنة من الدراسة والبحث.

في هذا العمل قدم الجزري عددا كبيرا من التصاميم والوسائل الميكانيكية، إذ قام بتصنيف الآلات في ست فئات حسب الاستخدام وطريقة الصنع، وكانت هذه أساسا للتصنيفات الأوروبية في عصر النهضة. وفي الكتاب دراساته وأبحاثه في الساعات، والفوارات المائية، والآلات الرافعة للماء والأثقال. ويعد الكتاب "أروع ما كتب في القرون الوسطى عن الآلات الميكانيكية والهيدروليكية". وقد أبهرت اختراعاته المهندسين على مر العصور وكتبه مترجمة إلى عدة لغات.

توجد نسخ من كتاب الجزري في عدد من المتاحف العالمية كالباب العالي في اسطنبول، ومتحف الفنون الجميلة في بوسطن، ومتحف اللوفر في فرنسا، ومكتبة جامعة أوكسفورد.

اشتهر الكتاب كثيراً في الغرب، وقام بترجمة بعض فصوله إلى الألمانية كل من فيدمان وهاوسر في الربع الأول من القرن العشرين. كما ترجمه إلى الإنجليزية دونالد هيل المتخصص في تاريخ التكنولوجيا العربية. وقد أصدر معهد التراث العلمي العربي في حلب بسوريا، سنة 1979 النص العربي، بعد أن قام بمراجعته وتحقيقه أحمد يوسف الحسن.

ويذكر دونالد هيل بأن الجزري صنع ساعات مائية وساعات تتحرك بفتائل القناديل وآلات قياس ونوافير وآلات موسيقية وأخرى لرفع المياه. كما صنع إبريقاً جعل غطاءه على شكل طير يصفر عند استعماله لفترة قصيرة قبل أن ينزل الماء. كما ذكر ألدو مييلي أن الجزري صنع ساعة مائية لها ذراعان تشيران إلى الوقت.