أجندة السيسي الاجتماعية – الاقتصادية وحقوق الإنسان

لم تكن عملية إعادة انتخاب رئيس مصر، عبدالفتاح السيسي، مفاجأة. فعلى الرغم من وجود مخالفات في بعض مراكز الاقتراع، إلاّ أنّ الرئيس السيسي فاز بسهولة لأنه لا يزال الرئيس الأكثر شعبية، وربما لسبب وجيه. تشعر أغلبية واضحة من المصريين بأن السيسي، بخلاف أي من أسلافه، يكرس نفسه لتحسين الرفاه الإجتماعي والاقتصادي للشعب. وعلى الرغم من إحرازه تقدمًا ملموسًا على الصعيد الإقتصادي، إلا أن التأثير لم يكن كبيرًا بما يكفي نظرا ً لحجم الظروف الإقتصادية الصعبة التي تمر بها مصر. فلا تزال مصر مثقلة بعجز تجاري خطير وديون قومية متصاعدة وقاعدة صناعية ضعيفة.

لا يستطيع أي رئيس، بغض النظر عن فكره السياسي والتزامه أو تصميمه، التغلب على هذه التحديات الوطنية دون مساعدة مالية ضخمة وزيادة كبيرة في الإستثمارات الأجنبية وفي السياحة ومشاريع التنمية المستدامة على وجه الخصوص.

كان الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ينتقدان علانية حكومة السيسي بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان وعدم الشفافية المستندة إلى المبادئ الديمقراطية. وغالبًا ما كان الغرب يهدد بتعليق المساعدات المالية ما لم يعمل الرئيس السيسي على تصحيح سجل حكومته في مجال حقوق الإنسان. ومن الواضح أنه لا يوجد أي مبرر لارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان مهما كانت الظروف، ويتعين على الحكومة المصرية اتخاذ كل الإجراءات اللازمة للتصدي لمثل هذه الانتهاكات مع إظهار شفافية سياسية.

والسؤال هو كيف يمكن مساعدة مصر اقتصادياً بينما يتم في الوقت نفسه رسم مسار جديد لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان، وهو أمر شديد الحساسية لحكومة السيسي وله هو نفسه.

أخبرني مسؤولون مصريون كبار أن توبيخ الغرب العلني وانتقاده لحكم السيسي لا يتسبب إلا بحشر رئيسهم فقط في زاوية ويضعه في موقف دفاعي. وهم يفضلون أن يعالج قلق الغرب فيما يتعلّق بانتهاكات حقوق الإنسان وراء الكواليس حتّى لا يحرج ويضعف موقف السيسي في نظر الشعب.

المشكلة هي أن نطاق التفاوت الإقتصادي في مصر وعدم وجود تقاليد ديمقراطية والبيروقراطية الراسخة، هذه كلها تجعل من غير الممكن إقامة إصلاحات اجتماعية واقتصادية وسياسية، خاصة عندما يتزايد عدد السكان بشكل كبير وتكون الموارد المالية محدودة.

الإحصائيات التالية تسلط الضوء على المعركة الشاقة التي تواجهها مصر وتشير إلى الأولويات التي يجب على الحكومة اتباعها لمعالجة ضيقها الإقتصادي- الإجتماعي، وفي نفس الوقت تخفيف المشاكل المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان.

يتجاوز إجمالي الدين الخارجي الحالي في مصر 80 مليار دولار. فهي تتلقى في المتوسط 9 مليارات دولار سنوياً من المساعدات المالية من الدول الأجنبية (التي لا تحتاج إلى سدادها). أضف إلى ذلك، تجني مصر عائدات سنوية تزيد على 4 مليارات دولار من قناة السويس ومبلغ مماثل من السياحة. ووافق صندوق النقد الدولي مؤخراً على قرض بقيمة 12 مليار دولار يقسم على فترة ثلاث سنوات. ويبلغ إجمالي الناتج القومي السنوي في مصر حوالي 345 مليار دولار. وبلغ عجز التمويل في مصر في عام 2017 حوالي 36 مليار دولار وذلك باستيراد ما يقرب من 58 مليار دولار أميركي وتصدير ما قيمته 22 مليار دولار.

ومن إجمالي عدد سكان مصر البالغ قرابة 100 مليون نسمة، يتجاوز معدل الفقر 27 في المائة. وتبلغ نسبة البطالة حوالي 13 في المائة (للشباب دون سن الثلاثين 31 في المائة). وهناك 2.1 مليون طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية.

يضاف إلى الأمراض الإجتماعية والإقتصادية ارتفاع ظاهرة التطرف العنيف التي تتركز في شمال سيناء، والتي تستهلك عشرات الملايين من الدولارات وتشكل عبئًا على السلطات التي تكافح لمعالجتها.

ومع ذلك، فإن الديمقراطية على النمط الغربي لن تفعل سوى القليل لتخفيف حدة الظروف الإقتصادية الصعبة في مصر، ولن توفر الدواء الشافي لمنع انتهاكات حقوق الإنسان. فبعد الإطاحة بالرئيس مبارك، أجريت انتخابات نزيهة وحرة. فاز الإخوان المسلمون بالإنتخابات وأصبح زعيمها محمد مرسي رئيسًا، غير أنّ هذه الممارسة في الديمقراطية لم يكن لها تأثير كبير على الرفاهية الإقتصادية والإجتماعية للبلاد.

فالإنتخابات في حد ذاتها وإن كانت حرة ونزيهة لا توفر الغذاء أو التعليم أو الرعاية الصحية أو الإحتياجات الإجتماعية الأخرى. وعلاوة على ذلك، ففي بلد لا يوجد فيه تقليد لنظام سياسي يشجع على إنشاء أحزاب سياسية منافسة بدون قيود، بغض النظر عن أيديولوجيتهم السياسية، يستحيل إقامة حكومة ديمقراطية كاملة مماثلة للأنظمة السياسية الغربية.

أضف إلى ذلك، يتطلب شكل ديمقراطي راسخ للحكومة وجود مؤسسات ديمقراطية، بما في ذلك مراكز أبحاث توفر أبحاثًا شاملة حول السياسات الخارجية والداخلية، ومنظمات غير ربحية تركز على القضايا الإجتماعية وصحافة حرة ولكن مسؤولة وسلطة قضائية غير متحيزة، وقبل كل شيء مشاريع تنمية اقتصادية لتوفير فرص عمل وتعزيز الإستقرار الإجتماعي وتحسين الإمكانات والفرص للمستقبل.

وفي حين أنه لا يجب التسامح مع انتهاكات حقوق الإنسان، إلا أن معالجة هذه المشكلة في مصر لا يمكن تحقيقها من خلال النقد العام الغربي السافر لحكومة السيسي. وكما ذُكر آنفاً، فإن مثل هذا الإنتقاد، مهما كان مبررًا، يثير فقط الإستنكار ويضع المسؤولين الحكوميين في موقف الدفاع، بدلاً من اختيار معالجة المشكلة بفعالية أكبر بوسائل تتفق مع علم النفس الإجتماعي والثقافة المصرية.

فما يجب أن يفعله حلفاء مصر الغربيون هو فصل مساعداتهم الإقتصادية والعسكرية عن انتهاكات حقوق الإنسان. يجب عليهم أن يتعاملوا مع متطلبات مصر الإقتصادية كما لو لم تكن هناك انتهاكات لحقوق الإنسان، وأن يتعاملوا مع انتهاكات حقوق الإنسان من خلال "المشاركة البناءة" المثابرة. فخلافا ً للرئيس كارتر، الذي ربط التجارة مع الصين بحقوق الإنسان وتم رفضها، قام الرئيس كلينتون بفصل المفاوضات التجارية مع الصين من القلق والمخاوف الأميركية بشأن انتهاكات حقوق الإنسان ووافق على معالجتها بشكل مستقل من خلال المشاركة الهادئة والبناءة.

ما تحتاجه مصر هو قائد ملتزم حقا برفاهية الشعب المصري ويبرهن على مثل هذه الإلتزامات على أساس يومي. والسؤال هو ما إذا كانت الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي يعتقدان أن الرئيس عبدالفتاح السيسي هو في الواقع هذا القائد أو أنه يبعثر الملايين للحصول على المتعة الشخصية وحساب ضخم في المصرف.

أعتقد أنه ينبغي على الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي اتباع نهج كلينتون والتعامل مع مصر على مسارين منفصلين، هذا ما دام يتمّ التعامل مع تجاوزات حقوق الإنسان بشكل أكثر فاعلية. مصر بحاجة لإستثمارات بعشرات المليارات من الدولارات لمئات المشاريع المختلفة، أكانت للحكومة أو القطاع الخاص أو لكيانات أجنبية والتي من شأنها توفير مئات الآلاف من الوظائف الجديدة ذات الأجور الجيدة لإحداث فرق حقيقي في حياة الملايين. وهذا يشمل الإستثمار الضخم في البنية التحتية والصناعة وتوسيع الرعاية الصحية وسهولة الحصول على التعليم والصناعة السياحية ومنح قروض ذات فائدة منخفضة للشركات الصغيرة التي تشكل الدعامة الأساسية لزيادة الوظائف داخل المراكز الحضرية وخارجها. الهدف هو توسيع الإقتصاد بوتيرة تتناسب مع عدد السكان المتزايد حيث أنّ 70% منهم تحت سن الثلاثين.

ينصب أحد التوسعات الرئيسية على مشاريع التنمية الإقتصادية المستدامة القائمة على المشاركة، والتي تحتاج مصر لتمويلها إلى تخصيص 15% على الأقل من المساعدات المالية التي تتلقاها. تم تصميم هذه الأنواع من المشاريع لتلبية احتياجات المجتمعات الصغيرة لتوفير فرص العمل والتمكين الذاتي والشعور بالإنتماء، حيث لا يتم مكافأة الأعضاء مالياً فحسب، بل يساهمون في الرفاهية العامة لمجتمعهم.

كما ينبغي على جميع المانحين الأجانب الإصرار على أن تكون نسبة 10 إلى 15 في المائة من مساهماتهم مقدمة مباشرة إلى منظمات خاصة غير ربحية مكرسة لمشروعات التنمية الإقتصادية المستدامة. (للحصول على دراسة شاملة للدور الذي لا غنى عنه لتسريع نمو الإقتصاد بشكل كبير هو التنمية المستدامة، وراجع بهذا الخصوص تقرير عام 2015 للدكتور يوسف بن مئير).

هذه هي الطريقة التي يمكن بها التخفيف من حدة الفقر مع مرور الوقت وجعل التعليم أكثر سهولة، هذا إلى جانب الرعاية الصحية. وأهمّ من أي شيء آخر هو احترام الذات، وهو أمر متأصل في التاريخ والعقيدة والثقافة المصرية.

منذ إقامة السلام المصري الإسرائيلي في عام 1979، أثبتت مصر باستمرار التزامها بتحالفها مع الغرب، والتزمت تمامًا بمعاهدة السلام مع إسرائيل وأصبحت شريكًا موثوقًا به مع الولايات المتحدة في التعامل مع التطرف العنيف.

أعتقد أن الرئيس السيسي يبذل كل جهد ممكن لتنفيذ الإصلاح. وكل دولة ساهمت بمساعدات مالية لمصر، بما في ذلك الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي ودول الخليج، يجب أن تزيد مساعداتها بشكل كبير. لن يكون هذا فقط من أجل مصر، ولكن من أجل الإستقرار الإقليمي حيث تلعب مصر دورًا مهمًا للغاية، بينما تخدم مصالح الغرب الإستراتيجية في المنطقة.

هناك قول مصري شائع هو الصبر طيّب. أجل، الشعب المصري صبور جدا ويتحمل المصاعب، ولكن الآن في أعقاب الثورات المتتالية يريد الشعب رؤية نتائج. أعتقد أن السيسي سيكون قادراً على الإنجاز إذا توفرت له الوسائل لأنه لا يزال الزعيم الأكثر شعبية وثقة في مصر ولديه مصالح راسخة في القضاء على انتهاكات حقوق الإنسان.