آلاف التونسيين يوقعون عريضة لإقالة الغنوشي من رئاسة البرلمان

رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي تعتبر اجتماع الغنوشي مع أردوغان دون حضور الإعلام يتنافى مع الأعراف الدبلوماسية والنظام الداخلي للبرلمان ويرتقي إلى درجة التخابر مع دولة أجنبية.

تونس - أطلق نشطاء وحقوقيون تونسيون على مواقع التواصل الاجتماعي حملة شعبية للمطالبة بإعفاء رئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي من رئاسة البرلمان التونسي، على إثر زيارة غامضة أداها إلى تركيا غداة سقوط الحكومة التي قدمها حزبه الفائز في الانتخابات التشريعية منذ أكتوبر الماضي.

ووقع الآلاف من التونسيين على لائحة التي حملت عنوان "لا لراشد الغنوشي على رأس البرلمان" بعد أن دعا عدد من الحقوقيين والمثقفين على فيسبوك وتويتر للتنديد باجتماع مغلق عقد السبت بين الغنوشي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إسطنبول.

وجاء في نص الحملة الإلكترونية التي شهدت مشاركة أكثر من 16 ألف توقيع بعد بضع ساعات من إطلاقها، "نحن التونسيون رجالا ونساء نطلب من كل نائب نزيه و من كل رجل وامرأة حر أن يوقع على مطلبنا الراهن پإعفاء راشد الغنوشي من مهام رئاسة البرلمان، الوطن آمانة. عاشت تونس".

وتلقت حركة النهضة الإسلامية الجمعة "ضربة قاسية" برفض البرلمان بشكل واضح حكومة الجملي التي اقترحتها، لتعود المبادرة إلى رئيس البلاد قيس سعيّد الذي عليه حاليا اختيار شخصية جديدة لتشكيل الحكومة.

والسبت، قالت وكالة الأناضول الرسمية إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، استقبل رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي في المكتب الرئاسي بقصر دولمه بهتشه، حيث عقدا "اجتماعا مغلقا".

واستفزت الزيارة المريبة التونسيين نظرا لتوقيتها وأسبابها لاسيما وإنها تزامنت مع تسارع الأحداث في الجارة ليبيا وعزلة النهضة بعد فشلها في تمرير حكومة وصفت بـ"الكارثية وفاقدة للكفاءات".

وتفاجأ نشطاء وسياسيون تونسيون بزيارة الغنوشي الذي عرفته وكالة الأنباء التركية بصفته رئيسا للبرلمان وليس رئيسا للنهضة، وطالب تونسيون على مواقع التواصل الاجتماعي نواب البرلمان بمسائلته قبل سحب الثقة منه، متهمين إياه بالارتهان إلى سياسات خارجية وإقليمية والاستنجاد بتركيا للتخفيف من حدة الهزيمة التي مني بها بعد إسقاط الحكومة التي قدمتها النهضة.

وتزامنت حملة التوقيع التي لاقت ترحيبا من الرأي العام التونسي مع تحركات فعلية بدئها الحزب الدستوري الحر منذ السبت لحشد الأصوات اللازمة في البرلمان لتمرير مطلب سحب الثقة من الغنوشي.

قدمت رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي خلال مؤتمر صحفي عقدته الاثنين داخل البرلمان، العريضة التي أطلقها حزبها لسحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي على خلفية زيارته إلى تركيا مباشرة بعد فشل التصويت على حكومة الحبيب الجملي.

واعتبرت موسي أن "اجتماع الغنوشي مع رئيس دولة أجنبية دون حضور الإعلام يتنافى مع الأعراف الدبلوماسية والنظام الداخلي للبرلمان ويرتقي إلى درجة التخابر مع دولة أجنبية".

وأبدت موسي استغرابها من عدم "إعلام إدارة البرلمان أو مكتبه بزيارة رئيسه إلى تركيا، ولا باللقاء الذي جمعه بأردوغان"، معتبرة أن صفة الغنوشي الحزبية لا تنفي عنه صفته البرلمانية وأن كل تحركاته تُلزمه كرئيس للبرلمان التونسي".

وأشارت رئيسة الحزب الدستوري الحر إلى تزامن الزيارة مع زيارة أخرى قام بها رئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج لتركيا ما يجعل تونس تصطف ضمن محور معين، معتبرة أن هذه الخطوة تسئ للدبلوماسية التونسية ولتونس.

وقالت موسي أنها وضعت نواب كتلتها كنواة أولى لعريضة سحب الثقة من رئيس مجلس النواب، مشيرة إلى أن من قام بإسقاط حكومة الجملي قادر على سحب الثقة من الغنوشي خاصة أن عدد النواب اللازم لذلك أقل ولا يتجاوز 73 نائبا.

والسبت، دعا الحزب الدستوري الحر المعارض في بيان مختلف النواب والكتل البرلمانية الذين ساهموا في إسقاط حكومة الحبيب الجملي إلى إمضاء عريضة لسحب الثقة من رئيس البرلمان، وتصحيح ما اعتبره "خطأً فادحاً تم ارتكابه في حق هذه المؤسسة الدستورية".

وقال الحزب الذي يعارض مشروع الإسلام السياسي الذي تطبقه النهضة وتفرضه منذ سنوات في تونس، إن نوابه الـ17 في البرلمان وقعوا على العريضة لبداية الشروع في جمع 73 صوتا المطلوبة لتمريها.

ويحتاج سحب الثقة من رئيس البرلمان للأغلبية المطلقة أي بواقع 109 أصوات من بين 217، بناء على مطلب كتابي يقدم إلى المجلس من ثُلث الأعضاء على الأقل، يعرض لاحقا على الجلسة العامة للتصويت عليه خلال ثلاثة أسابيع من تقديمه".

وقال النائب اليساري المنجي الرحوي إن الغونشي "سيسعى إلى تصريف أزمتة الداخلية وهزيمته السياسية اثر السقوط المدوي لحكومته بكل الوسائل، مشيرا إلى أن "الوضع دقيق في تونس والموقف جد حساس في ليبيا والتطورات الحاصلة تؤشر بتعقيدات تتطلب كثيرا من الحذر والانتباه".

ودعا الرحوي رئيس الجمهورية قيس سعيّد إلى مسائلة الغنوشي إذا لم يكن على علم بزيارته إلى تركيا بصفته رئيسا للنهضة، أو مسائلة مجلس نواب الشعب له أذا كانت الزيارة بصفته رئيسا له.

وأوضح الرحوي أن "هناك خلط واضح بين الصفتين وهذا أمر تكرر ويمثل خطرا على المؤسسات والديمقراطية"، مذكرا بان "الموقف التونسي الرسمي أعلن من خلال رئاسة الجمهورية بأن لا تموقع لتونس في سياسات المحاور".
وأشار النائب إلى أن "تركيا وقطر أحد المحاور في رحى حرب تفرض وتدق طبولها في الشقيقة ليبيا"، وأن "إعلان النهضة من خلال رئيس كتلتها بدعم حكومة الوفاق هو تخندق وانحياز ذو بعدين هو انحياز سياسي لطرف تدعمه المنظمة العالمية للإخوان المسلمين وبسند ميداني للجماعات الإرهابية وهو كذلك خطر على الموقف الرسمي التونسي لجرها للمحور التركي القطري في علاقة النهضة بحركة الإخوان المسلمين عامة و رجب طيب اردوغان بصفة خاصة".

وبعد الانتقادات التي طالت رئيسها أصدرت النهضة بيانا قالت فيه إن الزيارة كانت "مناسبة هنأ فيها الغنوشي أردوغان على السيارة التركية الجديدة".

وأثار البيان سخرية التونسيين الذين دعوا إلى إعفاء الغنوشي من مهام رئاسة البرلمان ووضع حد لتلاعب النهضة وتهديد مصالح الدولة بإدخال تونس في الملف الليبي والاصطفاف في سياسة المحاور لحماية الحزب الإسلامي وإلهاء الرأي العام عن هزيمته وفشله في وضع حكومة ينتظرها التونسيون منذ أكثر من شهرين.

وكتبت الحقوقية التونسية نزيهة رجيبة ساخرة "يا كرهبة (سيارة) أردوغان رني رني... صباح الاستهزاء ممن يريد الضحك على ذقوننا".

وكتب ناشط على فيسبوك "الغنوشي لازم يستقيل من رئاسة حركة النهضة باش تبدأ الأمور واضحة ونفهموا تحركاته بصفة واضحة للجميع، موش نهار بصفة رئيس النهضة، و نهار بصفة رئيس برلمان، و نهار بصفة شخصية!!!".

ولاحتواء الموقف سارع قياديون في النهضة إلى نفي زيارة الغنوشي لتركيا بصفته رئيسا للبرلمان.

وقال النائب سمير ديلو الاثنين في تصريح لإذاعة محلية إن "مسألة رئاسة راشد الغنوشي للبرلمان ومواصلته رئاسة الحركة سيتم الحسم فيها داخليا"، مشيرا إلى أن "إشكال الزيارة يكمن في التوقيت فقط".

وتواجه النهضة التي لم يمنحها فوزها في الانتخابات التشريعية الأخيرة أغلبية مطلقة، رفضا شعبيا لسياساتها وتموقعها إقليميا مع أطراف خارجية لمد مشروعها الإديولوجي فضلا عن فشلها في تقديم الحلول التي وعدت بها في برامجها الانتخابية خلال مشاركتها في جميع الحكومات المتعاقبة التي تلت ثورة يناير 2011.

ولم تتوقف تركيا برئاسة أردوغان منذ العام 2011، عن توظيف دعمها لجماعات الإسلام السياسي لتوسيع مجال نفوذها في منطقة شمال أفريقيا، من ذلك تونس وبشكل أكبر ليبيا التي استعان أردوغان مؤخرا بحكومة الوفاق التي يسيطر عليها الإخوان ويقتصر نفوذها على العاصمة طرابلس، للتدخل فيها عسكريا.

يذكر أن رئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج التقى بأردوغان بعد ساعات فقط من لقاء الغنوشي به وفي نفس القصر وفي اجتماع مغلق أيضا.