أبعد من إستضافة المغرب لكأس افريقيا

بات العالم يثق بالمغرب وتجربته واحترام كلّ كلمة تصدر عنه.

توجد احداث تبدو ظاهرا غير مهمّة في حال تجريدها من سياق معيّن تندرج فيه. من بين هذه الأحداث إعلان الإتحاد الإفريقي لكرة القدم من القاهرة وقوع الإختيار على المغرب لإستضافة كأس أمم إفريقيا لكرة القدم في السنة 2025.

فاز المغرب بشرف استضافة كأس أمم إفريقيا بعد انسحاب الجزائر، عشية التصويت، وزامبيا إضافة إلى عرض مشترك من بنين ونيجيريا. صوتت اللجنة التنفيذية للاتحاد الإفريقي التي إجتمعت في القاهرة لمصلحة المغرب الأربعاء الماضي.

لماذا لا يمكن إعتبار الحدث غير عادي ولا يجوز المرور عليه مرور الكرام؟ يعود ذلك إلى أنّ المغرب بات موضع ثقة في شأن كلّ ما له علاقة بتنظيم حدث إفريقي كبير من هذا النوع. سيمهد ذلك من دون أدنى شكّ في دعم موقف المغرب من تنظيم كأس العالم لكرة القدم مع اسبانيا والبرتغال في السنة 2030.

أبعد من استضافة المغرب لكأس أمم إفريقيا. ثمة واقع لم يعد في الإمكان تجاهله. يتمثل هذا الواقع في وجود علاقة وثيقة للرباط بمعظم الدول الإفريقية. تحقّق ذلك، بفضل السياسة التي اتبعها الملك محمّد السادس، إختراقات في كلّ إفريقيا تقريبا. شمل ذلك دولا بعيدة مثل جزيرة مدغشقر التي حرص العاهل المغربي على زيارتها في إحدى جولاته الإفريقيّة. باتت هناك مصالح مشتركة تربط بين المغرب وإفريقيا منذ عودته إلى الإتحاد الإفريقي في تموز – يوليو 2016 إثر توجيه محمّد السادس رسالة في هذا الصدد إلى الإتحاد في قمة كيغالي.

لا تقتصر المصالح المشترة المغربيّة - الإفريقيّة على مشروع نقل الغاز النيجيري إلى أوروبا عن طريق المغرب. يتعلّق الأمر بأنبوب عملاق يعبر 11 دولة في غرب إفريقيا، لنقل كميات ضخمة من الغاز من نيجيريا إلى المغرب. إنه مشروع لا سابق له في القارة السمراء، يتوقع أن يرى النور بتعاون بين الرباط وأبوجا. سيتم تشييد الأنبوب العملاق على مراحل عدة. الهدف منه الإستجابة للحاجات المتزايدة للدول التي سيعبر منها وصولاً إلى أوروبا خلال السنوات الـ25 المقبلة.

صار هناك وجود مغربي في إفريقيا في مجال المصارف والإتصالات وتقديم الخدمات الطبيّة، فضلا عن بناء مصانع للأسمدة الكيماوية تتزود بالفوسفات الآتي من المغرب. بلغت العلاقة بين المغرب ودول إفريقية معيّنة مجال تخريج أئمة مساجد من جامعات في المغرب، خصوصا في الرباط. يتولى هؤلاء نشر الإسلام بطريقة صحيحة بعيدا عن التطرّف. لا يقتصر الأمر على تخريج أئمة مساجد. استضافت الجامعات المغربيّة، خصوصا في المجال الطبي وإدارة الأعمال آلاف الطلاب الأفارقة، كذلك استضافت الكليات العسكريّة المغربيّة مئات التلامذة الضباط الأفارقة.

من هذا المنطلق، جاء فوز المغرب بتنظيم كأس أمم أفريقيا أكثر من طبيعي. يعتبر الحدث تتمّة منطقيّة للعلاقة التي تنمو يوميا بشكل إيجابي بين المغرب وإفريقيا التي تمرّ معظم دولها بمرحلة إنتقالية تسودها التجاذبات الدولية في ضوء ما تمتلكه القارة السمراء من ثروات. باتت هذه الثروات محط انظار القوى الكبرى.

لا يتعلّق الأمر بالرياضة فحسب، بل يتعلّق بالسياسة أيضا. لم يعد المغرب بفضل ما تحقّق على صعيد البنية التحتيّة مجرد بلد في شمال إفريقيا. صار المغرب، إضافة إلى انتمائه الإفريقي والعربي بوابة لأوروبا إلى القارة السمراء. لم يعد السائح الأوروبي أو الأميركي الذي ينتقل من اسبانيا إلى المغرب، خصوصا عن طريق البحر، يرى فارقا بين البلدين. لا من ناحية الطرقات ولا من ناحية التسهيلات والإجراءات عند المراكز الحدوديّة.

لا يمكن عزل القرار الذي اتخذه الإتحاد الإفريقي لكرة القدم عن تعافي المغرب من كارثة الزلزال التي مرّ فيها أخيرا. يؤكد هذا التعافي إنتقال المغرب إلى مرحلة إعادة إعمار المناطق المتضرّرة. فقد خصّص الملك محمد السادس 120 مليار درهم (12 مليار دولار) في اطار خطة تستمر خمس سنوات تهدف إلى تجاوز آثار الزلزال. تشمل الخطة أبعادا اجتماعية واقتصادية مختلفة مثل إيواء المتضررين وإعادة بناء المساكن وتهيئة البنى التحتية. تتضمن الخطة أيضا اعداد هذه البنى لمواجهة أي زلزال مستقبلا.

لدى المغرب القدرة على تحديد من يريد بالفعل مساعدة الشعب المغربي ومن يريد استغلال الزلزال لمآرب خاصة كما حال السلطات الفرنسية، بكل عجرفتها أو النظام الجزائري بكلّ انتهازيته. أراد النظام الجزائري، عمليا، تبرئة ذمته امام الشعب الجزائري الذي هو في مواجهة معه، قبل الشعب المغربي.

يمكن إعتبار استضافة المغرب لكأس أمم إفريقيا حدثا عاديا، كما يمكن وضعه في إطار مختلف. يتمثّل هذا الإطار المختلف، إضافة إلى البعد الإفريقي ذي الطابع السياسي للحدث، في تجاوز المغرب كارثة الزلزال من جهة وقدرته على متابعة مسيرته التنموية من جهة أخرى.

لا يدل على ذلك أكثر من تمسك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على عقد مؤتمرهما السنوي، كما هو مقرر أصلا، في مراكش ابتداء من التاسع من تشرين الأول – أكتوبر، أي بعد أيام قليلة من الآن. بذلت اطراف عدّة معادية للمغرب، متذرّعة بالزلزال، محاولات لنقل المؤتمر إلى مكان آخر ولكن من دون نتيجة.

تبقى القضيّة قضيّة ثقة. بات العالم يثق بالمغرب وتجربته واحترام كلّ كلمة تصدر عنه. لو لم يكن الأمر كذلك لما كانت توطدت علاقة المغرب بالدول الإفريقية، التي باتت في معظمها تقف مع وحدته الترابيّة ومع مغربيّة الصحراء. يتعلّق الأمر ايضا بالدول العربيّة التي تقف بأكثريتها إلى جانب دفاع المغرب عن وحدته الترابية، كذلك بالولايات المتحدة وعدد لا بأس به من الدول الأوربية التي تقترب اكثر فأكثر من المغرب. في النهاية، لا شيء ينجح مثل النجاح ولا شيء يؤكّد النجاح أكثر من الواقع القائم على الأرض في مراكش وكلّ مدينة مغربيّة.