أبوشايب وعبدالعزيز يتأملان 'ليل غزة' في أمسية شعرية

بيت الشعر بالمفرق يستضيف أمسية مختلفة ومتنوعة حضرها كوكبة من المثقفين والمبدعين.

في أمسية مختلفة ومتنوعة أضاءت فضاءات بيت الشعر بالمفرق الذي استضاف كل من الشاعرين المتميزين زهير أبوشايب ويوسف عبدالعزيز، بحضور المثقف فيصل السرحان مدير البيت، وأدار مفردات الأمسية الشاعر خالد الشرمان الذي وجه بطاقة محبة وتقدير لراعي مسيرة الشعر والفكر والآداب والفنون الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وحضر الأمسية كوكبة من المثقفين والمبدعين ورواد البيت الذي إدارته أصبح محجا للشعراء الأردنيين والعرب من خلال نشاطاته ومهرجاناته ومؤتمراته التي تعنى بالشعر ونقده..

واستهل القراءة الأولى الشاعر زهير أبوشايب صاحب ديوان: "سيرة العشب" وصاحب الإنجازات الشعرية التي أغنت المكتبة العربية وهو الفنان التشكيلي وأهم مصمم أغلفة منذ أكثر من ثلاثين عاما، خلال قراءته الشعرية التي استطاع أن يرسم لنا مشهديات للشهداء بلغة منفتحة على كل التفاصيل ضمن سرد شعرية معنى ومبنى، شاعر يموسق أرواحنا بصوفية العارف الذي يعمل فلسفة القول الشعري، ويسافر بنا ليل غزة وما آلت الحياة هناك ونحن أمام مشهد دم لم يزل ساخنا في مهرجان القتل.. شاعر يصدمنا في رؤاه المؤلمة ولغته النازفة.

من قصيدة له بعنوان: "ليلُ غزّة" نقتطف منها:

"على حالِهِ

جالسٌ يتفرّجُ منذُ الصَباحِ على الليلِ

لم يَستطعْ أن ينامَ،

ولم يَستطعْ أن يموتَ قليلًا كأطفالِ غزّةَ،

ما مِن شهيدٍ

سيأتي ليأخذَهُ معَه في الطريقِ إلى الأبديّةِ

فالشُهَداءُ يَجيئون في كلِّ معركةٍ

ليَزوروا الحياةَ وأبناءَها،

ويقولوا لَهم:

لم نمُتْ قَطُّ. نحنُ هنا في الحياةِ

ولو أغمضَ الناسُ أعيُنَهم

لرأونا!

على حالِهِ

ليسَ يفعلُ شيئًا سوى أنّه طيلةَ الليلِ

يَنظرُ نحوَ السماءِ القليلةِ

لكنّه لا يَرى..

ليسَ يفعلُ شيئًا سوى أنّه

كلّما ناحَت الطائراتُ تَصدّعَ كالبيتِ

وانهارَ

والتصقَتْ روحُه بالثَرى..

ليسَ يَفعلُ شيئًا سوى الصمتِ

خشيةَ أن يوقظَ الشُهَداءَ ويُزعجَ أرواحَهم

ليسَ يَفعلُ شيئًا

سوى أنّه ليس يفعلُ شيئًا.

وإذ يَعبُرُ الشُهداءُ خِفافًا مُضائينَ في ليلِ غزّة.

تَعودُ السماءُ إلى الأرضِ ثانيةً،

وتَعودُ الحياةُ إلى بيتِها

مثلَ أرملةٍ زوجُها ماتَ من عشَراتِ السنينَ،

وظلَّ يموتُ من الصمتِ في كلِّ يومٍ،

ويَلعنُ عجزَه".

يوسف عبد العزيز
استحضار لروح الشهيد عيسى شماسنة

أما الشاعر يوسف عبدالعزيز صاحب ديوان "ذئب الأربعين" شاعر يمتلك حسّا شعريا فنتازيا ويغرق اللغة السريالية الموحشة التي تعبر عن مكنونات النفس البشرية ضمن قوالب شعرية تميزه عن غيره من الشعراء، شاعر قنّاص للصورة الشعرية وتراكيبها المدهشة بمعنى أنه يعمل على فتوحات لغوية تتماشى مع تطور القصيدة العربية، ونجد روح الشاعر تتجلى حين يذهب بالمتلقي إلى مساحات معنى الشهادة وحب التراب فيجعلك مشنف الآذن حين تسمعه.

من قصيدته "ليكن موتُهُ أغنية" التي أهداها إلى روح شهيد الثورة الفلسطينية: عيسى شماسنة، والتي يقول فيها:

"للحصان المخضَّب

بالمطر

والحياة

للذي فجّر القلب حتى مداه

للذي شقَّ روحي كسهمٍ

وأبقى على كتفيّ

دوالي صباه

سوف أكتب

كي أرى وطني

حجراً حجراً

كي أراه

على سروةِ هرمة

في أقاصي السماء تجلّى الإله

على عشبٍ غافلٍ

تحت إبط الصخورِ

نصبنا الفخاخَ،

ولكنه القلب يسقطُ

في سلَّة المرأة القرويةِ

كالهدهدِ

وينامُ

ينام الصنوبر فوق ذراع الهواءِ

ينام (أبوعابدة)

أمير الصبابةِ في ظل سنسلةٍ

حالماً بجميع النساءِ

ينام (صميرُ) على درج المسجدِ

تنام العفاريت في بيت (نجمة)

وفي بيتنا يستاقط ريش السراجِ

ويغفو دمُ الموقدِ

تنام كبوش (فليفل) ذاتُ القرونِ

التي تنطح الصخر عند المساءِ

وتحمله كالقميص الخفيفْ،

تنام الصغيرةُ (مريم بنت فليفل)،

تلك التي بعد عشرين عاماً

ستحرق سيارة الحاكم العسكريِّ

وحين ستعوي مجنزرة قربَها

ستفرّ إلى بيتها كالحمامةِ

تاركةَ دَمَها يتفجَّرُ في الأرضِ

كالديناميتْ

ينام القمرْ

مثلَ قطٍّ أليفٍ على حجرٍ

ويغطّي السحابُ البيوتْ

ينامُ الجميعُ

ولكنَّ ظبياً نحيلاً

نسميه (عيسى) سيسهرُ

من أول الليل حتى الصباحِ

ويلعبْ

بجمجمةٍ هشّةٍ

وبشعرٍ مذهّبْ".

وقامت فضائية الشارقة بتغطية الإعلامية المتلفزة وإجراء اللقاءات ضيوف الأمسية.