أبوظبي تحتفي بمئوية كنينجهام

ميرس كنينجهام أكثر مصممي الرقصات تأثيرا في القرن العشرين.
مصمم الرقصات لعب دوراً كبيراً في تغيير مشهد الرقص والموسيقى والفن المعاصر.
المؤلف الموسيقي البريطاني جافن بريارز تمتزج أعماله الموسيقى الكلاسيكية بالجاز والتأثيرات المعاصرة بطريقة متميزة تحافظ على انعكاساتها العاطفية الخاصة

يعتبر ميرس كنينجهام واحداً من مصممي الرقصات الأكثر تأثيراً في القرن العشرين، وكان من الفنانين ذوي الجوانب والكفاءات المتعددة. كان صانع رقصات، ومتعاوناً لا يشق له غبار، وشخصية قادرة على اغتنام الفرص، ومبتكراً لا حدود لإبداعه، ومنتجاً للأفلام، ومعلماً. وخلال مسيرة تدريبه الإبداعي على مدى 70 عاماً، لعبت رؤى كنينجهام دوراً مستمراً في تغيير مشهد الرقص والموسيقى والفن المعاصر.
احتفاء بالذكرى المئوية لميلاد ميرس كنينجهام يقدم مركز الفنون في جامعة نيويورك أبوظبي الذي اعتاد الاحتفاء بالفنانين الذين يبدعون أعمالاً فنية تربط الأنماط الفنية بالتقاليد، عرضين استثنائيين هما: "بايبد" و"هاو تو باس، كيك، فول آند رن"، وذلك للمرة الأولى في الشرق الأوسط. 
يجسد هذا العرض الاستثنائي الذي يحتفي بالذكرى المئوية لكنينجهام دليلاً ملموساً على ذلك. حيث لمع نجم كنينجهام كفنان رائد متعدد المواهب في حقبة ما بعد الحداثة، ولعب دوراً كبيراً في تغيير مشهد الرقص والموسيقى والفن المعاصر خلال مسيرته الإبداعية في ممارسة الرقص لأكثر من 70 عاماً، حيث كان مصمم رقصات مخضرم وشخصية قادرة على اغتنام الفرص ومبتكرا لا حدود لإبداعه، بالإضافة إلى كونه منتج أفلام ومعلم.
ويستعد فنانو المركز الوطني للرقص المعاصر بمدينة أنجيه الفرنسية لتقديم العرضين بنهاية أكتوبر/تشرين الأول الجاري في مركز الفنون تحت إدارة روبرت سوينستون الذي عمل مع شركة "ميرس كنينجهام" للرقص لأكثر من 30 عاماً، حيث كان من المساهمين الرئيسيين الذين حافظوا على إرث مصمم الرقصات الشهير بعد وفاته، وذلك قبل انضمامه إلى "صندوق ميرس كنينجهام" عام 2009.
تعاون كنينجهام خلال العرض المسرحي الراقص "بايبد" عام 1999 مع فناني التقنيات الرقمية بول كايسر وشيلي إشكار، إلى جانب اثنين من الراقصين، ونجح في تحويل 70 عبارة إلى صور رقمية، ليقدم فنانو العرض الحي أداءهم بين هذه الصور المتحركة والأشكال التجريدية.

في العرض "بايبد" تلتقي العناصر المتحركة وغير الحية في تقاطع مذهل بين تصميم ساحر للرقصات وتكنولوجيا التقاط الحركة. وتعتبر تصاميم الديكور في المسرحية التي تعود لعام 1999، استكشافاً لإمكانيات تقنية الرسوم المتحركة وتكنولوجيا التقاط الحركة. وقد تعاون بول كايسر وشيلي إشكار، وهما من فناني التقنيات الرقمية، مع كانينجهام الذي عمل مع اثنين من الراقصين لتصميم رقصات 70 عبارة تم نقلها إلى صور رقمية. وتراقص فنانو الأداء الحي بين عروض هذه الصور المتحركة والنماذج المجردة "خطوط ونقاط ومجموعات رأسية وأفقية".
وقد تم تسجيل الموسيقى التي أبدعها جافن بريارز، والتي تحمل اسم "بايبد" أيضاً، بشكل جزئي وتم تشغيل أجزاء منها بصورة حية على آلات صوتية عبر بريارز ورفاقه. وتستخدم أزياء سوزان جالو نسيجاً معدنياً يعكس الضوء، فيما أبدع آرون كوب الإضاءة، وقسّم خشبة المسح إلى مربعات مضاءة بشكل أشبه بتسلسل عشوائي، فضلاً عن المقصورات ذات الستائر في الجزء الخلفي من المسرح، والتي تتيح للراقصين بالظهور والاختفاء.
تحمل التحفة الفنية "هاو تو باس، كيك، فول آند رن" التي عرضت في عام 1965 عنواناً رياضياً، حيث يحافظ تصميم الرقصات فيها على الحركة المستمرة للفنانين، ويحول دون بقائهم في مكان واحد لفترة طويلة، بينما تقع عدة أحداث في وقت واحد على خشبة المسرح، وفي كل الأوقات، وكل ذلك على وقع أنغام جون كيج، أحد المساعدين الأوفياء لكنينجهام، بما في ذلك أجزاء من "سايلنس" و"اي يير فروم مونداي".
وفي إطار تعليقه على العرضين المرتقبين، قال بيل براغين، المدير الفني التنفيذي لمركز الفنون في جامعة نيويورك أبوظبي: "يآتي عرض أعمال أبرز الفنانين الروّاد ممن أحدثوا فارقاً في المشهد الفني في مقدمة أهدافنا منذ انطلاق فعاليات مركز الفنون. لم يكن إعلان مركز الفنون عن عرض ميرس كنينجهام باعتباره أحد أهم منابر الفن الملهمة أمراً غريباً بعد استضافة أعمال مميزة مثل إبداعات فرقتي تريشا براون ولوسيندا تشايلدز في المواسم الماضية للمركز، خاصةً مع الاحتفال بالذكرى المئوية لميلاد ميرس كنينجهام". 

arts
قدرات موسّعة 

وأضاف "كان كنينجهام سابقاً لعصره فيما يتعلق بدمج التكنولوجيا كأداة إبداعية في تصميم عروضه الراقصة، ولعل تحفة ’بايبد‘ في عام 1999 تجسد استكشافاً مذهلاً للرقص في بيئة بصرية فريدة على نغمات حية يؤديها عملاق الموسيقى البريطانية جافن بريارز. ويعد تعاون كنينجهام مع جون كيج من أهم العلاقات الفنية في القرن العشرين، حيث برزت استكشافاتهما المتبادلة من خلال طرح عنصر الصدفة في صناعة الفن، وتجسد ذلك في كتابات كيج عبر ’عدم التعيين‘ التي تشكل جزءاً من موسيقى مسرحية ’هاو تو باس، كيك، فول آند رن‘. ونتطلع إلى مشاركة روبرت سوينستون، مدير المركز الوطني للرقص المعاصر بمدينة أنجيه الفرنسية وأهم المساعدين الفنيين لكنينجهام، شخصياً في صفوف تعليم تقنيات كنينجهام في إطار برنامج "خارج خشبة المسرح"، إذ يعتبر تعلم هذه التقنيات من قامة فنية مثل روبرت فرصة لا تقدر بثمن".
تشير السيرة الذاتية لميرس كنينجهام إلى أنه نجح في سن مبكرة، من إبهار الجماهير بقدراته الجسدية والتعبيرية، وحضوره الطاغي على المسرح. حيث امتلك قدراً هائلاً من الطاقة في الأداء، والشغف الذي تطور إلى مسيرة مهنية استثنائية وغنية من الإنتاج كمصمم للرقصات. 
أطلق كنينجهام شركته الخاصة بالرقص "شركة ميرس كنينجهام للرقص" في عام 1953، وأبدع المئات من أعمال الرقص الفني الفريدة من نوعها، والتي امتازت بالدقة والتعقيد، ومزجت بين اللياقة البدنية رفيعة المستوى، والصلابة الفكرية. وتحدى الأفكار التقليدية للرقص مثل أدوار الراقصين والجمهور، وقيود المسرح، والعلاقات التي تربط الحركة بالجمال. وقد امتلك كنينجهام قدرات موسّعة في مجالات الرقص والموسيقى والفنون البصرية مما ساعده في الارتقاء بمستوى الحدود الثقافية للأجيال اللاحقة.
أما المؤلف الموسيقي البريطاني جافن بريارز فتمتزج أعماله الموسيقى الكلاسيكية بالجاز والتأثيرات المعاصرة بطريقة متميزة تحافظ على انعكاساتها العاطفية الخاصة. وبالرغم من أن أسلوبه قد تغير نوعاً ما منذ أول قطعة موسيقية رئيسية أصدرها بعنوان “غرق التايتانيك” التي تعود إلى أواخر ستينيات القرن العشرين، إلا أنه حافظ على دوره كمؤلف موسيقي استثنائي قادر على العمل في إطارات متنوعة.
مدير العرضين روبرت سوينستون تم تعيينه أميناً لصندوق ميرس كنينجهام في عام 2009، وانضم إلى موظفي الصندوق مديراً لتصميم الرقصات في عام 2012، بعد واحد وثلاثين عاماً قضاها مع شركة ميرس كنينجهام للرقص. وكان سوينستون قد انضم إلى الشركة في أغسطس/آب 1980، وأصبح مساعداً لمصمم الرقصات في يوليو/تموز 1992. وبعد وفاة كنينجهام في يوليو/تموز 2009، استلم سوينستون منصب مدير تصميم الرقصات وأشرف على شركة ميرس كنينجهام للرقص. 

ومنذ عام 1998، أشرف سوينستون على العديد من أنشطة إعادة بناء أرشيف كنينجهام، وأدار أعمال كنينجهام في شركات أخرى. وفي عام 2003، تلقى جائزة "بيسي" عن أدائه في إعادة إحياء "هاو تو باس، كيك، فول آند رن" التي أبدعها كنينجهام. 
ولد سوينستون في بيتسبيرج بولاية بنسلفانيا، ونال شهادة بكالوريوس الفنون الجميلة في مجال الرقص. وفي يناير/كانون الثاني 2013، أصبح سوينستون المدير الفني للمركز الوطني للرقص المعاصر في أنجرز الفرنسية، حيث تابع مشاركة إرث كنينجهام.