أجنحة السلطة في تونس غارقة في صراع التمهيد للرئاسية

مراقبون يرون أن الصراع الدائر بين أجنحة السلطة اليوم يتمثل أساسا في السيطرة على مفاصل الدولة وإدارة الشأن العام.
النهضة وجدت في يافطة "الاستقرار السياسي" مسربا للتمسك بالشاهد
أجنحة السلطة باتت شبيهة بحالة حرب الكل ضد الكلّ

تونس ـ يرجع سياسيون ومراقبون عمق الأزمة السياسية في تونس إلى صراع يمهد للانتخابات الرئاسية المقرر أجراؤها في 2019 لافتين إلى أن أجنحة السلطة باتت تراهن على السيطرة على مفاصل الدولة لتعزيز نفوذها في مراكز القرار.

ويشدد السياسيون والمراقبون على أن الصراع اشتد مؤخرا مستدلين على ذلك بالحرب القائمة بين رئيس الحكومة يوسف الشاهد وحافظ قائد السبسي المدير التنفيذي لنداء تونس من جهة وسياسة المساومة والابتزاز التي تنتهجها النهضة من خلال تمسكها بالشاهد رئيسا للحكومة.

وقال حسان القصار أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة التونسية والمحلل السياسي إن "من محركات الأزمة السياسية هو التمهيد للانتخابات الرئاسية القادمة وهو أمر وارد جدا ويمكن اعتباره نقطة مهمة" غير أنه شدد بالمقابل على أنه "ليس المحرك الوحيد".

وأضاف القصار وهو يتحدث إلى مراسل ميدل ايست أونلاين يقول "إن الصراع الدائر بين أجنحة السلطة اليوم يتمثل أساسا في السيطرة على مفاصل الدولة وإدارة الشأن العام ولا يمكن اختزاله فقط في الانتخابات الرئاسية القادمة".

ويرى حمة الهمامي الناطق باسم الجبهة الشعبية أن "كل من الشاهد وحافظ شرعا فيحشد جهودهما لتصفية حسابات شخصية وسياسية تمهد لخلافة الرئيس الباجي قائد السبسي".

ويقول الهمامي متحدثا لوسائل الإعلام المحلية "لا يمكن فهم تهجم الشاهد على حافظ وإقدامه على إقالة لطفي براهم من وزارة الداخلي إلا في إطار صراع على كرسي الخلافة مضيفا "هذا هو "عمق الصراع الذي ينسحب أيضا على مواقف حركة النهضة".

الصراع بين الشاهد وحافظ هو صراع على من هو الطرف الذي يكون قادرا مواجهة النهضة خلال الاستحقاقات القادمة

وكان الشاهد اتهم حافظ بتدمير النداء ومحاولة تدمير مؤسسات الدولة قبل أن يعفي براهم من مهامه الأمر الذي رأى فيه مراقبون تحديا لفرضية إقالته ورسالة مفادها أنه الأكثر قدرة على اتخاذ أي قرار سياسي والأكثر جرأة بشأن استبعاد حافظ من قيادة النداء.

ويبدو، كما يذهب إلى ذلك محللون سياسيون، أن الشاهد ما كان له أن يتهجم على نجل رئيس الدولة وإعفاء براهم لولا الثقة التي يحظى بها من قبل الرئيس السبسي.

وشدد القصار على أن "الصراع بين الشاهد وحافظ هو صراع على من هو الطرف الذي يكون قادرا مواجهة النهضة خلال الاستحقاقات القادمة". وخلا الأيام الماضية ما انفكت رئاسة الجمهورية تروج لمقاطع فيديو وصور تظهر نوعا من الانسجام والأريحية بين السبسي والشاهد في لقاءت متعددة.

وتتحدث أوساط سياسية عن أن الرئيس السبسي أعطى الضوء الأخضر لقيادات النداء بما فيها التي انشقت عن الحزب بما فيهم محسن مرزوق الأمين العام لحزب مشروع تونس بقيادة مشاورات قصد إعداد مؤتمر يفي إلى قيادة منتخبة تضع حدا للأزمة.

وبراي الهمامي يسعى الشاهد، رغم أنه مرشح للرحيل إلى استثمار علاقته بالسبسي وصراعه مع نجله ومغازلته للنهضة ومهادنته لاتحاد الشغل بما يسمح له بمسك خيوط اللعبة السياسية وتحويل صورته الفاشلة إلى صورة رئيس الحكومة الناجح.

غير أن زياد كرشان المحلل السياسي يرى أن الشاهد يتحرك وهو محاصر بالألغام مشددا على أن "أجنحة السلطة معقدة ومتداخلة فيها ما له علاقة بمؤسسات الدولة وفيها ما هو مرتبط بالمنظمات الاجتماعية والأحزاب الحاكمة وفيها أيضا لوبيات تتهافت على السلطة المادية والمعنوية وتحلم بصناعة".

وبراي كريشان فقد "دخلت أجنحة السلطة مبكرا في صراع إما للاستفراد بالنفوذ بعد الانتخابات الرئاسية أو على الأقل لتحسين موقعها في منظومة الحكم".

وهو يشدد على أن "من المفارقات أن رئيس الحكومة الذي يمثل أحد أجنحة السلطة ظل إلى حد اليوم من أضعفها ومن اقلها قدرة على فرض زمنه السياسي الخاص".

وخلال فترة رئاسته للحكومة سعى الشاهد في غياب أي تنفذ له داخل النداء إلى انتهاج سياستين اثنتين، تراهن الأولى على غطاء سياسي من قبل مؤسسة الرئاسة وحركة النهضة وبدرجة اقل على اتحاد الشغل قبل أن يهاجمه فيما تراهن الثانية على قيادة حروب جزئية من خلال مكافحته لشبكات الفساد المالي والإداري وشبكات التهريب.

وهدفت سياسة الشاهد إلى توجيه رسالة مزدوجة تقضي الأولى بتقديمه في صورته رجل الدولة القوي الذي لا يهاب رؤوس الفساد ومن يقف الامر الذي جعله يكسب نوعا من التعاطف الشعبي فيما تهدف الرسالة الثانية إضعاف حافظ وشقه المتنفذ سياسيا.

تجاذبات لم تنه الأزمة

ولم تكن النهضة بغافلة عما يتعرض إليه الشاهد من حصار سياسي لذلك وفرت له غطاء سياسيا لم يوفره النداء وتعمق الغطاء خلال الفترة التي شن فيها نور الدين الطبوبي الحرب على الشاهد حتى أنها لم تستنكف عن القول بأن "الحكومة فاشلة ورئيسها ناجح".

ووجدت الحركة الإسلامية في يافطة "الاستقرار السياسي" مسربا للتمسك بالشاهد لا اقتناعا بأدائه وإنما خوفا من خسارتها لمراكز نفوذها في حال تعيين رئيس حكومة جديد.

وبعد تعليق السبسي المفاجئ للعمل بوثيقة قرطاج 2 اهتزت مختلف أجنحة السلطة بما فيها حركة النهضة واتحاد الشغل اللذان رأوا في القرار ضربة موجعة لهم في الصميم.

وهو ما دفع بكريشان إلى التشديد على أن أجنحة السلطة باتت شبيهة بـ"حالة حرب الكل ضد الكلّ..حرب تباح فيها جميع الأسلحة والوسائل لإبعاد الخصوم أو على الأقل لإضعافهم"محركها الأساسي الانتخابات الرئاسية القادمة.

وقاد قرار الرئيس السبسي بالنهضة إلى تعديل موقفها حتى أنها جاهرت باستعدادها لاستئناف المفاوضات بعد أن صرح الغنوشي بأنه إذا كان السبسي يريد تغيير الشاهد عليه أن يتوجه إلى البرلمان في رد فعل متشنج.

وفي أعقاب لقاء لم يتم الإعلان عليه جمع الغنوشي بالسبسي قال عماد الخميري الناطق باسم النهضة أن الحركة "مستعدة لتعديل موقفها واستئناف المفاوضات وهو تحول ردده أكثر من قيادي منهم عبد الكريم الهاروني رئيس مجلس الشورى.

ويرى المتابعون لشؤون النهضة أن الحركة ما كان لها أن تراجع نفسها لولا اقتناعها بأنها الخاسر الوحيد وأن تمسكها بموقفها لن يدفع بها سوى إلى الانتحار السياسي.

وتداولت الأوساط السياسية أن الغنوشي أجرى اتصالات مع الأطراف الموقعة على وثيقة قرطاج أعرب خلالها عن استعدادها لاستئناف المفاوضات في قصر قرطاج ورفع غطاءه السياسي عن الشاهد شرط التوافق على الشخصية التي ستخلفه.

ويتوقع مراقبون أن صراع أجنحة السلطة تمهيدا لخلافة الرئيس السبسي سيتواصل حتى بعد تركيز تركيبة حكومية جديدة سواء برئاسة الشاهد أو غيره مشددين على أن العديد من القيادات السياسية وفي مقدمتها الشاهد والغنوشي وحافظ قائد السبسي يعدلون نبضات نشاطهم بناء على الانتخابات الرئاسية القادمة.

وشدد حسان القصار وهو يتحدث إلى مراسل ميدل ايست اونلاين يقول "وضع البلاد معقد ولا يتحمل إجراء الانتخابات في آجالها متوقعا أن يلتجئ الرئيس قائد السبسي في حال عدم التوصل إلى حل للأزمة السياسية إلى تأجيل الانتخابات إلى العام 2021 وحلّ البرلمان ليمارس الحكم من خلال المراسيم".