"أحجاري" أسلوب سردي هاديء

الكتابة عند علي اليوسفي تبدو حالة شعورية وفكرية وقيميّة تحمل هوية مبدعها في أحواله، تناقضاته، احتمالاته، وأحداث حياته.
الكاتب أخضع الكتابة لسيطرته ورؤيته، لتؤول ذاته داخل النص
الإيمان يقدر على تشكيل القدر، ويعجز عن تلبية أمنية لطفل متسوّل

بيروت ـ "حجراً تلو حجر، أريدها كأنها كواكب ونجوم أن تغيب عن أفقي، وترحل إلى عالم آخر، فتمسي سمائي صافية كَحِليَةٍ ملساء، وجاهزة لاستقبال كون جديد".
بهذه العبارات يُقدم الكاتب علي اليوسفي كتابه الموسوم بـ "أحجاري" بأسلوب سردي هادئ ومحتوى تفاعلي يتشاركه مع قارئ محتمل؛ فيظهر لنا بعد قراءته كنوع من التجلّيات التي يأمل الكاتب/ الراوي أن يكون قد نجح في نقل شيء منها إلى قلوب القراء، وزرع شيئاً في نفوسهم من الشعور الذي يعيشه وهو ينتقل من حجر إلى حجر أو من حالة شعورية إلى أخرى. فتارة يدعونا "لنتباحث في أمور وحدته" ويسألنا "هل الوحدة موت، وهل الاجتماع حياة؟"، وتارة يعرض علينا "سبعة خيارات في كيفية معاملة الناس"، وتارة أخرى يسأل القارئ "ما شكل إيمانك؟ ما لونه؟ من أيّ مادة هو؟ أيتمدّد بالحوار؟ أينكمش بالوحدة؟ أما نظرته إلى الموت ففيها "وما الموت إلا غمضة بين حياة وحياة". لينتهي بخُلاصةٍ عن كل المعاني التي اختطها في نصوصه مفادها "لا يستطيع الإنسان الخروج من الوحدة، ولا رفض التعامل، ولا التخلّي عن الإيمان، ولا مراوغة الموت، فعلى تلك القناطر الأربع تمر قوافلنا عبر نهر الحياة".
وبناءً على ما تقدم، تبدو الكتابة عند علي اليوسفي حالة شعورية وفكرية وقيميّة تحمل هوية مبدعها في أحواله، تناقضاته، احتمالاته، وأحداث حياته، وقد أخضعها لسيطرته ورؤيته، لتؤول ذاته داخل النص، وهو بهذا الاشتغال يكون قد كسر رتابة الإيقاع الذي اعتاد عليه السرد الواقعي، بمزيج تختلط فيه الشاعريةُ بأدبية النص، وبفيض اليقين؛ ولهذا يقول كاتبنا كلاماً لا بدّ من قوله، فيتأكد لنا أن الإبداع عنده تجاوز خلّاق ومستمر يؤدي في نهاية المطاف إلى إدراك العالم معرفياً وجمالياً، وهذا حسبُه.
من عوالم "أحجاري" نقرأ:
●  تَقتل السمك خنقاً وتقتل الشاة نحراً، لتأكل وتكبر، فهنيئاً لك الصحة والنمو.
● تَقتل الورد قطفاً، لتهديها من تحب وتخيط بقتلها علاقة جديدة، فهنيئاً لك الأحباب.
● تَقتل الشجرة قطعاً وتحرقها ناراً، لتُسكن أهلك، فهنيئاً لك الأمن والدفء.
●    تَقتل جارك رمياً، لتمتدّ أرضك وتُضاعف مالك، فهنيئاً لك الثراء والثناء.
●    الإيمان يقدر على تشكيل القدر، ويعجز عن تلبية أمنية لطفل متسوّل.