أرامكو تتحرك لبيع أصول في قطاع الكهرباء ضمن خطة تمويلية أوسع
الرياض – في إطار مساعي السعودية الحثيثة لتنويع اقتصادها وتوسيع قاعدة الاستثمارات، تتجه شركة أرامكو، عملاق النفط السعودي، إلى بيع عدد من أصولها في قطاع الطاقة، في خطوة تعكس تحولًا استراتيجيًا ضمن رؤية المملكة 2030، التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لخفض الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل.
وذكرت ثلاثة مصادر مطلعة أن أرامكو تدرس بيع ما يصل إلى خمس محطات كهرباء تعمل بالغاز، في صفقة قد تدر ما يقارب أربعة مليارات دولار، وذلك في سياق تحرك أوسع لجمع تمويلات جديدة قد تصل إلى عشرات المليارات، تواكب طموحات الدولة في التنمية والبنية التحتية.
الخطوة لا تنفصل عن التوجه الحكومي لتشجيع الشركات الكبرى، وخاصة أرامكو، على تعظيم الأرباح وتحقيق كفاءة تشغيلية أعلى، بما يعزز من قدرة الدولة على تمويل مشاريعها الكبرى. وتُعد أرامكو، التي تملك الحكومة السعودية نحو 81.5 في المائة من أسهمها، المصدر الرئيسي لإيرادات الدولة، وتساهم عبر توزيعات الأرباح والضرائب والعوائد في دعم ميزانية المملكة بشكل مباشر.
وفي ظل انخفاض أسعار النفط عالميًا، تواجه الحكومة ضغوطًا مالية متزايدة. فقد شكلت عائدات النفط نحو 62 في المائة من إيرادات الدولة في عام 2024، في حين بلغ عجز الميزانية أكثر من 30 مليار دولار، رغم تحقيق أرامكو أرباحًا بلغت 199 مليار دولار.
من هذا المنطلق، فإن تخارج الشركة من أصول ثانوية كالمحطات الكهربائية، أو خطوط الأنابيب، أو حتى المرافق السكنية، يُنظر إليه كجزء من تحول استثماري يعزز السيولة المالية ويعيد توجيه الموارد نحو أولويات تنموية واستراتيجية.
بحسب المصادر، فإن شركات محلية، لا سيما في قطاع المرافق العامة، أبدت اهتمامًا بشراء هذه الأصول، ما يعكس تنامي ثقة القطاع الخاص في استقرار بيئة الاستثمار داخل المملكة، إضافة إلى انفتاحها أمام الشراكات الجديدة. كما أوردت رويترز أن أرامكو تملك أو تشارك في ملكية نحو 18 محطة كهرباء داخل المملكة، ما يمنحها قاعدة كبيرة يمكن إعادة هيكلتها لخلق فرص استثمارية.
ومن المرجّح أن تشمل الخطط المستقبلية أيضًا بيع أصول تتعلق بالبنية التحتية في الموانئ، بالتوازي مع دخول محطات ومشاريع طاقة جديدة الخدمة، مثل معمل غاز تناقيب، المتوقع تشغيله خلال هذا العام.
تتزامن هذه التطورات مع قيام أرامكو بإجراءات أخرى مثل تقليص توزيعات الأرباح بنحو الثلث هذا العام، بسبب تراجع أسعار الخام، وذلك بهدف الحفاظ على التوازن المالي وتحقيق استدامة مالية طويلة الأجل.
وكانت الشركة قد أعلنت في مايو الماضي إصدار سندات بقيمة 5 مليارات دولار، في إشارة إلى توجهها نحو تنويع أدوات التمويل، سواء عبر التخارج من الأصول أو عبر الاقتراض المنظّم، وهو ما ينسجم مع طموحاتها في التحول إلى شركة طاقة عالمية متعددة المصادر، وليست فقط مزودًا تقليديًا للنفط.
تسعى المملكة في المرحلة الحالية إلى تمويل مشاريع ضخمة في إطار رؤية 2030، مثل إكسبو 2030 في الرياض، واستضافة كأس العالم لكرة القدم 2034، فضلًا عن المدن الجديدة العملاقة مثل "نيوم" و"ذا لاين"، ومشاريع البنية التحتية والنقل والطاقة المتجددة.
وتسعى السعودية إلى جعل أرامكو شريكًا في هذا التحول، ليس فقط كمصدر مالي، بل أيضًا كمحرك استثماري يدعم التحول من اقتصاد ريعي يعتمد على النفط إلى اقتصاد منتج متنوع قائم على الابتكار والتكنولوجيا والطاقة المتجددة.
وخطوة أرامكو لبيع أصولها ليست فقط قرارًا ماليًا، بل جزء من تحوّل اقتصادي شامل تقوده القيادة السعودية، يهدف إلى إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، وتحفيز القطاع الخاص، وتوسيع مشاركة رؤوس الأموال الأجنبية، إلى جانب بناء بنية تحتية مالية واستثمارية قادرة على مواجهة التقلبات العالمية.
ورغم أن الجدول الزمني لعملية البيع لم يُحدَّد بعد، إلا أن التحركات الجارية تعكس وضوح الرؤية الاستراتيجية للدولة والشركات الوطنية الكبرى في التعامل مع التحديات الاقتصادية وتحويلها إلى فرص للنمو المستدام.