أربيل وبغداد وضرورة الاتفاق

طريق السلام والاستقرار لا يتحقق الا بحلول دستورية وقانونية صحيحة وممكنة التطبيق.
كل هذه التفرعات الصغيرة هي سبب كل هذه الخلافات والتجاذبات الكبيرة
مثل مخطط بياني يتصاعد الى اعلى حالات الصراع او ينخفض نحو المتوسط

الوصول الى تفاهمات مؤقتة او اتفاقيات موقعة تحت تأثير القوة والحاجة لطرف ما في أي مشكلة او ازمة، لا يحل المشكلات ولا يؤدي الى حل دائم، لانه ما ان تعود الامور الى مسارها الصحيح وظرفها الطبيعي، او زوال ادوات الضغط وعوامل الضعف والوهن، حتى يعود النزاع مجدداً حاضرا في القلوب والمشاعر والوجدان قبل ان يتأزم ويتجدد الصراع في الميدان.

لذلك فالازمة او مسلسل الازمات بين بغداد واربيل تأخذ شكل المخطط البياني الذي يتصاعد الى اعلى حالات الصراع، او ينخفض الى ما فوق المتوسط او اقل منه قليلاً حسب الظروف والاحوال التي تمر بها العاصمة بغداد وهوى وافكار وقوة وطموح واحلام الحاكم فيها، والتي قد تلتقي قليلا مع مطالب اربيل في ظرف زماني محدد وليس دائما.

لذلك لم ينعم العراق بالسلام طالما لم يفهم الطرفان ان وجود كل منهما في المكان الذي هو فيه، هو وجود دائم تحكمه قوانين الطبيعة والجغرافيا وحكمة الخالق العظيم "وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا"(الحجرات - 13) وليس لتتخاصموا وتقتلوا بعضكم بعض.

ولسنا بصدد الحديث في التاريخ او الجغرافيا او التغيير الديموغرافي واصل سكان هذه المدينة او تلك، او حجم الوجود القومي او الديني او المذهبي الى التقسيمات الفرعية كالتواجد القبلي والعشائري والمناطقي وصولاً حتى الى العنوان العائلي واللقب الشخصي والشارع والحي او المحلة التي جاء منها هذا الشخص او ذاك.

كل هذه التفرعات الصغيرة هي سبب كل هذه الخلافات والتجاذبات الكبيرة التي تتصاعد وتخف، والتي كانت سبباً لنشوب حروب ومعارك مهلكة استنزفت البلد واهله واستخدمت فيها كل انواع الاسلحة حتى الكيمياوية، وتحالفت اطراف الصراع مع كل القوى الاقليمية والدولية اسودها وابيضها ومن كل الالوان، لكن لم تُفلح اي منهما ان تقلع او تنهي الآخر، فظل الحال كما هو عليه او كما يقال: يبقى الحال على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء الى القضاء، وليس الى السلاح.

اليوم تبذل جهود كبيرة وواضحة للتوصل الى حلول للمشكلات القائمة بين بغداد واربيل، وهذه الجهود ليست حصراً على حكومة الاقليم بل تقابلها جهود ومحاولات من الحكومة الاتحادية وقوى سياسية ومجتمعية عراقية، لكنها مع الاسف تصطدم دائما بالواقع الموجود على الارض وعدم تطبيق الدستور والقانون والاتفاقات المبرمة بين الطرفين.

من هنا تصبح الحاجة كبيرة وشديدة لكلا الطرفين بضرورة انهاء الملفات العالقة بينهما منذ سنوات، فتأجيل الاتفاق يضر بالجميع، والاوضاع التي تعصف بالعالم من جراء جائحة كورونا والانخفاض الحاد في اسعار النفط والواقع الذي افرزته التظاهرات العراقية من شهر أكتوبر 2019، والاخطار المحدقة بالعراق من جراء معاودة تنظيم داعش وعملياته الارهابية خصوصا في المناطق المتنازع عليها، كل تلك الظروف الى جانب الظروف الخاصة بالطرفين واللذان يعانيان كليهما من ازمات ومشكلات.

ان تطبيق الدستور والشعور بالمسؤولية الوطنية والانسانية نحو الشعب العراقي الذي ملّ الصراعات والحروب والوعود والاتفاقات السابقة، ومساعدة الطرفين لبعضهما على تجاوز هذه الظروف العصيبة، وتنظيم الحياة السياسية والاقتصادية على أسس الديمقراطية والعدالة والمشاركة والتعاون هو طريق السلام والاستقرار والذي لا يتحقق الا بحلول دستورية وقانونية صحيحة وممكنة التطبيق.