أردوغان يناور مع الكل قبل أن يخسر كل أوراقه في إدلب

موسكو وإيران تسعيان لإرساء أسس المرحلة المقبلة للتسوية السياسية في سوريا والضغط من أجل تحقيق اختراق في مسألة تشكيل لجنة دستورية.

دمشق - عقد رؤساء تركيا وروسيا وإيران قمة في أنقرة اليوم الاثنين لبحث مصير إدلب، بعد عام من اتفاق سوتشي الذي جنب المحافظة السورية حمام دم، لكن التطورات الميدانية الأخيرة تنبئ عمليا بانتهائه.

وهذه القمة الثلاثية هي خامس لقاء مرتبط بالحرب السورية يجمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيريه الإيراني حسن روحاني والتركي رجب طيب أردوغان، منذ 2017.

وجنّب الاتفاق الذي وقعته أنقرة الداعمة للفصائل المعارضة، وموسكو أبرز حلفاء دمشق، في منتجع سوتشي في 17 أيلول/سبتمبر، محافظة إدلب هجوماً لوّحت دمشق بشنّه لاستعادة أبرز معاقل المعارضة الخارجة عن سيطرتها بعد ثماني سنوات من نزاع دام ومدمر.

وأرسى الاتفاق عند بدء تطبيقه هدوءاً نسبياً، إلا أن عدم استكمال تنفيذ بنوده الرئيسية أدخل المنطقة مجدداً في دوامة التصعيد منذ نهاية نيسان/أبريل، ما تسبب بفرار أكثر من 400 ألف مدني.

ولم يمنع الاتفاق قوات النظام من تصعيد عملياتها التي حصدت مئات المدنيين خلال أربعة أشهر، حيث تمكنت الشهر الماضي وبدعم روسي من التقدم ميدانياً في جنوب إدلب والسيطرة على جيب كان تحت سيطرة الفصائل الجهادية والمعارضة المدعومة من أنقرة في شمال حماة المجاور.

وتسبّب التصعيد العسكري والغارات السورية والروسية بمقتل قرابة ألف مدني، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، فضلاً عن نزوح أكثر من 400 ألف شخص إلى مناطق لا يشملها القصف قرب الحدود التركية وفق الأمم المتحدة.

وساهم الاتفاق في تأخير هجوم قوات النظام على إدلب والتخفيف من وطأته، ما شكل متنفساً لتركيا التي تخشى من أن يؤدي أي هجوم شامل على إدلب إلى تدفق موجات جديدة من اللاجئين إلى أراضيها، بعدما تكدس النازحون قرب حدودها.

لكن مع عدم تنفيذ تركيا لوعودها بحل هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) التي تسيطر على الجزء الأكبر من محافظة إدلب، يترك الباب مفتوحا أمام تصعيد عسكري دائم ومواجهة مفتوحة في المنطقة.

وأبدت الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية خشيتها من أن يؤدي أي هجوم لقوات النظام على إدلب، التي تؤوي مع أجزاء من محافظات مجاورة تحو ثلاثة ملايين نسمة، إلى "أسوأ كارثة إنسانية" في القرن الحالي.

ويقول الباحث في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي آرون شتاين إن "الاتفاق السابق أدى إلى إبطاء الهجوم، ما جعل العبء على تركيا أخف".

ونصّ الاتفاق بشكل رئيسي على إنشاء منطقة منزوعة السلاح يتراوح عرضها بين 15 و20 كيلومتراً تفصل بين مناطق سيطرة قوات النظام والفصائل، على أن تنسحب منها المجموعات الجهادية وتسحب الفصائل المعارضة سلاحها الثقيل منها.

والتزمت الفصائل في مرحلة أولى خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر 2018 بسحب سلاحها الثقيل من المنطقة المنزوعة السلاح، إلا أن هيئة تحرير الشام رفضت سحب مقاتليها بالكامل منها.

ولم يتم تسيير أي دوريات تركية روسية مشتركة، رغم تعزيز أنقرة نقاط المراقبة التابعة لها في إدلب ومحيطها.

ورغم الانتهاكات المتكررة والتصعيد الأخير، لا تزال تركيا وروسيا تتحدثان عن اتفاق سوتشي كمرجعية للتفاهمات الثنائية حول إدلب.

المواجهة ستبقى مفتوحة ما لم تفي انقرة بوعودها
المواجهة ستبقى مفتوحة ما لم تفي أنقرة بوعودها لحل المجموعات الإرهابية في إدلب

ويقول الباحث في "مؤسسة سنتشوري" للأبحاث آرون لاند "لن أقول إن الاتفاق ميت كلياً، إذ يواصل كل من الروس والأتراك الاستناد إليه ولا يزال مهماً من الناحيتين الرمزية والسياسية".

وبالنسبة إلى الباحث في مركز الأمن الأميركي الجديد نيكولاس هيراس، فإن الاتفاق سيبقى قائماً طالما أن "تركيا لم تبد أي نية للانسحاب من سوريا".

وبعدما كانت تحظى بنفوذ واسع في شمال سوريا، يبدو أن قدرة تركيا على المناورة قد تقلصت، وفق محللين، تبعاً لتطورات الأشهر الأخيرة.

ويقول لوند "من المؤكد أن تركيا باتت أضعف بمواجهة روسيا".

وتمكنت هيئة تحرير الشام مطلع العام من التفرد بالسيطرة على الجزء الأكبر من إدلب ومحيطها بعد اقتتال خاضته ضد فصائل معارضة تدعمها تركيا.

كما أن نشر أنقرة 12 نقطة مراقبة في إدلب ومحيطها لم يمنع قوات النظام من التقدم ميدانياً وصولاً إلى تطويق إحدى أكبر هذه النقاط الموجودة في قرية مورك في شمال حماة.

وأظهر الرئيس السوري بشار الأسد وفق لوند "أن بمقدوره تطويق النقاط التركية العسكرية في إدلب".

يوجه ذلك رسالة إلى ثلاثة ملايين سوري في إدلب ومحيطها مفادها أن تركيا ليست قادرة عملياً على القيام بالكثير لحمايتهم ووقف تقدم قوات النظام، الذي لطالما كرر أركانه تأكيد عزمهم استعادة كافة المناطق الخارجة عن سيطرتهم خصوصاً إدلب.

ويعتبر لوند أن نقاط المراقبة هذه "لم تشكل الدرع السياسي الذي لا يمكن اختراقه، كما ربما أمَلت تركيا وحلفاؤها السوريون أن تكون".

وبعد أن كان أردوغان من أشد المطالبين برحيل الأسد قال الاثنين خلال القمة "نحن متفقون تمامًا على الحفاظ على وحدة سوريا السياسية ووحدة ترابها والحفاظ على السلام ميدانيا وإيجاد حل سياسي دائم للنزاع، وسنتناول في القمة مستجدات الاوضاع في إدلب وشرق الفرات وما آلت إليه الأمور في المسار السياسي ووضع اللاجئين".

ويقول مراقبون للشأن السوري إن فشل أردوغان في الحصول على دعم مطلق ومضمون من الولايات المتحدة بشأن المنطقة الآمنة على الحدود التركية السورية بسبب تخوف واشنطن من هجوم تركي ضد حلفائها الأكراد، يجعل من حظوظ أنقرة في التفاوض حول دور مهم لها في سوريا ما بعد الحرب أمر بعيد المنال.

ومنذ بداية الحرب في سوريا، دخلت تركيا كلاعب أساسي في المشهد السوري عبر تعلة التهديد الذي يمثله الأكراد على أمنها القومي، فتدخلت عسكريا ثم دعمت فصائل معارضة متشددة بالسلاح ليصبح لها نفوذ قوي في العديد من المحافظات والمدن مثل إدلب وجرابلس وعفرين والباب وأعزاز، لكن التواجد الأميركي ثم الروسي لم يكن يسمح لها بمواصلة بسط نفوذها في الشمال السوري.

ولم يحصل أردوغان من الولايات المتحدة بعد أشهر من الدفع لإقامة المنطقة الآمنة شمال شرقي سوريا إلا على مجرد تطمينات ومسكنات لن تختلف كثيرا عن تلك التي من المنتظر أن تنتجها القمة الثلاثية الحالية.

وبينما لم تعد لأنقرة قدرة كبيرة على فرض شروطها للتفاوض تسعى موسكو للضغط من أجل تحقيق اختراق في مسألة تشكيل لجنة دستورية تعمل الأمم المتحدة على تأليفها للإشراف على المرحلة المقبلة للتسوية السياسية في سوريا.

وحسب المحللة لدى مجموعة الأزمات الدولية دارين خليفة فإن تشكيل اللجنة سيشكل انتصاراً سياسيا لبوتين يضاف إلى انتصارات روسيا العسكرية في سوريا.

وهو ما تؤكده تصريحات أدلى بها روحاني قبل توجه إلى أنقرة حيث كشف أن أبرز المواضيع التي ستتمم مناقشتها هي الانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا عام 2021 وملف عودة اللاجئين وملف إعادة الاعمار وملف إصلاح الدستور.

لكن نتائج القمة تبقى غير محسومة وبتطورات غير ملموسة على الأرض في ظل غياب الدور الأميركي نظرًا لاختلاف رؤيتها للأمور واختلاف مصالحها مع أطراف القمة الثلاث.