أردوغان.. الاختيار بين خسارة إسطنبول أو فقدان الشرعية

هيمنة حزب العدالة والتنمية على عكس الجنرالات، تستند إلى نجاحه المستمر في الانتخابات فقدر كبير من خطابهم وشرعيتهم مستمد من صندوق الاقتراع ذلك أمر جيد حين تفوز في الانتخابات ولكن ماذا يحدث عندما تبدأ في خسارتها.

بقلم: ليك أشدون

عندما فازت المعارضة التركية ببعض من كبرى البلديات في الانتخابات المحلية التي أجريت في الحادي والثلاثين من مارس، أعلن كثير من المحللين انتصار الديمقراطية التركية. لقد أظهرت الانتخابات أن المعارضة نظمت صفوفها بشكل أفضل بكثير من ذي قبل وأن الناخبين لا يزالون يشاركون بقوة في التصويت. كما بينت أنه لا يزال بإمكان المعارضة أن تفوز بمناصب سياسية كبيرة من خلال الانتخابات، وإن كان حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحاول تغيير نتائج الانتخابات في إسطنبول.

بعد أن أسفرت الانتخابات البرلمانية التي أجريت في شهر يونيو عن فقدان حزب العدالة والتنمية لأغلبيته وعجزه عن تشكيل ائتلاف حكومي، رفض أردوغان السماح للمعارضة بتشكيل حكومة. وبدلا من ذلك، دعا أردوغان إلى إجراء انتخابات جديدة في شهر نوفمبر، وأذكى النعرة القومية لكسب مزيد من الأصوات.

يقول آق قويونلو: إن سلطوية أردوغان مستمرة على نفس المنوال الذي ساد في الماضي، ولكن مع بعض الاختلافات.

وأوضح قائلا: "هيمنة حزب العدالة والتنمية، على عكس الجنرالات، تستند إلى نجاحه المستمر في الانتخابات. فقدر كبير من خطابهم وشرعيتهم مستمد من صندوق الاقتراع... ذلك أمر جيد حين تفوز في الانتخابات، ولكن ماذا يحدث عندما تبدأ في خسارتها"؟

وعلى غرار مندريس في خمسينات القرن العشرين، لم يشعر أردوغان قط بالأمان في سدة السلطة، وخصوصا بعد الأحداث الثلاثة الكبرى التي جرت في العام 2013، وهي احتجاجات غيزي الحاشدة المناوئة للحكومة في يونيو، والانقلاب العسكري في مصر في يوليو وما تبعه من تضييق للخناق على جماعة الإخوان المسلمين، والشقاق المرير مع شركاء أردوغان السابقين في حركة غولن الذي بلغ ذروته في شهر ديسمبر.

وقال آق قويونلو: "أعتقد أن هذه التحديات الثلاثة غرست شعورا عميقا بانعدام الأمن الوجودي، ودفعته (أردوغان) وحاشيته إلى الاعتقاد بأن أي خطوة للوراء هي بمثابة بداية النهاية. لذا أعتقد أنه لا يمكنهم تقاسم السلطة أو التخلي عنها بشكل فعال وهو ما يجعل الديمقراطية واهية".

وأضاف أن أردوغان وزملاءه يخشون الآن عواقب قانونية كبيرة لما تردد ارتكابه من مخالفات هائلة إذا تمت الإطاحة بهم.

يرى آق قويونلو أنه حين خسر الحزب أغلبيته في الانتخابات التي جرت في شهر يونيو من العام 2015، كان الممكن أن تكون هذه بداية سقوطه، لكن أردوغان رفض قبولها، وبدأ في استخدام مزيد من القمع من أجل التشبث بالسلطة، منتقلا من نظام الديمقراطية التفويضية السلطوية إلى نظام السلطوية التنافسية غير الديمقراطية.

لعل من أخطر موروثات عهد حزب العدالة والتنمية هو أن الأتراك بدأوا يفقدون ثقتهم في الانتخابات للمرة الأولى منذ العام 1950، بعد التشوهات الكبيرة التي شابت الانتخابات وقمع الناخبين بل والتزوير المحتمل على غرار ما شهدته الانتخابات المحلية في أنقرة في العام 2014.

وكان استفتاء 2017 على النظام الرئاسي الجديد، والذي أصدر فيه المجلس الأعلى للانتخابات قرارا في اللحظة الأخيرة بقبول ما يصل إلى 2.5 مليون ورقة اقتراع غير مختومة، بمثابة المرة الأولى التي ترفض فيها أحزاب المعارضة قبول شرعية ونتائج التصويت. وقال آق قويونلو: "ذلك الإحساس الزاحف بعدم الثقة في النظام الانتخابي قد بلغ عنان السماء، وتلك مشكلة كبرى للديمقراطية".

قال أسين: "لكي يلغي أردوغان (نتائج) الانتخابات في إسطنبول، سيتطلب منه الأمر أن يتجاوز حدود هذه السلطوية التنافسية إلى استبداد أكثر هيمنة من النوع الذي نراه في فنزويلا أو روسيا. غير أن ذلك له ثمن ضخم، إذ سيخسر آخر جزء من شرعيته، وهو ذلك المستمد من صندوق الاقتراع".

لهذا السبب، تظهر الأنظمة الاستبدادية المهيمنة عادة في الدول الغنية بالموارد، لا في دول مثل تركيا تعتمد اعتمادا كليا على التجارة الدولية والاستثمار، وهو ما يعتمد بدوره على الاستقرار والعلاقات الخارجية الجيدة.

وقد سارع آق قويونلو للإشارة إلى أن الانتخابات في تركيا لا تزال شرعية إلى حد كبير، وأن الأتراك لديهم "غريزة ديمقراطية" قوية جدا تفسر السبب في مشاركتهم في الانتخابات بواحد من أعلى معدلات الإقبال في العالم.

وأضاف آق قويونلو أنه ينبغي لحزب العدالة والتنمية الآن أن يسأل نفسه سؤالا واحدا، ألا وهو: "أي الضررين أشد – خسارة إسطنبول أم خسارة الشرعية الانتخابية"؟

ملخص ما نُشر في أحوال تركية