أردوغان الرجل المريض يؤولُ إلى مآلِ أجداده

حلم إحياء الخلافة أذكى ناره الإخوان ليس رؤية دينية إنما توظيف ديني خدمة للسياسي وخلق أرضية للتمدد التركي على النموذج الخميني.

بقلم: حسناء القنيعير

لا ريبَ أن إقراره بالهزائم التي مني بها جنده ومرتزقته، فضحت مساعيه وكشفت سوءته أمام الأتراك والعالم بأسره، وأنه لا يعدو كونه ناشرًا للإرهاب، ومثيرًا للفتن، ومؤججًا للصراعات، في دول لا تمسه بها أدنى صلة سوى أوهام وأحلام شيطانية تسكن نفسه..

الرجل المريض اسم أطلقه قيصر روسيا نيكولاي الأول على الدولة العثمانية سنة 1853م بسبب ضعفها وتفككها، ثم شاع هذا الاسم بعد ذلك واستعمله مؤرخو تلك الحقبة للدلالة على الاستعمار العثماني للبلاد العربية وغيرها.

ولا ريب أن الرجل مريض حقًا بسبب ما يمر به من أمور عصيبة هذه الأيام، ليس آخرها تلك الإهانة التي ألحقها به متعمدًا الرئيس الروسي، حين تركه ينتظر دقيقتين مع مرافقيه الأمر الذي فهمه أردوغان وبدا ذلك واضحًا في ملامحه، حتى أنه لم يقوَ على الوقوف لشعوره بالإهانة فجلس متهالكًا على أقرب مقعد منه، ناهيكم عن خسائره المتلاحقة في سورية وليبيا.

ما انفكّ السلطان العثماني الجديد -الرجل المريض منذ العام 2015- يحلم بإحياء الخلافة؛ باستدعاء العثمانية التي تحولت إلى أيديولوجية للسلطان العثماني، مدعيًا وجود جاليات تركية في الوطن العربي؛ لأن مناطق واسعة منه كانت تحت حكم أجداده! إنّ حلمه بإحياء الخلافة الذي أذكى ناره الإخوان المفلسون ليس رؤية دينية، بقدر ما هو توظيف الديني خدمة للسياسي، لخلق أرضية للتمدد التركي في الوطن العربي على النموذج الخميني.

وعندما تهاوى حلمه بإيصال الإخوان المفلسين لسدة الحكم في مصر وسورية وليبيا واليمن، تمهيدًا لتتويجه سلطانا عليهم، انتهى وهمه إلى عداء وحقد شديدين لأهم العواصم العربية، بلادنا ومصر والإمارات العربية المتحدة، وإمعانا في السير في ركاب الإخوان المفسدين، أنشأ عددًا من القنوات الفضائية مثل قناة الشرق ومكملين وغيرهما، ووظف فيها مرتزقة يوجههم للنيل من هذه الدول؛ بنشر الأحقاد والأكاذيب مقتفين خطى كبيرتهم التي علمتهم السحر قناة (الجزيرة).

لم تسر الأمور في سورية وليبيا كما اشتهت سفن أردوغان بحشد حشود عربية وإسلامية لتنفيذ مخططاته الإرهابية فيهما، فلم يجد إلا مجموعات من الإرهابيين والمرتزقة، وللإخلال بالأمن القومي العربي اتّجه مدعومًا بالمال القطري القذر صوب اليمن والسودان والصومال؛ ليضع له موطئ قدم في البحر الأحمر في إطار أحلامه التوسعية. ولم يعد سرًا دعمه لحزب التجمع اليمني للإصلاح الذراع السياسية للإخوان المفلسين، بتهريب الأسلحة والأموال لهم، كذلك تدريب مئات من عناصر الجماعة داخل الأراضي التركية، يدعم ذلك خطاب إعلامي مؤيد للجماعة في القنوات الإخوانية التي تبث من إسطنبول وترأس واحدة منها (حمّالة الحطب) توكل كرمان التركية الأصل.

حسب أحد المحللين فإن السوريين والروس قضوا "على أطماعه في زعامة العالم الإسلامي، وبات رئيسًا للجمهورية التركية فقط لا أكثر، كما أصبح أضعف من أي وقت مضى في الداخل التركي، لأنّ وهمه مات ودفن بلا رجعة"؛ فمع توالي الضربات والخسائر التي تتعرض لها قواته ومرتزقته في سورية وليبيا، لم يجد مفرًا من الاعتراف للأتراك بإرسال مرتزقة وفصائل إرهابية من سورية وغيرها إلى هذين البلدين، ناهيكم عن بعض من عسكره الذين قضوا بأسلحة روسية، لكنه برر ذلك بمزاعم وصلت إلى درجة الهذيان، حين قال في أحد تصريحاته إنه: "إذا لم يتدخل في سورية وليبيا والبحر المتوسط والمنطقة، فإن الثمن سيكون باهظًا مستقبلًا". لكن:

                                                               لكل داءٍ دواءٌ يُسْتَطَبُّ بهِ/ إلاّ الحماقَةَ أَعيتْ من يُداويها

لا ريبَ أن إقراره بالهزائم التي مني بها جنده ومرتزقته، فضحت مساعيه وكشفت سوءته أمام الأتراك والعالم بأسره، وأنه لا يعدو كونه ناشرًا للإرهاب، ومثيرًا للفتن، ومؤججًا للصراعات، في دول لا تمسه بها أدنى صلة سوى أوهام وأحلام شيطانية تسكن نفسه.

ولا ريبَ أيضا أنّ هذه الأساليب المتهورة أكثر شبهًا بأفعال العصابات المافوية وقراصنة البحار، تقود تركيا نحو مزيد من التورط في قضايا متشعبة يدفع ثمنها الشعب التركي من أرواح جنوده، واقتصاده المترنح، إذ يحكمهم ديكتاتور لا يستطيع أحد أن يوقف رعونته واندفاعه نحو أوهام لا تعرف حدًا، إلا الأتراك أنفسهم عندما يفيض بهم الكيل ليقولوا له: كفّ عن الأوهام وعن الجرائم وعن التخريب وعن الاستهتار والتلاعب بمقدرات الوطن، وأوطان الآخرين.

أردوغان الرجل المريض لا يفتأ يفتح أوراقه القديمة، فيبدو كالحاوي راقي الحيات والثعابين، وجامعها في جرابه، ومما في جراب الحاوي أردوغان، حادثة جمال خاشقجي فهو لا ينفك مثيرًا لها؛ لتحقيق مكاسب سياسية، أهمها تشتيت الانتباه عن جرائم نظامه ضد الصحفيين الأتراك، والهروب من إخفاقه داخليًّا بسبب تفشِّي فيروس كورونا في بلاده وعجزه عن مواجهة الأزمة، علاوة على رغبة مريضة متأصلة في نفسه ضد بلادنا، لذلك فقد استغل انعقاد قمة العشرين الافتراضية، فأمر أذرعه القضائية بإصدار لائحة اتهام ضد مواطنين سعوديين كان قضاؤنا قال كلمته فيهم، وذلك بعد يوم واحد من الإعلان عن القمة بغية التشويش عليها كما تفعل النسوة الجاهلات وحمقى الصبيان، الأمر الذي لم يعره أحد من المؤتمرين اهتماماً، فقد كان اهتمام الجميع منصبًا على أعمال القمة، وفي مقدمة ذلك خطاب الملك سلمان للمؤتمرين! يرى مراقبون أنّ "توقيت تحريك هذا الملف بالتزامن مع قمة افتراضية ناجحة نظمتها الرياض لدول مجموعة العشرين، يدل على سوء نيَّة مُبيَّتة.. ضد المملكة التي تترأس المجموعة الدولية هذا العام، وتجهّز لقمة ضخمة في أواخره". ولكن أنّى له ذلك؛ وحسب الكاتبة مرح البقاعي: "تأتي القمة لتضع النقاط على الحروف في ريادة السعودية على المستوى الإقليمي للعلاقات الدولية، وتعزز من شأنها الجيوسياسي واجتهادها في تحقيق الأمن والازدهار الإقليمي والعالمي في آن"، كما أن نجاح القمة على مختلف المستويات شكّل سابقة في تاريخ القمم لمجموعة العشرين في انعقادها عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، إذ أظهر قادة الدول الكبرى تعاونًا كبيرًا مع دعوة الملك سلمان لاتخاذ إجراءاتٍ حمايةً للبشرية من آثار تفشي الوباء، وأبدوا التزامهم في بيانهم الختامي "ببذل كل ما يمكن للتغلب على هذه الجائحة، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية وصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى".

كان مما أكد الموقف السعودي المتسم بالمسؤولية والحزم إزاء الصعاب والأزمات، والتصدي لمواجهتها، ظهور لوحة مرسومة للملك المؤسس وقد لفّ الشماغ على رأسه، وتلك طريقة تشير إلى أقصى درجات الجهوزية والحزم في مواجهة المهمّات الصعبة وإنجازها. لقد قالت اللوحة كثيرًا مما يصعب على أردوغان والحمدين ومرتزقتهما من الإخوان المفلسين فهمه.

ختاما لقد خاب أردوغان وخابت مساعيه، فبدا كمراهق يحاول التشويش على زملائه وأساتذته في موقف جاد، ما يؤكد مقدار غبائه السياسي الذي ليس بجديد عليه، فقد مرّ موضوع خاشقجي ولم يشعر به أحد، لانشغال المؤتمرين بل العالم بأسره بأزمة كورونا، ولم يعره أحد اهتمامًا سوى قناة الحمدين وقنوات الإخونج المفلسين.

نُشر قي الرياض السعودية