أردوغان.. لسان ينطق بالاصلاح وأياد تبطش بالخصوم

المعارضة التركية تشكك في إعلان الرئيس تعزيز حقوق الإنسان وإصلاح القضاء وتعزيز حرية الرأي، بينما تعج السجون بمعتقلي الرأي ولم تهدأ حملة التطهير العشوائية.
الرئيس التركي يخوض حملة انتخابية مبكرة ببيع الأوهام للأتراك
خطابات الرئيس التركي ترسخ الاستقطاب وتؤجج الانقسامات في تركيا
أردوغان يستبق قمة أوروبية حول العلاقة مع تركيا بخطة إصلاح 'وهمي'
كيف لمن يلاحق منتقديه ببدعة 'اهانة الرئيس' أن يحترم حرية التعبير

أنقرة - كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المتهم من قبل معارضيه ومنظمات غير حكومية بالتسلط، الثلاثاء "خطة عمل" لتوسيع حقوق الإنسان في تركيا متعهدا بتعزيز حرية التعبير، لكن المعارضة شككت في إعلانه.

وكثف أردوغان في الفترة الأخيرة من خطاباته الموجة للداخل التركي وللشركاء الأوروبيين معلنا عن حزمة اصلاحات يراها خصومه محاولة لتبييض سجل حافل بالانتهاكات والاستبداد ومجرد دعاية لتحصين سلطته لا غير.

وقال الرئيس التركي في خطاب في أنقرة "هدفنا هو تعزيز دولة القانون أكثر"، مضيفا أنه سيتم تطبيق 393 تدبيرا بحلول العام 2023، مئوية قيام الجمهورية واستحقاق الانتخابات الرئاسية المقبلة" في تركيا.

وقال "يجب ألا يحرم أحد من حرية التعبير عن آرائه"، في تصريح يتناقض مع ممارسة أجهزته على أرض الواقع، فقد دشن في صيف العام 2016 أوسع حملة تطهير على الإطلاق بعد محاولة انقلابية فاشلة وزج بالآلاف في السجون من مختلف القطاعات واعتمد حالة الطوارئ وقانون الإرهاب في أكبر تصفية سياسية لمعارضيه.

كما شن حملة اعتقالات واسعة وملاحقات قضائية بحق مئات ممن انتقدوا سياساته وضيّق الخناق على الصحافة المعارضة، إلى أن باتت تركيا تعتبر من بين الأعلى ترتيبا عالميا من حيث قمع حرية التعبير وسجنا للصحافيين.

وابتدع تهمة اعتمدها في ضرب الحريات وهي 'اهانة الرئيس' والتي لاحق من خلالها الكثير ممن نددوا بسياساته وبتدخلاته العسكرية الخارجية.

ونالت الأقليات وحزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد النصيب الأوفر من الملاحقات والأحكام القضائية، بينما لم يسلم رواد مواقع التواصل الاجتماعي ممن نشروا تدوينات ضده من الملاحقة.

وحتى منصات التواصل الاجتماعي فقد تعرضت لمضايقات أمنية وقانونية بدعوى نشر تدوينات أو تغريدات مسيئة.

وأعرب أردوغان الثلاثاء أيضا عن رغبته في جعل القضاء "أكثر فعالية" لإنهاء "المحاكمات الطويلة"، في إعلان يبدو للاستهلاك المحلي ولاستقطاب الناخبين.

ويرى كثيرون أن الرئيس التركي يكرر نفس الوعود من باب المكرر مقرر لترسخ عند سامعيه الوعود الفضفاضة حتى إن لم ينفذها وقد دأب على هذه السياسة منذ وصول حزب العدالة للحكم في العام 2002.

ولا تخرج إعلاناته عن تعزيز حقوق الإنسان عن سياق مغازلة الشركاء الأوروبيين الذين يأخذون عليه مخالفة المعايير الأوروبية في هذا المجال ويطالبونه باحترام الحريات والتوقف عن القمع وعن المضايقات الأمنية لخصومه السياسيين.  

وتأتي هذه الإعلانات قبل قمة بروكسل في 25 مارس/اذار التي سيبحث خلالها القادة الأوروبيون "خريطة طريق" حول مستقبل العلاقات مع تركيا.

وتوترت العلاقات بين أنقرة والدول الغربية منذ 2016 خصوصا بسبب حملة التطهير التي أطلقها أردوغان في حق منتقديه ووسائل الإعلام المعارضة والمجتمع المدني بعد الانقلاب الفاشل.

وبات كل من رجل الأعمال عثمان كفالا المسجون منذ 2017 والزعيم السابق لحزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد صلاح الدين دميرتاش المسجون منذ 2016، رمزا لهذا القمع.

وفي هذه الأجواء شككت المعارضة في إعلان الرئيس ونواياه. وكتب نائب حزب الشعب الجمهوري اونورسال اديغوزيل على تويتر ساخرا "عدد أردوغان المواضيع التي كان حزبه حزب العدالة والتنمية مسؤولا عن تراجع تركيا بسببها. وكأنها اعترافات".

وقبل الخطاب قال مصطفى ينار أوغلو النائب في حزب الديمقراطية والتقدم المعارض ساخرا "أيها الصحافيون الأعزاء بعد ثلاث ساعات لن تضطروا إلى اعتماد الرقابة الذاتية (...) ستمنحكم الحكومة حرية الصحافة".

وقبل خطاب أردوغان دعا حليفه الرئيسي دولت بهجلي زعيم حزب الحركة القومية التركية من اليمين المتطرف إلى إغلاق حزب الشعوب الديمقراطي بعد سجن عشرات من نوابه أو إقالتهم.

وفي الوقت نفسه طلب مدع عام عقوبة السجن لعامين في حق رئيس بلدية اسطنبول أكرم إمام أوغلو أحد المعارضين الرئيسيين لأردوغان المتهم بـ"اهانة" حاكم محلي.

والأمر لم يتوقف عند هؤلاء، فالسجون التركية تعج بالمئات من معتقلي الرأي ومن السياسيين المعارضين والاكاديميين فضلا عن ممارسات القمع على الأرض، حيث تعرض في الفترة القليلة الماضية طلاب جامعة البوسفور في اسطنبول الذين عبروا عن رفضهم تعيين أردوغان مقربا منه عميدا للجامعة على خلاف الصيغ القانونية ومعيار الكفاءة، للعنف والاعتقال من قبل الشرطة، فيما غاب الحوار سبيلا لحل تلك الأزمة.

كما وضعت الحكومة يدها على صحف معارضة وزجت بعدد من محرريها في السجن في حملة غير مسبوقة لمصادرة الرأي الآخر.

وتأتي إعلانات أردوغان بينما يدفع لاستبدال الدستور الحالي بآخر، فيما يتساءل معارضوه كيف لرئيس لم يحترم دستورا قائما أن يصيغ دستورا جديدا يحترم الحريات ويحمي حقوق الإنسان.