أردوغان والإتحاد الأوروبي على مسار تصادمي في دول البلقان

البلقان الآن هي الورقة الرابحة لأردوغان ضد أوروبا، خاصة بعد إغلاق باب انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي.

بعد حظر الرئيس التركي أردوغان من الترويج لأجندته الإسلامية الخطيرة في جميع أنحاء الإتحاد الأوروبي، يسعى الآن إلى إستخدام نفوذه المتنامي في البلقان ضد الدول الغربية. وأدت عودة أردوغان العدوانية إلى البلقان إلى زيادة القلق بين المنتقدين في جنوب شرق أوروبا، وهي المنطقة التي ينتهج فيها أردوغان سياسات أكثر حزماً وينشر "علامته التجارية" للقومية الإسلامية بشكل استراتيجي من خلال شبكة من المساجد والمؤسسات الدينية.

لقد أدركت دول الإتحاد الأوروبي الخطر المنبثق عن مخططه الإسلامي. ونتيجة لذلك، حظرت النمسا وهولندا وألمانيا أردوغان من تنظيم الحملات الإنتخابية. وعلاوة على ذلك، قبل شهرين، أمر المستشار النمساوي سيباستيان كورتز بإغلاق سبعة مساجد وطرد الأئمة الذين كانت تمولهم تركيا بينما وضع تحت رقابة مشددة عشرات آخرين من الأئمة الأتراك. وقال كورتز حسب بلاغ ٍ أوردته صحيفة نيويورك تايمز: "المجتمعات الموازية، تسييس الإسلام أو الإتجاهات الراديكالية ليس لها مكان في بلدنا."

أثار تحرك النمسا لإغلاق المساجد رد فعل غاضب من طرف أردوغان الذي أدان القرار ووصفه بأنه خوف من الإسلام متوعدا ً بالإنتقام منهم. واستخدم المسيرة في البوسنة للتأكيد على ميله لتحدي الدول الغربية، وأعلن أمام حشد من أكثر من 12 ألف مؤيد: "في الوقت الذي فشلت فيه الدول الأوروبية المجيدة التي تدعي أنها مهد الديمقراطية، أثبتت البوسنة والهرسك أنها ليست ديمقراطية ظاهرية، ولكنها ديمقراطية حقاً من خلال إتاحة الفرصة لنا لنجتمع هنا."

يظلّ العديد من السياسيين الفاسدين والأئمة وممثلو المنظمات غير الحكومية وأعضاء الأوساط الأكاديمية في البلقان موحدين في عزمهم على شن حملة نيابة عن أردوغان حيث أنهم كانوا يستمتعون على مر السنين بالعطاء والراحة اللتين يوفرهما أردوغان لموالييه. هكذا نجح أردوغان في كسب القلوب والعقول، خاصة بين السكان المسلمين في المنطقة.

وقالت لنا السياسية الألبانية غريدة دوما التي تمثل الحزب الديمقراطي، ثاني أكبر مجموعة في البرلمان:  "بالنسبة لراما، فإن تحدي رئيس الوزراء الألباني للإتحاد الأوروبي من خلال استرضاء أردوغان أمر خطير… وقد يؤدي إلى عواقب وخيمة… التقارب بين راما وأردوغان لا يخدم مصالح ألبانيا الجيوستراتيجية."

يساور الصحفيين وممثلي المجتمع المدني من دول البلقان قلق عميق حول ما قد يحدث لاحقًا، لاسيما بعد تعديل الدستور التركي وإعادة انتخاب أردوغان، الأمر الذي منحه سلطات غير مسبوقة.

ويؤكد أندي بوشاتي، الصحفي والناشر الألباني على ملاحظة دوما، وصرّح أن "هذا التقارب لا يظهر نفسه فقط من خلال أعمال رمزية مثل تصفيق راما لتصريح أردوغان بأن ’كوسوفو هي تركيا وتركيا هي كوسوفو‘، ولكن أيضًا من الناحية السياسية، على سبيل المثال بتأييد إدانة أردوغان لاعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل."

وللتعبير عن إعجابهم بهذا الزعيم السلطوي، رحب زعماء الصرب ومقدونيا وكوسوفو والألبان والبوسنة بإعادة انتخاب أردوغان وحضروا تنصيبه في استعراض للتضامن.

وإبان ذلك، أصبح قبول كوسوفو لأجندة أردوغان الإسلامية أكثر شفافية. قبل بضعة أسابيع سار مئات من الكوسوفيين في مساندة "للديمقراطية التركية" بقيادة السفير التركي في كوسوفو، كيفيلك كيليتش.

بيكم كوبينا، صحفي محنك من كوسوفو، قال إن زعماء كوسوفو يجب ألا يسمحوا لأردوغان باستخدام بلادهم كنقطة انطلاق إلى أوروبا. "كوسوفو تحتاج إلى المدارس ورياض الأطفال وفرص العمل، وليس المؤسسات الدينية التي تبنيها تركيا."

ومع سعي الإتحاد الأوروبي لزيادة نفوذه في البلقان، تعمل روسيا وتركيا بجد لتعزيز علاقاتهما الخاصة بالمنطقة. كما أن الاهتمام المتجدد للاتحاد الأوروبي في ساحته الخلفية الجنوبية كان مدفوعًا بالخوف من نفوذ موسكو المتصاعد في البلقان.

تؤكد جيلينا ميليتش، مديرة مركز الدراسات الأوروبية الأطلسية في بلغراد، أن أردوغان والرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش يطوران علاقات قوية بشكل متزايد. "سجل أردوغان لا يُنتقد من قبل وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة في صربيا. وقد زار أردوغان وفوسيتش ساندزاك، وهي مقاطعة يسكنها مسلمون من البوسنة، لكن أردوغان كان حذراً للغاية لإبراز العلاقات الإقتصادية وفرص الإستثمار فقط"، كما تقول ميليتش. واستنادا ً إلى تصريحاتها، فإن نفوذ تركيا في المنطقة ينمو بسرعة مفزعة.

يصف الدبلوماسي البوسني السابق زلاتكو ديزدارفيتش الذي عمل سفيراً في الأردن وكرواتيا والعراق وسوريا ولبنان التدخل التركي في البوسنة بأنه "تهديد" يزيد من إضعاف البلاد من خلال تعميق الإنقسامات الداخلية.

وفي ليلة إعادة انتخاب أردوغان، هنأ باكير عزت بيكوفيتش، العضو البوسني في رئاسة البوسنة والهرسك، أردوغان على انتصاره قائلاً "سيدي الرئيس، أنت ليس رئيس تركيا فقط، بل أنت رئيسنا جميعاً". وقال سيد نومانوفيتش، الصحفي البوسني، إن مثل هذا البيان يشجع أردوغان على تكثيف تدخله في البوسنة التي افتتحت مؤخرا مكتباً لحزب العدالة والتنمية في سراييفو.

لقد قطع أردوغان وعدًا عامًا لبناء طريقين سريعين بين سراييفو- نوفي بازار وبلغراد. يقول نومانوفيتش إن تكلفة هذين المشروعين وحدهما تزيد على 3 مليارات يورو. وهو يعتقد أن نتيجة الإنتخابات الأخيرة في تركيا قد شجعت أردوغان، الذي سيستخدم سلطته وهيبته لزيادة نفوذه السياسي في البلقان.

إن أردوغان عازم على القيام بذلك من خلال الوسائل المالية والإستثمارات، وهناك القليل الذي يمكن أن يمنعه من ذلك لأنه يعتقد أنه قادر على قفل الأبواب أمام الإتحاد الأوروبي دون أن يحدث الشيء الكثير.

وعلى النقيض من ذلك، قال دوما إنه "في الوقت الذي تم فيه منح المشاريع الرئيسية للشركات التركية، لا توجد شركة أميركية استثمرت مؤخرا في ألبانيا". لا شك في وجود قرب ٍ ما بين رئيس الوزراء الألباني راما وأردوغان. بجانب علاقاتهما الودية فإنهما يدعمان بعضهما البعض في الإنتخابات.

ومما لا شك فيه أن أردوغان قد جعل موقفه غير الواضح واضحاً للقوى الغربية، مؤكدًا أن تركيا ستصبح قوية ومؤثرة كما كانت الإمبراطورية العثمانية في أوجها. ينبغي أن يكون لطموح أردوغان لإعادة تكوين وتفعيل عناصر من الحقبة العثمانية تأثيراً مرعبا ً على أي بلد يسعى أردوغان إلى إقامة علاقات ثنائية فاعلة معه.

هناك دائما نوايا خفية وراء انفتاح أردوغان، خاصة الآن لأن معظم دول البلقان هي في صدد التفاوض بشأن الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي، ولاسيما صربيا ومقدونيا، وهما من المرشحين المعترف بهم للانضمام.

إن البلقان الآن هي الورقة الرابحة لأردوغان ضد أوروبا، خاصة بعد أن منعته دول الإتحاد الأوروبي من توسيع جدول أعماله الإسلامي وخاصة لأن باب انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي قد أغلق بسبب كل المقاصد والأغراض.

وبما أن دول غرب البلقان تسعى إلى إقامة علاقات طويلة الأمد مع إلإتحاد الأوروبي، ينبغي على الإتحاد الأوروبي تعزيز علاقاته مع دول البلقان من خلال توفير الدعم المالي والإستثمار في المشاريع الكبرى، هذا مع الإستمرار في تشجيع الإصلاحات الإجتماعية والسياسية والإقتصادية.

ومع ذلك، وعلى الرغم من الإنشغال بخروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي والهجرة والتطرف العنيف، يجب على الإتحاد الأوروبي أن يحافظ على التقدم المطرد نحو تكامل دول غرب البلقان. ومن خلال البدء في مفاوضات الإنضمام مع مقدونيا وألبانيا اللتان تعتبران جاهزتين للإنضمام حسب اللجنة الأوروبية، سيرسل الإتحاد الأوروبي رسالة واضحة إلى بقية دول البلقان حول جديته بشأن عضويتها المحتملة.

هذا سيبعث برسالة تحذيرية إلى قادة البلقان مفادها أن الطريق إلى عضوية الإتحاد الأوروبي مفتوح، لكن الضرورة تتطلب ألا يغازلوا أردوغان الذي خان المبادئ التي أسسها الإتحاد الأوروبي، وهو مهووس بإغراء دول البلقان بالإنضمام إلى مدار قوميته الإسلامية.