أردوغان يتخلى عن سياسته العدائية تجاه الغرب بالموافقة على انضمام السويد للناتو

الرئيس التركي يوجّه بوصلته نحو أوروبا، بينما تتحرك أنقرة في كافة الاتجاهات لإيجاد حلول لأزمتها الاقتصادية العميقة.
أنقرة تسعى إلى تعزيز علاقاتها مع أوروبا والغرب

أنقرة - أنهى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان 14 شهرا من الانتظار والمفاوضات الشاقّة الاثنين بمصافحة أعطى فيها الضوء الأخضر لانضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، في خطوة رأى فيها محلّلون انعطافة في سياسته الخارجية نحو الغرب. في وقت تتحرك فيه أنقرة في كل الاتجاهات لتخطّي أزمتها الاقتصادية الحادة.

ويؤكد خبراء أن قرار أردوغان الذي لقي ترحيبا في واشنطن وباريس وبرلين، مدفوع خصوصا بتدهور الاقتصاد التركي.

وقبل أن يسافر إلى ليتوانيا الاثنين وضع الرئيس التركي شرطا جديدا للموافقة على انضمام السويد إلى الحلف الأطلسي، ما أثار مخاوف من إطالة المفاوضات مع ستوكهولم لأشهر.

وقال أردوغان الذي كان يعطّل انضمام ستوكهولم إلى الناتو منذ مايو/أيار 2022 "أولاً، افتحوا الطريق أمام عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي ثم نفتحه أمام السويد" التي اتهمها طوال أشهر بإيواء مسلّحين أكراد مطلوبين لأنقرة.

وبعد أقلّ من عشر ساعات من تلك التصريحات وإثر محادثات مع رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون والأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، أنهى رجل أنقرة القوي التعطيل.

يقول الباحث في "المعهد الألماني للعلاقات الدولية والأمن" في برلين سليم شفيق "نميل إلى الاعتقاد بأن مواقف أردوغان لا يمكن التنبؤ بها. لكن ذلك ليس صحيحا، فبمجرد أن تفهم أسلوبه في التعامل، يصبح متوقعا".

وتعتبر الباحثة في "مركز بروكينغز" أسلي آيدينتاسباس أن أنقرة تأمل أن تساهم موافقتها في "تعزيز علاقاتها مع أوروبا والغرب". وتضيف في تغريدة "لقد كانت سياسة التوازن الجديدة التي تبناها تميل كثيرا إلى روسيا".

وفي مؤشّر على هذا التحوّل، أيّد الرئيس التركي الذي حافظ على علاقات جيّدة مع موسكو، ترشيح أوكرانيا للانضمام إلى الناتو الجمعة أثناء استقباله الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في إسطنبول.

كما سمح رجب طيب أردوغان بعودة خمسة من قادة كتيبة آزوف إلى أوكرانيا، بينما ينصّ اتفاق تبادل الأسرى بين موسكو وكييف على بقائهم في تركيا حتى نهاية الحرب. وقد انتقدت روسيا الخطوة على الفور.

ويرى بعض الخبراء أن هذه التطورات علامة على أن أردوغان يحتاج بشدّة إلى الغربيين، في وقت تعمل فيه تركيا على تخطّي أزمتها الاقتصادية العميقة.

ويرى المحلل في شركة "بلو باي" تيموثي آش أنّه في حال واصلت تركيا تعطيل انضمام السويد إلى الناتو سوف يؤدي هذا الإمر إلى صعوبات اقتصادية، ولكان سيعرضها لخطر أزمة اقتصادية نظامية".

وتقول الباحثة في مركز "تيباف" في أنقرة نيلجون أريسان إيرالب إن "تركيا بحاجة إلى استثمارات غربية، لكنني لا أعتقد أن الاستثمار سيأتي فقط بسبب تغيير في خطاب الرئيس. يريد المستثمرون أولا أن يروا اقتصادا قائما على قواعد وسيادة القانون".

وتشير إلى أنّ "التغيير في الخطاب" قد يكون مؤقتا فقط، مضيفة أن مثل هذا التحول "سبق أن حدث وبعده مباشرة وقع العكس تماما"، مضيفة أن الرئيس التركي الذي أعيد انتخابه في نهاية مايو/أيار لولاية مدتها خمس سنوات، حسّن صورته لدى الرأي العام المحلّي بالخلاف الذي أثاره مع السويد وحلف شمال الأطلسي.

ويوافقها الرأي سليم شفيق الذي يرى أنّ "انتصار أردوغان الحقيقي هو تصدّره عناوين الصحف وهو أمر أساسي لصورته في السياسة الداخلية".

وكانت عرقلة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مصادقة بلاده على بروتوكول انضمام السويد إلى الحلف قد خيّمت على التحضيرات لقمة الثلاثاء، إلا أن السويد وتركيا توصّلتا إلى تسوية للخلافات بينهما في ربع الساعة الأخير.

وعقب محادثات في فيلنيوس مع إردوغان ورئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون، قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ "يسرني أن أعلن أن الرئيس إردوغان وافق على عرض بروتوكول انضمام السويد" على البرلمان "في أسرع وقت ممكن وعلى العمل مع المجلس لضمان المصادقة" عليه، مضيفا "إنه يوم تاريخي".

وتابع ستولتنبرغ إن "استكمال انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي خطوة تاريخية تفيد أمن كل الحلفاء في حلف شمال الأطلسي في هذه الأوقات الحرجة وتجعلنا جميعا أكثر قوة وأمنا".

ورحّب رئيس وزراء السويد بالموافقة التركية، واصفا موقف أنقرة المستجد بأنه "يوم جيّد للسويد" و"خطوة كبيرة جدا".

وقال كريسترسون خلال مؤتمر صحافي "نخطو خطوة كبيرة نحو المصادقة رسميا على انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي. إنه يوم جيّد للسويد"، معربا عن "سعادته الكبيرة" بالاتفاق.

ورحّب الرئيس الأميركي جو بايدن الذي وصل الاثنين إلى فيلنيوس للمشاركة في قمة حلف شمال الأطلسي، بموافقة تركيا.

وأكد بايدن في بيان "أنا مستعد للعمل مع الرئيس أردوغان وتركيا لتعزيز الدفاع وقوة الردع في المنطقة الأوروبية - الأطلسية" مشيرا إلى أنه "يتطلع" إلى انضمام السويد لتصبح الدولة الثانية والثلاثين في الحلف.

وتوعدت روسيا اليوم الثلاثاء باتخاذ تدابير مضادة لضمان أمنها، ردا على انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو".
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمر صحفي إن موسكو "تعرف الخطوات التي يجب اتخاذها لضمان أمنها"، موضحا أن هذه التدابير "ستعتمد على نوع البنية التحتية العسكرية المنتشرة في هذه البلدان (في إشارة إلى فنلندا والسويد)".
وأضاف "أؤكد لكم أنه سيتم ضمان جميع المصالح الأمنية المشروعة لروسيا، لدينا التدابير المناسبة، ونعرف ماهية هذه التدابير وكيفية تنفيذها عمليا".
وفي السياق، أعرب لافروف عن دهشته حيال "قرار فنلندا والسويد بالتخلي عن وضعهما المحايد ومميزاته"، قائلا إن الدوليتن "قد ضحتا بمصالحهما الوطنية للانضمام إلى الحرب ضد روسيا".