أردوغان يراهن على قطر لانتشال الاقتصاد التركي من أزمته

زيارة الشيخ تميم لأنقرة تأتي في توقيت حساس بالنسبة للرئيس التركي الذي يُكابد لإنقاذ اقتصاد بلاده من الركود، حيث تعول تركيا على الاستثمارات القطرية للخروج من مأزق آخذ في التفاقم.
التبادل التجاري بين أنقرة والدوحة في 2020 بلغ 1.6 مليار دولار
قطر ضخت 22 مليار دولار على شكل استثمارات في السوق التركية
553 شركة تركية تعمل في مختلف المجالات بقطر
شركات تركية نفذت مشاريع في قطر بقيمة إجمالية بلغت 18.5 مليار دولار
كل البيانات تشير إلى أن تركيا أكبر مستفيد من أزمة قطر

أنقرة - استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم الخميس في المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وسط مراسم رسمية، حيث سيترأسان الاجتماع السادس للجنة الإستراتيجية العليا التركية- القطرية، بينما من المقرر توقيع عدد من الاتفاقيات التجارية والاقتصادية.

وتأتي زيارة أمير قطر لأنقرة التي وصلها ظهر الخميس، بينما تعاني الأخيرة من أزمة اقتصادية آخذة في التفاقم مع اضطراب في قيمة الليرة وارتفاع في نسبة التضخم وتراجع في لافت في حجم الاستثمارات المحلية والدولية وتضرر قطاع السياحة نتيجة الأزمات التي فجرها الرئيس التركي مع أكثر من دولة عربية وغربية كانت في ما مضى أهم وجهة سياحية للوافدين الأجانب.

والزيارة التي تجري بالأساس تحت عناوين اقتصادية وفي ظل تداعيات جائحة كورونا التي فاقمت متاعب الاقتصاد التركي، تأتي في توقيت حساس بالنسبة لأردوغان الذي تراجع بعد سنوات من العناد والمكابرة دفعت الاقتصاد التركي للركود، عن طروحاته الاقتصادية عندما وقف على حقيقة واحدة هي أن اقتصاد بلاده أقرب من اي وقت مضى إلى الانهيار.

ورضخ الرئيس التركي أخيرا لنصائح خبراء الاقتصاد والمال في بلاده وعلى رأسهم والد زوجته ناجي إقبال الذي عيّنه محافظا للبنك المركزي والذب بادر برفع نسبة الفائدة التي كان يعارضها أردوغان لسنوات. وأقر الأخير بذلك معتبرا أن رفع الفائدة "مرّ لابدّ منه".

ويحاول أردوغان منذ استقالة صهره وزير المالية وإقالة محافظ البنك المركزي واستبداله بناجي إقبال، طمأنة المستثمرين المحليين والأجانب بعد أن باتت سياساته طاردة للاستثمار.

وهبت قطر على ما يبدو لانتشال أردوغان من مأزقه ولدعمه ماليا في تنفيذ خطة إنقاذ اقتصادي قائمة على نقيض كل طروحاته السابقة.

وليست هذه المرة الأولى التي تهب فيه الدوحة لمساعدة أردوغان فقد سبق لها أن ضخت مليارات الدولارات على شكل استثمارات في السوق التركية لإعادة الاستقرار لليرة التي فقدت منذ العام الماضي نحو 40 بالمئة من قيمتها.

وكان الرئيس التركي قد سارع لإعلان تضامنه مع قطر على اثر إعلان كل من الإمارات والسعودية والبحرين ومصر في الخامس من يونيو/حزيران 2017 مقاطعة الدوحة بسبب دعمها وتمويلها للإرهاب.

وتعاملت تركيا مع أزمة قطر بمنطق الغنيمة لتنفيس أزمتها الاقتصادية وتكثيف التعاون في عدة مجالات بما فيها العسكرية واستغلت الظرف لتعزيز تواجدها العسكري في الدوحة عبر قاعدة عسكرية مثيرة للجدل، فيما اعتبرت دول خليجية وعربية أن التصرف القطري فتح الباب للتمدد التركي في المنطقة وهو يشكل بأبعاده الجيوسياسية تهديدا للأمن القومي العربي والخليجي.

وتلتقي الدوحة وأنقرة في دعم جماعات الإسلام السياسي وعملتا على ترسيخ فكرة التمكين لتلك الجماعات في عدد من الدول بينها مصر وتونس وليبيا وقبلهما السودان، لكن سقوط حكم الإخوان في مصر ولاحقا حكم إخوان السودان بسقوط الرئيس عمر البشير، أربك مشروع المحور التركي القطري.   

وقال صندوق الثروة السيادي التركي اليوم الخميس إنه وقع مذكرة تفاهم مع جهاز قطر للاستثمار لبحث وإتمام صفقة محتملة يشتري الجهاز بموجبها عشرة بالمئة من بورصة إسطنبول، موضحا أن حصته في البورصة ستصبح 80.6 بالمئة بعد إكمال الصفقة.

وأبرمت تركيا وقطر الخميس، 10 اتفاقيات في مجالات مختلفة، في المراسم التي حضرها الرئيس التركي وأمير قطر.

وعقد الزعيمان في العاصمة التركية أنقرة، اجتماعا ثنائيا وآخر موسعا على مستوى الوفود، ثم شاركا في مراسم توقيع الاتفاقيات العشر.

ووقع مسؤولون من الجانبين الاتفاقيات في مجالات مختلفة أبرزها: الاستثمار المشترك في مشروع "القرن الذهبي" بمدينة إسطنبول والبورصة وأنشطة الترويج المشترك في المناطق الحرة.

وتضمنت الاتفاقيات إنشاء لجنة اقتصادية وتجارية مشتركة والتعاون في مجال إدارة المياه وتعزيز التعاون الاقتصادي والمالي والتعاون في مجالات الأسرة والمرأة والخدمات الاجتماعية.

كما وقع وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، ونظيره القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، البيان الختامي لاجتماع الدورة السادسة للجنة الإستراتيجية العليا بين البلدين.

أردوغان يحتفي بأمير قطر أملا في ضخ قطر المزيد من الاستثمارات في السوق التركية عالية المخاطر التي هجرها معظم المستثمرين الأجانب
أردوغان يحتفي بأمير قطر أملا في ضخ قطر المزيد من الاستثمارات في السوق التركية عالية المخاطر التي هجرها معظم المستثمرين الأجانب

وبحث أردوغان والشيخ حمد علاقات التعاون الإستراتيجية بين البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية والاستثمارية والدفاع والطاقة والتعليم والنقل والرياضة.

وذكرت وكالة الأنباء القطرية (قنا) أن "الدورة السادسة للجنة الإستراتيجية العليا القطرية التركية التي عقدت في القصر الرئاسي بمدينة أنقرة، استعرضت نتائج أعمالها في أعوامها الماضية".

وكان السفير التركي لدى الدوحة مصطفى كوكصو قد كشف أمس الأربعاء أنه سيتم توقيع ما يزيد عن 8 اتفاقيات جديدة بين البلدين، خلال اجتماع اللجنة في أنقرة.

وأضاف أن هذه "الاتفاقيات تتنوع بين التعاون العسكري الدفاعي والاقتصادي والصناعي، إضافة لمجال التجارة الدولية والمناطق الحرة وإدارة الموارد المائية وكذلك اتفاقية في مجال الشؤون الإسلامية والدينية والأسرية".

ويُعقد في أنقرة الخميس الاجتماع السادس للجنة الإستراتيجية العليا التركية- القطرية برئاسة كل من أردوغان والشيخ تميم وسيعقدان لقاء قمة على هامش الاجتماع.

وهذه القمة ستكون الثامنة والعشرين بين الرئيس التركي وأمير  قطر خلال سبعين شهرا، وهو رقم قياسي في تاريخ العلاقات بين تركيا وقطر.

وفي عام 2020 شهد قمتين بارزتين، الأولى خلال زيارة أردوغان للدوحة في 2 يوليو/تموز وهي الأولى له خارجيا بعد ظهور جائحة كورونا، ووصُفت الزيارة حينها بالاستثنائية.

أما القمة الثانية فكانت في 7 أكتوبر/تشرين الأول وأيضا خلال زيارة عمل قام بها الرئيس التركي إلى الدوحة واستمرت ليوم واحد.

وبعد سنوات من التوافق والتناغم في السياسات، تم تأسيس اللجنة الإستراتيجية المشتركة في 2014، وعقدت خمسة اجتماعات، مناصفة بين قطر وتركيا.

وخلال تلك الاجتماعات تم توقيع 52 اتفاقية و5 بيانات مشتركة ومن المقرر أن يرتفع عددها خلال الاجتماع السادس للجنة.

وتتنوع تلك الاتفاقيات في مجالات الاقتصاد والصناعة والدفاع والأمن والاستثمار والطاقة والثقافة والملكية الفكرية والتعليم والشباب والاقتصاد وغيرها من مجالات التعاون الحيوية.

واستضافت الدوحة الدورة الأولى للجنة الإستراتيجية المشتركة، في ديسمبر/كانون الأول 2015، بينما عُقدت الثانية في مدينة طرابزون التركية في 2016 والثالثة في الدوحة في العام 2017 والرابعة في إسطنبول في العام 2018 والخامسة في الدوحة 2019 والحالية (السادسة) في أنقرة.

وشهد الاجتماع الخامس في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، توقيع سبع اتفاقيات في مجالات الاقتصاد والتمدن والتجارة والصناعة والتكنولوجيا وقطاعات الصحة، فضلا عن التخطيط الاستراتيجي والتعاون العلمي والملكية الفكرية.

وفي كل عام تُعقد اجتماعات اللجنة الإستراتيجية على أعلى مستوى وهي آلية للتشاور حول العلاقات القطرية التركية وتمثل أحد أهم مؤشرات العلاقات الثنائية المكثفة والقوية.

ويوجد تناغم سياسي كبير واتفاق في وجهات النظر بين أنقرة والدوحة تجاه الكثير من قضايا المنطقة، مثل الأزمات في سوريا وليبيا واليمن والوضع بالعراق.

وطبقا لبيانات الملحقية التجارية لتركيا في قطر، سجل التبادل التجاري بين البلدين نموا بحوالي 6 بالمئة في العام الحالي، ليصل إلى حوالي 1.6 مليار دولار، فيما بلغت الاستثمارات القطرية في تركيا حوالي 22 مليار دولار.

وتعمل 553 شركة تركية في مختلف المجالات بقطر وتولت شركات مقاولات تركية تنفيذ مشاريع في الدولة الخليجية بقيمة إجمالية نحو 18.5 مليار دولار. كما توجد 179 شركة قطرية في تركيا.

وفي مجال السياحة، وصل عدد الزائرين القطريين لتركيا قرابة 30 ألفا في 2016، ثم تزايد العدد في 2019 إلى نحو 110 آلاف.

ووقع الجانبان في تركيا يوم 19 ديسمبر/كانون الأول 2014، اتفاقية "التعاون بين حكومة الجمهورية التركية وحكومة دولة قطر في مجالات التدريب العسكري والصناعة الدفاعية وتمركز القوات المسلحة التركية على الأراضي القطرية"، والتي تم اقتراحها خلال زيارة الرئيس أردوغان لقطر في وقت سابق من العام نفسه.

وقُدمت الاتفاقية إلى البرلمان التركي في 10 فبراير/شباط 2015، لمناقشتها وصادقت عليها لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان في 5 مارس/آذار من العام نفسه.

وبموجب هذه الاتفاقية، تم تعزيز الوجود العسكري التركي في قطر، فضلا عن تنفيذ البلدين تدريبات عسكرية مشتركة.

وافتُتح المقر الجديد للقوات المشتركة التركية-القطرية في ديسمبر/كانون الأول 2019، بحضور كبار القادة العسكريين من البلدين وأُطلق عليها "قاعدة خالد بن الوليد."

وكانت مراسم استقبال أمير قطر اليوم الخميس في أنقرة لافتة لافتا، حيث استقبلت فرقة الخيالة التابعة لحرس القصر الرئاسي الشيخ تميم أمام المجمع الرئاسي ورافقته حتى بوابة البروتوكول في المجمع، حيث كان في استقباله أردوغان.

وأُقيمت مراسم استقبال رسمية للشيخ تميم في ساحة المجمع الرئاسي، حيث تم عزف النشيد الوطني لكلا البلدين. وأطلقت المدفعية 21 طلقة، ترحيبا واستعرض الزعيمان حرس الشرف.